استعداد للتفاهم المتبادل

أعطت مارغوت كيسمان أسقفة الكنيسة الإنجيلية اللوثرية الإقليمية في هانوفر تقييما إيجابيا حول آفاق الحوار مع الإسلام. وقد أجرى الصحفي بيتر فيليب حديثا معها.

ولاية سكسونيا السفلى هي من أوائل ولايات ألمانيا التي أدخلت مادة الإسلام في برامجها المدرسية. كما أن الولاية تبذل إلى جانب ذلك جهودا حثيثة من أجل بناء جسور مع المسلمين المقيمين في ألمانيا.

أسقفة الكنيسة الإنجيلية اللوثرية الإقليمية في هانوفر، مارغوت كيسمان، تطالب بتكثيف الحوار مع الإسلام وتضيف بأنه قد تم جمع تجارب طيبة في مضمار الجهود المبذولة من أجل هذا الحوار.

من أمثلة ذلك بناء على قول السيدة كيسمان الاتصالات العديدة الجيدة القائمة مع منظمات مسلمة مختلفة في ولاية سكسونيا السفلى. ومن خلال هذه الاتصالات تتضح أيضا الفروق بين الطرفين، الأمر الذي دل عليه مؤتمر عقد تحت عنوان "التربية الدينية". تقول الأسقفة السيدة كيسمان:

فقر المعرفة بالدين الآخر

"لاحظنا دائما ضآلة معرفة الواحد منا بالآخر. بمعنى أن لدينا تصورات مبتسرة حول الإسلام كما أن لدى المسلمين تصورات ناقصة حول المسيحية، ومن هنا تظهر بطبيعة الحال وبسرعة كبيرة جدا أحكام مسبقة عدائية حول الطرف الآخر. أعتقد أن اللقاءات المباشرة بين الناس وحديث كل من الطرفين عن حياته وحول ممارسته لطقوسه الدينية يحتلان أهمية فائقة للغاية."

ولكي تكلل هذه الاتصالات بالنجاح كان عليها أن تحظى بطبيعة الحال باهتمام وتقبل لدى السكان سواء المسلمين منهم أو غير المسلمين. فلا يمكن أن يتحقق حوار معقول ما لم يتوفر هذا الاستعداد.

تتابع الأسقفة قولها "أعتقد بأننا لم نبد في ألمانيا حتى الآن موقفا ملتزما مبنيا على الرغبة في معرفة كيفية معيشة المسلمين في بلادنا. وأود أن أعترف بصدق بأن ذلك يسري علي شخصيا أيضا، إذ لم يشكل هذا الموضوع أبدا ملفا رئيسيا بالنسبة لي في الماضي. فقد كنا نعيش بموازاة بعضنا البعض، وربما كان الواحد منا ينظر إلى الآخر بروح ودية، أما الحوار بحد ذاته فلم يكن قائما".

تضيف الأسقفة بأن الحوار بات اليوم أمرا هاما جدا لأنه يساعد أخيرا على جعل الأديان مصدرا لاحتواء النزاعات بدلا من أن يكون مصدرا لاندلاعها. وشددت السيدة كيسمان على حرصها الشديد على تفادي تحول نزاع الحضارات إلى صراع بين الأديان.

وذكرت الأسقفة بأن على الطوائف الدينية في أوروبا أن تعي أخيرا بأن عليها اجتناب كل ما من شأنه تصعيد النزاعات.

أسباب القصور المهيمن على الحوار

بناء على وجهة الأسقفة كيسمان فإن القصور المهيمن على الحوار والتفاهم يعود إلى عدة أسباب منها أن الإحساس والوعي بوجود أقلية مسلمة كبيرة في ألمانيا في هذه الأثناء قد جاءا على نحو متأخر.

كما أن الكثيرين اعتقدوا لمدة طويلة بأن "العمّال الضيوف" أي الأجانب سيغادرون ألمانيا في يوم من الأيام. يأتي بالإضافة إلى ذلك أن الأحداث الراهنة أدت بطبيعة الحال إلى تغيير الصورة القائمة :

"في اعتقادي لم يكن هناك في السنوات الماضية اهتمام كاف والآن أصبح الناس فجأة تحت وقع صدمة كبيرة وباتوا يقولون إنه إذا عاد الحديث يدور حول الحروب الصليبية أو الحروب العادلة أو حتى المقدسة ... فإنه يترتب علينا أن نعتني بهذه القضايا عناية خاصة أي بموضوع العلاقات بين الأديان وبخاصية الدين الآخر".

هناك، من وجهة نظر الأسقفة، أمر له أهمية كبيرة بطبيعة الحال في نطاق إدماج المسلمين في المجتمع الألماني وإجراء الحوار معهم وهو عما إذا كانوا عرضة للتمييز في أماكن عملهم على سبيل المثال. وهي ترى بأن الإحساس بالتمييز قد لا يكون في بعض الأحيان موضوعيا ولكنه متواجد ذاتيا، وتوجد بالنسبة لها في هذا الصدد حدود واضحة ثابتة طالما كان الأمر متعلقا بالحقوق الدستورية.

إشكالية مفهوم "المعيار الحضاري الألماني"

وقع في نظر الأسقفة تقاعس وإهمال كما ارتكبت أخطاء من الطرفين ، فالأمر لا يقتصر على ضآلة درجة التقبل والاستعداد من هذا الطرف أو ذاك. وهي تتحفظ حيال عدة مفاهيم كمفهوم " المعيار الحضاري الألماني " الذي يعني ضرورة التزام المهاجرين به. وهي تقول في هذا الشأن :

"هذا المصطلح لا يجعلنا نتحرك قدما، لأنه يخلق ساحة للتصارع، لكن على البعض أن يكتسبوا مجددا اليقين بكون جمهورية ألمانيا الاتحادية تملك جذورا يهودية ومسيحية، سواء في حضارتها أو في القيم التي تدين بها أو في طرازها المعماري. عندها يدركون طبيعة المجتمع الذي يريدون أن يندمجوا فيه ".

تضيف الأسقفة بأن المجتمع المفتقد للقيم والجذور والقناعات الأساسية لا يستطيع أن يدمج أحدا ما في صفوفه. ثم تتساءل عن الدوافع التي تجعل المسلم يندمج في مجتمع ما أصبح فارغ المحتوى ولم يعد يعرف قناعاته الأساسية نفسها.

تتابع الأسقفة بقولها إن هناك على الرغم من كل ذلك أمثلة عديدة حول أشكال ناجحة للاندماج، الأمر الذي يتم اليوم في الكثير من الحالات نسيانه أو إغفاله.

توضح الأسقفة كيسمان ذلك بقولها إن لديها العديد من الأمثلة الإيجابية النابعة من التجربة المدرسية لأبنائها : "لهذا فإنني لن أفقد الأمل في نشوء جيل من الشباب المسلمين الألمان يوما ما يساهم في إعطاء نمط أوروبي للإسلام. فما زالت هناك بالتأكيد جوانب عديدة تتطلب المزيد من وضوح الرؤية وخلق الترابط بين الدين والديموقراطية".

بيتر فيليب

ترجمة: عارف حجاج

© DEUTSCHE WELLE/DW-WORLD.DE 2005