الترجمة؛ وسيلة تلاقح حضاري بيت الحكمة ونقل تراث الأوائل
لا أحد ينكر ما للترجمة من دور هائل في تلاقح وتثاقف الشعوب بعضها مع بعض، وهو ما يؤكّده التاريخ في أكثر من محطة، نذكر منها؛ اللحظة اللاتينية: حين تمّ نقل التراث الإسلامي، فكان ذلك عاملًا أساسيًّا في تعريف الأوروبيين بإشكاليات تمخضت بعد حوار عميق بين الإسلام والثقافات القديمة، وخصوصًا اليونانية منها، وبالضبط الأرسطية التي وصلت مشروحة عند اللاتين، مما مهد إلى "تنصير أرسطو" في القرن الثالث عشر للميلاد مع القديس توما الأكويني (1225/1274م)، ومن ثمّ، هزيمته في القرن السابع عشر للميلاد، وهو ما فتح الباب لانبثاق الزمن الحديث، وقبل ذلك، كانت هناك محطة مهمة أخرى، تجلت في بيت الحكمة زمن العباسيين؛ حيث تم نقل علوم الأوائل، خاصة الإغريق، إلى التربة الإسلامية، وهو ما تبعه فوران وغليان نظري، وقد أخذ تارةً صبغة الحوار والقبول والتبني؛ بل التقليد، وتارة أخرى صبغة الصراع والرفض والتجديد. سنلقي نظرة حول هذه المحطة بالذات، متسائلين حول طريق نقل تراث الأوائل؟ وأسباب حمى الترجمة إلى العربية؟ وهل، حقًّا، الترجمة كانت فقط في الزمن العباسي؟ ألم تكن قبلها ترجمات عند الأمويين؟ بل ألم تكن هناك ترجمات شفوية، أدت إلى انخراط العرب في المنظومة العالمية قبل حتى مجيء الإسلام؟ وما هي تأثيرات هذا النقل على البنية الإسلامية؟