المغرب وألمانيا...اتصال ثقافي خاضع للوسيط الفرنسي
في "الرواق الألماني" بمعرض الكتاب والنشر بالدار البيضاء تطالعك "قامة الشاعر" والأديب يوهان فولفغانغ فون غوته من خلال صورة كبيرة معلقة تخطف الأضواء في المعرض، وإلى جواره نصبت صورة ويليام شكسبير وإلى جنبيهما فرناندو بسوا وفي طرف الجناح صورة نيكولا دي بيرناردو ميكيافلي.
هي الثقافة والأدب ورهانات تجمع بصيغة المشترك، في رؤية الشبكة الأوروبية للمعاهد الثقافية الوطنية، في ذات البعد والفضاء.
وأنت تقف إلى "عبق غوته" الضارب عبر الصورة والخيال تتحسس بين جوانحك نسائم فرانكفورت ورائحة فايمار، وإليهما ريح الشرق والجسر وما بينهما. الشرق الذي افتتن به غوته في محطة من حياته الفكرية الفياضة. هو ذاته الجسر(بين الغرب والشرق) يتراءى اليوم من بعيد، وإن تغيرت سياقات وظروف واستجدت مقاربات بين الأمس واليوم.
في الرواق الألماني يطالع الزائر "الجبل السحري" (توماس مان) في شموخ، في عرض مزدوج باللغتين الألمانية والعربية.
وفيه سفح الجبل يفوح أريج إلفريده يللينك " عازفة البيانو"، ويطل " فاوست" من قمقمه و تلوح "آلام الشاب فيرتر" من أعلى قمة الجبل وتنبسط قنطرة غوته بالعالم العربي في خيوط "كتارينا مومزن"، لتتلاحق بين الفجاج والوهاد نسوج برتولد بريشت و"سنوات الكلاب" لصانع "الطبل الصفيح" إلى عبق "الأسئلة المخفية" لشتيفان فايدنر، التي تتقفى تضاريس الجسر والأثر، وبقية قمم وجواهر خالدة في "بلاد الراين"، وفي بقاع من العالم...
يقول رشيد، المسؤول عن الرواق الألماني عن فعاليات المعرض الذي اختتمت فعالياته يوم السبت 06 إبريل نيسان 2013، إن من بين الفقرات المحورية في المشاركة الألمانية ورشة "سلاسل الرسومات" المخصصة للأطفال ولقاء تقديم كتاب "غدا برلين" لأوسكار كوب فان في تنسيق مع المعهد الثقافي الفرنسي، و حضور الكاتب والمترجم الألماني شتيفان فايدنر ضمن فعاليات مشاركة هذه السنة.
ويشير رشيد موازاة أن المشاركة الألمانية في المعرض هي منحصرة في معهد غوته، وتغيب عنه دور نشر وناشرون ألمان، اعتبارا لـ "نوعية الجمهور، وهيمنة التجاري، التي يتسم بها المعرض في العموم"، كما يقول.
البحث عن مراد هوفمان وحضور سؤال الأدب واللغة
يتوقف محمد وصديقه عمر بالرواق يشد الأول "ظل غوته" في الصورة، فيطلب من صديقه توثيق اللحظة بواسطة آلة تصوير.. محمد، الذي تستهويه الثقافة الألمانية بشكل بدا واضحا في الحديث لم يُخْفِ استغرابه من قلة عدد الكتب الألمانية والترجمات العربية المعروضة في الرواق.
ويتساءل إلى ذلك، لماذا يغيب في الرواق مثلا صاحب "رحلة إلى مكة" مراد هوفمان: "إنه نموذج للحوار الحضاري بين ألمانيا والقارئ العربي/الإسلامي" يقول، قبل أن يلتقط هو وصديقه نسختين ورقيتين من مجلة "فكر وفن"، التي يصدرها معهد غوته، والمطروحة للزوار بالمجان في المعرض، و يتابعان سفرهما بين مسارب الكتب والأروقة.
فاطمة طالبة في "شعبة الدراسات الألمانية" قادمة من فاس، متعلقة باللغة الألمانية والأدب بحكم دراستها، وهي تتقاسم مع محمد نظرة "الحضور المقزم" في حجم وهندسة الرواق الألماني في المعرض، مقارنة مع دول مثل فرنسا وإسبانيا والمملكة العربية السعودية ودولة الكويت، تقول فاطمة، التي تأسف أيضا لكون الكتب الألمانية في الرواق مطروحة للعرض فقط وليس للبيع ..
أما براون وهو مواطن أميركي من أصل أنكليزي يعيش في فرنسا، فكيشف في زهو في حديث قصير عن "علاقة وطيدة" تربطه بالكتاب الألماني، الذي يطلع عليه عبر أعمال مترجمة، وسرد عناوين لأسماء من قبيل فالتر بنجمان، غوته وشيلر و مارتن أور، وعن رأيه في الرواق قال: "هو باب جميل هنا في المغرب"....
"الحضور الألماني في المعرض محصور في معهد غوته"، يقول رشيد الذي يدير موزاة مكتبة معهد غوته هنا في المغرب، وأن غالبية الزوار المغاربة للرواق يسألون قبل كل شئ عن كتب تعلم اللغة الألمانية وعن شروط الدراسة بالمعهد وفي ألمانيا، ويضيف أن الاستفسار عن كتب الأدب من طرف الطلبة والباحثين ومتخصصين يحظى بأكبر نصيب، فيما السؤال عن الكتب الألمانية العلمية والتقنية هو نادر أو يكاد يغيب.
"في ألمانيا تسود نظرة سياحية عن الثقافة المغربية"
عن وضع التعاون الثقافي بين ألمانيا والمغرب وحول العوائق التي تحول دون تحقيق تعاون كبير بينهما، يقول باحث مغربي نحن نعرف ألمانيا عموما عن طريق الترجمة الفرنسية، والوسيط ليس دائما بريئا.."، وهو يرى بهذا " أن الترجمة في المضمون الذي يصلنا هي في الأعم ثقافة ألمانية مفرنسة"، وهو يتساءل:"هل أنا أمام عمل فكري ألماني أم عمل فكري ألماني عبر فرنسا...؟".
فيما يدعو شتيفان فايدنر في ذات المحور من جهته الألمان إلى الخروج من "النظرة السياحية" السائدة اتجاه "الثقافة المغربية"، أو "اعتبارها مثل متحف من الماضي أو متحف من الشرق كما يراه غالبية الأجانب وهو مشكل"، كما يقول فايدنر، ويضيف:" يجب النظر إلى الثقافة المغربية مثل ثقافة حية لها قيمتها اليوم، أتمنى أن يستمع الألمان لموسيقى مغربية أكثر ويطبخون أكلا مغربيا أكثر..".
أما مراد علمي، وهو جامعي مختص في الأداب الألماني فيرى أن التعاون الثقافي بين المغرب وألمانيا "فاتر وخامل"، ويكاد يغيب في قراءته..فيما يتحدث عبد الجليل ناظم وهو ناشر عن "دار توبقال" في المغرب عن ما أسماه في رأيه بـ"المفارقة"، يقول: "تعرض ترجمات بالعربية لهلدرلين وغوته و نوفاليس، هيدغر و نيتشه وغيرهم معروفون في الأوساط الجامعية والثقافية المغربية، لكن، وهذا هو وجه المفارقة ، ليست هناك قنطرة تعاون صلبة بين المغرب وألمانيا".
"بين ألمانيا والمغرب هناك اتصال وليس هناك تواصل"
و في نقطة أخرى تهم اللغة يعود شتيفان فايدنر للتأكيد على "أن المغرب بلد مركب و تواجد ثلاث لغات متمثلة في العربية والأمازيغية والفرنسية لا يجعل من السهل فهم المغرب حقيقة"، كما يتقاطع صاحب "الأسئلة المخفية" مع وجهة نظر الباحث المغربي في مفصل حين يقول فايدنرأيضا أن: "غالبية الأجانب يتعرفون على المغرب فقط من بوابة البعد الفرنكفوني، هذا طبيعي لكن طبعا هذا عائق..".
فيما يؤاخد مراد علمي على ألمانيا تركيزها أساسا على الجانب الاقتصادي في علاقتها مع المغرب.."، وفي المقابل فهي تبقي على الثقافي في الهامش". ويعود الباحث المغربي لمسألة رؤية البلدين لبعضهما عبر "الوسيط" ويقول: "صورة الوسيط تحجب عنا في كثير من الأحيان حقيقة ألمانيا، حين أقرأ مثلا كانط أو بريشت وهيغل، فإنني آخذهم بالتصور الفرنسي، وهذا حاجز خلق عندي وعيا شقيا لقضايا طرحها الفكر الألماني على نفسه".
وانطلاقا من ذلك، يستنتج: "نحن بهذه الحال أمام ترجمة عربية عن فلسفة ألمانية في الفرنسية وهنا خطورة الوسيط.."، ويضف أن "ما يحدث اليوم بين المغرب وألمانيا في الميدان الثقافي هو أن هناك اتصالا وليس هناك تواصلا"...
بوعمرو العسراوي
تحرير: منصف السليمي
حقوق النشر: دويتشه فيله 2013