مواصلة لعبة القطّ والفأر

تتخذ شخصيات إيرانية بارزة حاليا مواقف متناقضة: فينما أعطى علي لاريجاني إشارات واضحة لاستعداد بلاده للقبول بحل وسط، تابع أحمدي نجاد التحدَّث بلهجة لا تعرف المساومة. تعليق بقلم بهمان نيروماند

​​تتخذ شخصيات سياسية إيرانية بارزة حاليا مواقف متناقضة: فينما أعطى كبير المفاوضين لدى الطرف الإيراني علي لاريجاني إشارات واضحة لاستعداد بلاده للقبول بحل وسط، تابع الرئيس الإيراني أحمدي نجاد التحدَّث بلهجة لا تعرف المساومة. تعليق بقلم بهمان نيروماند

قال السيناتور الأمريكي جوزيف ليبرمان بعد الكلمة التي ألقاها كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين علي لاريجاني في مؤتمر ميونخ الأمني الأخير: "أتساءل: أيِّ بلد يمثل السيد لاريجاني في هذا المؤتمر؟"

في الحقيقة لقد تحدَّث علي لاريجاني المتشدِّد في سياسته والذي يُعتبر من أكثر المدافعين عن البرنامج النووي الإيراني بلهجة معتدلة أثارت دهشة الحضور، إذ قال: "ينبغي لكم أن لا تكونوا قلقين"، محاولاً بذلك طمأنة المشاركين رفيعي المستوى الذين حضروا المؤتمر من كلِّ الدول الكبرى: "إنَّ إيران لا تهدِّد إسرائيل ولا أوروبا كما أنَّها لا تدعم أيّ إرهابيين". وتابع: "لا داعٍ لأيَّة شكوك في نوايا إيران السلمية".

أكَّد لاريجاني أنَّ طهران مستعدَّة للتعاون مع مجلس الأمن التابع للأمم المتَّحدة. وقال: "لا بدّ لنا من المفاوضات وتبادل الاحترام". وقد صرَّح للمرَّة الأولى بصفته ممثِّلاً رسميًا للجمهورية الإسلامية أنَّ طهران سوف تقبل بتحديد سقف لعمليات تخصيب اليورانيوم بنسبة أربع درجات.

وقد تابع قائلاً: "على الرغم من إنَّ هذا ليس عادلاً إلاَّ أنَّ إيران مستعدَّة للنزول على رغبة مجلس الأمن حتَّى إلى هذا الحد من أجل السلام". يتيح اليورانيوم المخصَّب إلى هذه النسبة المنخفضة فقط إنتاج الوقود للمفاعلات النووية، في حين تحتاج صناعة قنبلة ذرية إلى يورانيوم مخصَّب إلى نسبة مرتفعة تصل إلى حوالي تسعين درجة.

مطالب الوكالة الدولية للطاقة الذرية

سمحت طهران قبل يوم من حضور لاريجاني إلى مؤتمر ميونخ بنصب المزيد من كاميرات المراقبة في منشآت نطنز النووية، التي تجرى فيها عمليات تخصيب اليورانيوم. وبذلك تمّ الآن نصب كلِّ الكاميرات التي تطالب بنصبها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حسبما ورد في بيان لهيئة الطاقة النووية الإيرانية: وعليه تستطيع الآن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن تراقب المنشآت الإيرانية بصورة مباشرة وباستمرار.

أشار لاريجاني أيضًا إلى ذلك وقد صرَّح أنَّ إيران سوف تتغلَّب في غضون الثلاثة أسابيع القادمة على الخلاف مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

لا توجد إشارات حسب معلومات المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي إلى أنَّ إيران تنوي صنع قنبلة ذرية. بيد أنَّ البرادعي ينتقد قيام حكومة طهران بإخفاء بعض الأقسام من برنامجها النووي وعدم إجابتها على كلِّ الأسئلة - على حدّ تعبيره.

إيران عازمة على مواصلة نشاطاتها النووية

صدرت عن طهران لهجة مختلفة كلّ الاختلاف تقريبًا في عين الساعة التي ألقى فيها لاريجاني كلمته في مؤتمر ميونخ. حيث جدَّد الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في احتفال جماهيري أقيم في طهران بمناسبة الذكرى الـ28 للثورة الإسلامية رفضه التوقّف عن تخصيب اليورانيوم، الذي يطالب به مجلس الأمن التابع للأمم المتَّحدة.

​​قال الرئيس الإيراني سوف يكون التوقّف عن متابعة النشاطات النووية بمثابة "إهانة" بالنسبة للجمهورية الإسلامية. وأعلن أحمدي نجاد بينما كان المشاركون في الاحتفال الجماهيري يهتفون بهتافات مثل "الموت لأمريكا" و"الطاقة الذرية من حقنا" أنَّ الأمة الإيرانية عازمة على "مواصلة نشاطاتها النووية ضمن إطار المعاهدات والتعليمات الخاصة بالوكالة الدولية للطاقة الذرية".

أضاف أحمدي نجاد أنَّ بلاده مستعدَّة للمفاوضات في كلِّ وقت، بيد أنَّها ترفض الشروط المسبقة: "إنَّ إيران مصرَّة إصرارًا لا يتزعزع على حقِّها في الاستخدام السلمي للطاقة النووية ولن تثنيها عن ذلك لا العقوبات المفروضة عليها من خلال مجلس الأمن التابع للأمم المتَّحدة ولا تهديدات الولايات المتَّحدة الأمريكية".

أعلن أحمدي نجاد عن بدء مرحلة جديدة من عمليات تخصيب اليورانيوم، على الرغم من النشاطات العسكرية التي تقوم بها الولايات المتَّحدة الأمريكية في الخليج العربي والتي تشير حسب تقديرات الكثير من المراقبين إلى هجوم متوقَّع على منشآت إيران النووية وعلى بعض مواقعها العسكرية.

قال الرئيس الإيراني إنَّه سوف يصدر بيانًا مناسبًا حتَّى الـ9 من شهر نيسان/أبريل. لقد أعلن للشعب في الـ9 من نيسان/أبريل من العام الماضي عن "الخبر المفرح"، الذي كان مفاده أنَّ عمليات تخصيب اليورانيوم بلغت مرحلة جديدة وعليه فقد دخلت بلاده إلى نادي الدول النووية. من المتوقَّع أن يعلن عن زيادة عدد أجهزة الطرد المركزي في مفاعل نطنز من 165 جهاز طرد مركزي إلى ثلاثة آلاف جهاز.

تصريحات إيرانية متناقضة

من المحيِّر أيضًا أنَّ الناطق الرسمي في وزارة الخارجية الإيرانية صرَّح للصحافة بعد خطبة أحمدي نجاد بيوم قائلاً: "إنَّ إيران مستعدَّة للتفاوض على كلِّ شيء وكذلك على إيقاف عمليات تخصيب اليورانيوم".

تدعوا هذه التناقضات لدى قيادة الدولة الإيرانية إلى التكهّنات. من المعروف على كلِّ حال أنَّ السياسة الخارجية المتطرِّفة، التي يتَّبعها أحمدي نجاد وموقفه المتشدِّد في الخلاف حول البرنامج النووي الإيراني والحملات التي يشنَّها على الولايات المتَّحدة الأمريكية وإسرائيل وسياسته الخاصة بالعراق ولبنان وفلسطين لا تواجه رفضًا فقط من قبل المصلحين، بل تعتبر كذلك موضوع خلاف حاد لدى المحافظين المعتدلين.

يعتبر الموقف الذي يتخذه قائد الثورة الإسلامية علي خامنئي بمثابة الرأي الفاصل في هذه الجدالات التي يتم خوضها بصورة تزداد حدَّتها، أيضًا بسبب عجز الحكومة وعدم إيفائها بوعودها الانتخابية.

لقد حاول خامنئي حتَّى الآن دعم أحمدي نجاد على الأقل بصورة شفهية. بيد أنَّه بدأ يبتعد على ما يبدو منذ فترة قصيرة عن دعمه لأحمدي نجاد. إنَّ مجرَّد إرساله لمستشاره للشؤون الخارجية الذي تولَّى منصب وزير الخارجية لفترة طويلة علي أكبر ولايتي، من أجل المفاوضات حول البرنامج النووي مع الحكومة الروسية في موسكو، متجاهلاً بذلك ممثِّلي الحكومة الإيرانية، يدل بوضوح على أنَّه يريد تقييد رئيس الحكومة.

يتعرَّض خامنئي لضغط من قبل السياسيين المحنَّكين الذين أصبحوا فيما بين براغماتيين، الذين يحذِّرون من خطر خارجي ويطالبون باتِّباع مسار أكثر احتراسًا في السياسة الخارجية، مثل الرئيس الإيراني السابق هاشمي رفسنجاني.

كذلك يدل السماح لعلي لاريجاني بالاشتراك في مؤتمر ميونخ، هذا المفاوض الذي يبدو أنَّه أصبح شخصيًا أحذق من ذي قبل، على أنَّ خامنئي رضخ لضغط ذوي السلطة. في البدء قبل لاريجاني بالدعوة التي وجِّهت إليه لحضور مؤتمر الأمن في ميونخ، ثمّ قيل إنَّه اعتذر عن الحضور لأسباب صحية. لكن من الممكن أيضًا تفسير هذه المماطلة على أنَّها مواصلة للعبة القطّ والفأر، التي يتحايل من خلالها رجال الدين الإيرانيون الحذقون منذ عهد طويل الأمد على مفاوضيهم الأوروبيين.

ازدواجية في سياسة الاتِّحاد الأوروبي

من الممكن أن يكون هذا هو السبب الذي حمل وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي إلى اتِّخاذ قرار أثناء لقائهم بعد يوم من انعقاد مؤتمر ميونخ الأمني، يقضي بتنفيذ العقوبات التي قرَّرها مجلس الأمن بحقّ إيران في الـ23 من شهر كانون الأوَّل/ديسمبر العام الماضي.

بيد أنَّهم شدَّدوا في نفس الوقت على أنَّ الاتحاد الأوروبي لا يزال يسعى مثل ذي قبل إلى التوصّل إلى حلٍّ ديبلوماسي ومتابعة المفاوضات مع طهران، وذلك من أجل عدم تكدير الأجواء مع طهران.

​​لا تزال إتاحة الفرصة من أجل العودة إلى المفاوضات تتعلَّق بإيران، حسب قول وزير الخارجية الألماني الاتِّحادي فرانك-فالتر شتاينماير. تمّ إكمال هذه الإزدواجية التي تعتبر بمثابة سياسة الترغيب والترهيب من خلال هذا الموقف المحرج؛ بعد لقاء وزراء خارجية دول الاتِّحاد الأوروبي وصل تقرير داخلي أعدَّه خافير سولانا مفوَّض الاتِّحاد الأوروبي إلى الصحافة.

كتب سولانا شخصيًا في هذا التقرير الذي نشرته صحيفة الفينانشيل تايمز الألمانية: "يجب علينا أن نضع في الحسبان أنَّ إيران سوف تكون في يوم ما قادرة على تخصيب اليورانيوم إلى الدرجة الضرورية من أجل برنامج تصنيع أسلحة ذرية".

لن يُحلّ الخلاف القائم مع إيران فقط عن طريق العقوبات الاقتصادية، حسب تعبير سولانا. إنَّ الصعوبات التقنية هي فقط التي أعاقت حتًّى الآن تقدّم البرنامج النووي الإيراني - وليست على سبيل المثال القرارات المتَّخذة من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتَّحدة أو الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

سوف يعتبر الساسة المتشدِّدون من جانبهم هذا التقرير دليلاً على أنَّ ليس هناك ما يخيف إيران وأنَّها يمكن أن تتابع برنامجها النووي من دون تقديم تنازلات؛ كما سوف يعتبره المعتدلون دليلاً على أنَّ الولايات المتَّحدة الأمريكية والاتِّحاد الأوروبي سوف تلجآن من دون شكّ إلى الخيار العسكري.

في الـ23 من شهر شباط/فبراير الجاري سوف تنتهي المهلة التي حدَّدها مجلس الأمن التابع للأمم المتَّحدة. وحتَّى ذلك التاريخ سوف يظهر أيّ من الطرفين سيفرض إرادته في إيران - الساسة المتشدِّدون أم المعتدلون.

بقلم بهمان نيروماند
ترجمة رائد الباش
حقوق الطبع قنطرة 2007

بهمان نيروماند صحفي إيراني مقيم في برلين

قنطرة

حبل النجاة الذي ينتظره نظام الملالي
تتناقل وكالات الأنباء الكثير من التقارير المتضاربة حول احتمال إقدام الولايات المتحدة الأميركية على توجيه ضربة الى ايران. إن أي هجوم عسكري أميركي على ايران سوف يقوي نظام الملالي بدل تقويضه، حسب رأي كاتبة المقال نسرين علوي