المطالبة بمزيد من الديمقراطية والشفافية
إذا ما بحث ممثلون عن السياسة والمجتمع عند المسلمين في ألمانيا عن مؤسسة أو تنظيم يشبه المجلس الأعلى لليهود أو مؤتمر الأساقفة الكاثوليك، فسوف يتضح أن المسلمين في الوقت الحاضر لا يزالون بعيدين كل البعد عن الظهور بصورة موحدة.
هناك سبب مقبول تتهرب السياسة به من مسؤوليتها منذ سنين، ألا وهو أن المسلمين لا يتكلمون بلسان واحد. وبغض النظر عن أن المسيحيين في ألمانيا لا يفعلون ذلك أيضا، إلا أن الموضوعات مثل الإندماج أو تدريس الدين الإسلامي في المدارس أو حقوق المشاركة في أخذ القرار يتم التغاضي عنها، ومن ثم لن تجد المشاكل الطريق إلى الحل.
وللمسؤولين المسلمين دور في هذا المأزق لأنهم لم يقوموا في الماضي بأي تمهيدات تذكر لتوضيح هذه المسألة. وكيف يتسنى للمسلمين في ألمانيا مستقبلا أن يجعلوا نظامهم أكثر ديمقراطية وشفافية وأن ينضموا تحت راية مسؤول واحد؟
وما كانت محاولات بعض رجال السياسة نادرة في أن يستدرجوا المجلس الإسلامي أو رئيس الاتحاد التركي الإسلامي أو رئيس المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا أثناء الأحاديث الصحفية أو البرامج المتلفزة لإظهار طمع كل منهم في أن يكون المتحدث الرسمي باسم الجميع، وغالبا بنجاح.
البحث عن ممثلين لـ"إسلام معتدل"
وبينما كان كل من المجلس الإسلامي والمجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا في الشهور الماضية متحفظان في هذا الشأن بصورة ملفتة للنظر، فاجأنا الاتحاد التركي الإسلامي (DITIB) التابع لوزارة الأوقاف التركية بتصريح واضح في حديث صحفي مع جريدة فرانكفورتر ألغماينه يوم الثامن من فبراير/شباط هذا العام بأنه "على استعداد أن يقوم بتمثيل كل المسلمين في ألمانيا".
هذه الثقة بالذات بالتأكيد نتاج لبعض أساليب السياسة المغرية التي تزعم أنها قد اكتشفت في الاتحاد التركي الإسلامي نموذجا جديدا لـ"إسلام معتدل". وهذا ما كان المجلس الأعلى للمسلمين يدعي سابقا بأحقيته به.
ولكن بذلك لم نجد حلاّ لموضوع تمثيل المسلمين على مستوى ألمانيا كلها، بالإضافة إلى عدم القيام بدفعة ضرورية لدعم الديمقراطية في الجمعيات الإسلامية.
أما عن الإتجاه الديني فلا يوجد هناك فرق هناك ملحوظ بين هذه الجمعيات وما يتبعها من مساجد، فهم ملتزمون إلى حد كبير بالمذاهب التقليدية. وقد اعترفت هذه الجمعيات بالدستور الألماني منذ أمد، إلا أن العمل به لم يبدأ إلا في السنوات الأخيرة، وأصبح المسلم مسار جدل ديني في مجتمع أوروبي متعدد يقوم على مبادئ الدستور الألماني.
الميثاق الإسلامي، علامة في الطريق
إن الميثاق الإسلامي للمجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا علامة مهمة على الطريق، ولكنها ما زالت في طور البداية. أضف إلى ذلك الكم الهائل من الميول المضادة مثل التقوقع الأيديولوجي أو الحواجز الدينية داخل الجماعة المسلمة. وما كان ذلك إلا نتاج القلق الذي يشعر به المسلمون في هذا البلد جراء إحساسهم بأنهم غير مرغوب فيهم داخل هذا المجتمع.
وإلى جانب هذه المشاكل يتضح أنه لا يكاد يوجد ممثل للجمعيات يمكنه أن يبين كيف يواصل الإسلام مسيرته في ألمانيا، كما أنه من الضروري وجود تصور عن كيفية ممارسة الإسلام المعاصر في ألمانيا وكيف تكون هذا الممارسة قدوة يُحتذى بها.
وهنا يقع على عاتق المسلمين الألمان دور قيادي، ولكنهم سوف ينظر إليهم سواء من المجتمع الألماني أو من الجماعات المسلمة على أنهم "كائنات غريبة"، فهم إما أن يكونوا "مسلمين للتفاخر والتباهي" أو ألمان "مصابون بخلل ذهني وثقافي".
كما توجد هناك أسباب أخرى تكمن في تركيبة المساجد الحالية، وفي الغالب ليس للمسلمين ذنب فيها. فالأحكام المسبقة والخوف من الإسلام وانعدام "الارتياح" من ناحية السياسة، كل ذلك يزيد القضية تعقيدا.
كما نجد أيضا أن نسبة كبيرة من المسؤولين عن الجمعيات والمساجد الإسلامية هم من الجيل الأول من العمالة المهاجرة، وهؤلاء المسلمين قد تحملوا الكثير من الأعباء في "فترات التأسيس" الأولى.
عدم مساهمة الجيل الجديد في أخذ القرار
لقد قاموا ببناء المساجد التي تعتبر "البنية التحتية للإسلام"، وقاموا أيضا بمباشرة الأعمال أو تعلم المهن، وبتأسيس الأسر. ولكنهم أصبح لديهم مع الوقت طاقات فائضة لا تكاد تستغل.
وعلى الرغم من النجاح الذي حققه الجيل الجديد في الحياة العملية، وعلى وجه الخصوص المستوى التعليمي العالي، فإنه لا يجد سهولة في ممارسة حقه في المشاركة بأخذ القرارات داخل مجتمعه الخاص.
وبهذا بقي التجديد الضروري للجماعات المسلمة حتى الآن بعيد المنال. وهناك أيضا عدد لا بأس به من الجماعات المسلمة ما زالت تحمل معها أعباء تاريخية قديمة، وغالبا ما يقوم الممثلون عنهم بنقل الآراء الدينية والسياسية لحركات معينة من أوطانهم إلى الجماعات في ألمانيا.
وأثناء تواجدهم في المهجر ودراستهم، خاصة في فترة السبعينيات والثمانينيات، لم يتنازلوا عن تصوراتهم السياسية.
أما الأنشطة فكانت غالبا ما تنصب على الوطن ولا تنال الجماعات المحلية احتياجاتها الدينية منها إلا القليل. ومما يسر الفؤاد أن كثيرا من تلك الجماعات قد أخذت بالفعل في البعد عن مثل هذا السلوك.
عجز الجمعيات الإسلامية
ومن ناحية أخرى نجد أن الجمعيات الموجودة في ألمانيا - التي تخضع لنفوذ أجنبي (حكومي أو غير حكومي)، مثل الاتحاد التركي الإسلامي – لا تستطيع تقديم بدائل فعلية، طالما لم تقم بتكييف أنظمتها مع التصورات الألمانية.
وهم بسبب التأثيرات الخارجية على أنظمتهم ليس في مقدورهم إيجاد حل مرضٍ لمسألة التمثيل الموحد للجميع. ويبدو أن الاتحاد التركي الإسلامي قد تيقن من هذه المشكلة، وأصبح المكلّفون بالحوار من قبلهم يعِدون في مقابلاتهم العلنية بتغيير في المستقبل القريب.
وهناك مثال آخر، ألا وهو أن رابطة المراكز الإسلامية الثقافية - التي تعتبر من حيث العدد أكبر عضو في المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا – تركت المجلس عام 2000. وتكمن أسباب ذلك في أن الهيئة القيادية في تركيا قامت فورا بعزل مجلس الإدارة القديم في ألمانيا بعد موت قائدهم هناك، وبهذا توقف الحوار بين الكنائس والمجتمع على حساب المسلمين.
الجمعيات لعبة للمصالح السياسية
والآن وعىَ بعض ممثلي الجمعيات الإسلامية أنه ليس بإمكانهم وحدهم أن يحققوا نجاحا، وأنهم كثيرا ما كانوا لعبة لمصالح سياسية، وأنهم ما زالوا يعانون من عجز ديمقراطي كبير داخل أنظمتهم الخاصة.
واستنتجوا من ذلك أنه لا بد من عمل شيئ جماعي، وهكذا عُقد في السادس والسابع والعشرين من فبراير/شباط 2005 أول مؤتمر في هامبورغ، شاركت فيه معظم الجمعيات الإسلامية الكبيرة، مثل المجلس الأعلى والمجلس الإسلامي ورابطة المراكز الإسلامية الثقافية. وناقشوا كيفية إعداد نظم جديدة للعمل الإسلامي الداخلي وكيفية تمثيل المسلمين على مستوى الدولة والمجتمع.
ولم يشارك الاتحاد التركي الإسلامي في هذا المؤتمر على الرغم من الدعاية التي قام بها المجلس الأعلى قبل انعقاد المؤتمر.
ولكنه مع الوقت لن يستطيع أن يتجاهل فكرة توحيد المسلمين، خاصة أن المجلس الأعلى والمجلس الإسلامي ورابطة المراكز الإسلامية الثقافية يكوّنون معا الأغلبية "للمسلمين المنظمين"، كما أن القاعدة الخاصة للاتحاد التركي الإسلامي كانت دائما تتعاون مع المساجد الأخرى على المستوى المحلي.
وقد تم توكيل مجموعة قيادية بمهمة إعداد نظام قادر على الإجماع، وأن يكون ذلك في غضون عام بقدر الإمكان.
الوحدة وبرلمان المسلمين
هناك أفكار بتكوين اتحاد يضم كل الجمعيات أو تكوين "برلمان إسلامي"، مكون من ممثلين للمساجد تم انتخابهم بشكل ديموقراطي من قبل أعضاء المساجد.
وفي نهاية الطريق المملوء بالعقبات وبالمسائل الدقيقة غير المتوقعة – ويبدو أن التشكيل الفيدرالي على مستوى الولايات سوف يكون هو العقبة الكؤود – سوف تنشأ بنية تعتمد على مزيج من اقتراحات مختلفة.
وفي التشكيل الجديد ستكون الجمعيات الرئيسية (الاتحاد التركي الإسلامي والمجلس الإسلامي على وجه الخصوص) قد أدت ما عليها من واجبات. أما الجمعيات التي نشأت في السبعينيات والثمانينيات نشأة طبيعية كالجمعيات التركية والبوسنية والعربية فستفقد معناها لصالح مجالس جديدة ذات شرعية ديمقراطية على مستوى الدولة والإقليم.
وبهذا سيصبح التشكيل الجديد للجمعيات أكثر قدرة على التصرف وأكثر شفافية بالنسبة للحكومة الألمانية وللمجتمع الألماني. أما الإعتراف بهذا التشكيل فهذا موضوع آخر. فالمسلمون اليوم ليسوا من السذاجة بمكان، كي يؤمنوا بأن الموضوع سيسير من تلقاء نفسه.
فممارسة الديموقراطة والتوحيد ليسا ضمانا للإعتراف بالتمثيل الرسمي من قبل الطرف الألماني، لأن ذلك يحتاج إلى إرادة سياسية قلما توجد اليوم في برلين أو في أي عاصمة لإحدى الولايات الألمانية.
أما التشكيلات الديمقراطية والشفافية فإنهما بمثابة ضمان لأن تقف الوحدة الإسلامية أمام التحديات المعاصرة في هذا البلد ولأن تتمكن من ممارسة واجباتها الخاصة كجالية دينية.
ولهذ ليس من العبث المضي قدما في طريق الوحدة والديمقراطية، ولن يكن الأمر مجديا بالنسبة للمسلمين خاصة فحسب، بل إنها ضرورة ملحة.
بقلم أيمن أ. مزيك
ترجمة عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع قنطرة 2005
أيمن أ. مزيك رئيس تحرير موقع islam.de ونائب رئيس مجلس إدارة جمعية "الخوذات الخضر" الخيرية والمتحدث الرسمي السابق للمجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا. ويشغل حالياً، منذ يناير 2006، منصب سكرتير عام المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا.
قنطرة
المسلمون في ألمانيا
في خضم المناقشات الحامية حول الإسلام في أوربا، تسعى الكثير من الجمعيات الإسلامية إلى إظهار رغبتها في الاندماج من ناحية، ومن ناحية أخرى تريد تهدئة الغضب والشكوك المتزايدة لدى المسلمين. معادلة صعبة حسب رأي أيمن مزيك.
الحوار يعني الإحترام المتبادل
قبل أكثر من عام أسس روبرت نويديك منظمة "الخوذات الخضراء Grünhelme " بهدف دعم الحوار المسيحي-الإسلامي من خلال مشاريع إغاثية في العراق و أفغانستان – وذلك بنجاح متنامي. تقرير بِترا تابلينغ.