10 رؤى عن الثورة المصرية في ''18 يوم''
عشر حكايات – هل تحكي حكاية الثورة المصرية؟ ما زال الحدث ساخناً، وما زالت الثورة غير مكتملة – هل يمكن صنع فيلم عنها؟ هذا ما حاوله عشرة مخرجين في فيلم "18 يوم" الذي يروي – من زوايا مختلفة – قصة الأيام التي مثلت نقطة تحول فارقة في تاريخ مصر المعاصر. عُرض فيلم "18 يوم" في مهرجان "كان" هذا العام، بعد أشهر قليلة من سقوط نظام حسني مبارك في مصر. عُرض الفيلم في إطار مهرجان هامبورغ السينمائي، وفي كولونيا في إطار الأيام السينمائية التي نُظمت تحت عنوان "لا خوف بعد اليوم".
بخار الغضب
لا أعرف ما إذا كان المخرجون العشرة قد تفاهموا فيما بينهم حول الرؤية التي يود كل منهم أن يقترب من خلالها إلى الأيام الثمانية عشر. ولكن الأفلام العشرة أتت بالفعل مختلفة، لا تتكامل بالضرورة، غير أنها تسلط الضوء على جوانب عدة من هذا الحدث الكبير. الفيلم الأول في "18 يوم" للمخرج المعروف شريف عرفة، وهو بعنوان "احتباس". في هذا الفيلم تظهر مجموعة من المرضى في مصحة الأمراض النفسية والعقلية، منها الإسلامي، أو المتدين الذي أعتبرته السلطات الأمنية إسلامياً إرهابياً مجنوناً، ورجل الأعمال الذي تآمر عليه "مسؤولون" في الدولة بالاشتراك مع أولاده للحجر على أمواله بإدخالة "مستشفى المجانين"، وأستاذ التاريخ والإعلامي وضابط الشرطة والشاب .... يشاهد النزلاء انفجار الثورة على شاشة التلفزيون، ويتابعونها، ثم ينقسمون حولها بين مؤيد ومعارض. ضابط الشرطة في ناحية، مضادة للثورة بالطبع؛ وبقية المجموعة مع الثورة.
الرسالة التي يريد الفيلم توصيلها هو أن كل النزلاء – هل يمثلون الأغلبية الصامتة التي لم تشارك في الثورة؟ - كانوا ضحايا القمع، وضحايا ظروف تدفع إلى الجنون، أو إلى الانفجار – الذي هو نتيجة طبيعية لاحتباس بخار الغضب. رسالة مباشرة وغير مقنعة، لا سيما وأن شخصيات هذا الفيلم نمطية إلى حد كبير. فيلم "خلقة ربنا" للمخرجة كاملة أبو ذكري اختار زاوية أخرى للثورة. إنها قصة فتاة من سكان "العشوائيات" بالقاهرة، تقتات هي وأهلها من فتات بيع الشاي والقهوة في أحد الميادين. حلم الفتاة أن تصبغ شعرها، غير أنها تقع في أزمة ضمير. هل يحق لها كمسلمة متدينة أن تغير من خِلقة الله؟ هذه الفتاة تعايش المظاهرات وتنضم في لحظة غضب إلى المنادين بـ"التغيير والحرية والعدالة الاجتماعية". تحول قد يبدو غير مقنع، ولكنه يعبر عن انضمام البسطاء للثورة، البسطاء المنادين بحقوقهم الإنسانية الأساسية.
التعذيب والعجز الجنسي
الفيلم الثالث بعنوان "19 – 19" وهو للمخرج الشاب مروان حامد الذي ذاع اسمه بعد فيلم "عمارة يعقوبيان". الفيلم بطولة عمرو واكد، أحد أشهر الفنانين الذين شاركوا في الثورة، وهو يحكي حكاية شبيهة – جزئياً - بحكاية الناشط المصري وائل غنيم. واكد في الفيلم مدير مبيعات لشركة كمبيوتر في كل منطقة الشرق الأوسط، ويتهمه ضباط أمن الدولة بأنه خطط للإنقلاب على نظام الحكم. نشاهد جلسات التعذيب التي يتحملها واكد معصوب العينين. وذات يوم يقول للضباط إنه يريد الاعتراف، ولكن بشرط أن ينظر في وجه الضابط. عندما يأمر الضابط بذلك، يقول له: إن التعذيب تعويض عن العجز الجنسي الذي يعاني منه مَن يقوم بالتعذيب. نظرية استمدها بطل الفيلم مما قرأه عن ضباط "الغستابو" في ألمانيا النازية، ولا تبدو مقنعة تماماً لتفسير القمع العنيف والتعذيب الوحشي اللذين سادا السجون المصرية.
أما فيلم "إنْ جالك الطوفان" للمخرج محمد علي فيعرض قصة الفقراء والمهمشين الذي لا يرون في الثورة سوى سبب للرزق والانتفاع. إنها قصة من يبيع الأعلام للثوار، وصور حسني مبارك لأتباع جماعة "آسفين يا ريس". في فيلم "حظر تجول" للمخرج شريف البنداري نرى قصة إنسانية بسيطة، عيبها الوحيد هو الإطالة الشديدة. طفل يريد "الاشتراك" في الثورة، ولو عن طريق أن تُلتقط له صورة أمام دبابة، غير أن جده يرفض. لكن الطفل يريد الخروج والمشاركة في التظاهر، حتى إذا كانت المشاركة سلبية. يدعي الطفل المرض، فيذهب به الجد إلى المستشفى، وعند عودته إلى المنزل يُفاجئ بفرض حظر التجول. وبعد انتهائه في الصباح يقف الطفل على دبابة منتصراً.
في فيلم "كحك الثورة" يؤدي أحمد حلمي باقتدار دور المواطن البسيط الذي يسير بجوار الحائط، نموذج للمصري "الغلبان" الذي لا يريد بأي حال أن يتعرض للمساءلة. مواطن يسيطر عليه الخوف والعجز. هذا المواطن تضعه الظروف في طريق الثورة، فينتقم منه المتظاهرون لاعتقادهم خطأ أنه شرطي. أما فيلم "تحرير 2/2" للمخرجة مريم أبو عوف فيعرض لما اشتهر لاحقاً باسم "موقعة الجمل". إنها قصة قاتل مأجور من بلطجية "الحزب الوطني"، يعيش في أحد الأحياء العشوائية (آسر ياسين)، يقضي يومه نائماً من أثر المخدرات التي يتناولها ليلاً، ولا يستطيع أن يعول امرأته (هند صبري) ولا أطفاله.
المخرج الشاب أحمد عبد الله قدم قصة شاب وشابة، الأول يتابع الثورة عبر الفيسبوك والفضائيات، والثانية ناشطة تشارك في المظاهرات، إلى أن يتقابلا بعد سقوط نظام مبارك. أما فيلم المخرج المعروف يسري نصر الله "داخلي خارجي" فيعرض قصة انضمام الميسورين والمثقفين، أو بالأحرى الفنانين(يسرا ومنى زكي) إلى الثورة وتعطشهم للحرية، ومشاركتهم في الحلم بـ"مصر الجديدة". وفي نهاية الشريط نشاهد الفيلم المؤثر "أشرف سبرتو" للمخرج أحمد علاء، وفيه يتحول دكان حلاق إلى مستشفى ميداني لمعالجة مصابي المظاهرات.
الفن والانتهازية
عندما عُرض هذا الفيلم في مهرجان "كان" ثار جدل كبير في مصر بسبب اشتراك شريف عرفة ومروان حامد في صنعه، فالمخرجان – كما هو معروف – شاركا في تجميل وجه نظام مبارك، وصنعا أفلاماً لحملته الانتخابية. رأي عديدون في ذلك انتهازية وقحة. انتهازية من يهرب من السفينة الغارقة في الوقت المناسب لينضم إلى المنتصرين.
عشرة أفلام – هل تكوّن فيلماً عن الثورة المصرية؟ تتجاور الأفلام العشرة المتفاوتة في المستوى مثل قطع الفسيفساء في لوحة، غير أن تجاورها لا يقدم رؤية متكاملة عن الثورة. ولعل ذلك لم يكن طموح صانعي الفيلم، فالحدث ما زال طازجاً وساخناً، كما أن الثورة لم تكتمل بعد. الفيلم صُنع بسرعة، لا شك، لأن العالم كله كان يريد أن يرى عملاً فنياً عن الربيع العربي. هذا ما فعله المخرجون العشرة، وربما يقدمون بعد فترة، أو يقدم غيرهم فيلماً أو أفلاماً أكثر نضجاً وفنية عن الثورة المصرية.
سمير جريس
مراجعة: عبده جميل المخلافي