"النقاب لا يمت للإسلام بِصِلة"
إن الإمام الأكبر وشيخ الأزهر هو بعينه من وضع حجر العثرة هذه المرة، إذ صرح محمد سيد طنطاوي، وهو أحد كبار أئمة الفقه السني، أن تغطية وجه المرأة – بطريقة لا تسمح بالرؤية إلا من خلال فتحة – لا يجوز شرعا. ففي زيارة لإحدى المعاهد التابعة لجامعة الأزهر أوائل أكتوبر/ تشرين الأول استفز هذا الفقيه نقاب إحدى البنات، وعلى إثره أمر تلميذة بالمرحلة الإعدادية – التي تلبس النقاب على سبيل التحية للضيف الكبير – أن تخلعه وألا تفعل ذلك مرة أخرى، وقال للتلميذات "إن هذه عادات ولا تمت للدين بصلة". وفي الوقت نفسه قام الشيخ بإصدار أمر بمنع لبس النقاب داخل المعاهد الأزهرية.
الأسباب أمنية
وبعد أيام قليلة من ذلك مُنعت المنقبات من دخول المدن الجامعية الخاصة لسكن الطالبات التابعة لجامعة الأزهر. ووافق المجلس الأعلى للشئون الإسلامية السنّي "على حظر النقاب" بحسب ما صرح به نائب رئيس المجلس محمد عبد العزيز. وهذا الحظر ينطبق أيضا على المدارس الخاصة بالفتيات، ويشمل أعضاء هيئة التدريس وخمسمائة ألف تلميذة وطالبة ملحقين بجامعة الأزهر والمؤسسات التعليمية التابعة لها.
هذا القرار نال موافقة وزارة التعليم العالي، وتريد الوزارة الآن تعميمه على كل الجامعات في مصر. ويرجع السبب الرئيسي لهذا الإجراء إلى الأسباب الأمنية في المقام الأول، وفق تصريح الوزير هاني هلال. فمنذ عهد قريب تم ضبط خمسة عشر شاباً كانوا يحاولون دخول المدن الجامعية للطالبات وهم متسترين بالنقاب. لكن إحدى الطالبات، التي لم ترد الإفصاح عن اسمها حتى لا تواجه مشاكل مع إدارة الجامعة، أكدت قائلة: "إنني أسكن في المدينة الجامعية منذ سنين، ولم أسمع عن مثل هذه الحالات أبداً".
شكل مخيف للإسلام
تعتبر المخاطر الأمنية مقبولا بحسب ما نشرته الكاتبة أسرا ك. نوماني في كتابها الأخير حول كفاح النساء الأمريكيات من أجل روح الإسلام. بيد أن الوضع هنا لا يتعلق بـ"دخول الرجال" المدن الجامعية الخاصة بالطالبات، ولكن الاسلاميين المسلحين – بدءا من إسلام آباد حتى العراق- يسيئون استخدام النقاب للإفلات من نقاط تفتيش الشرطة أو القيام بعمليات إرهابية.
لكن الأهم فيما يتعلق بتغطية الوجه "أنها تظهر الإسلام في شكل مخيف مبني على تفسير حرفي للقرآن"، مع العلم بأن هناك آيات غير واضحة المعاني تختلف فيها التأويلات.
تقليد وهابي
وتضيف الكاتبة الأمريكية قائلة: "إن المسلحين يستغلون هذه الآيات لتبرير العنف الأسري والتعصب وحتى العمليات الانتحارية"، والمقصود بـ"الشكل المخيف" هو المذهب الوهابي والمذهب السلفي المنتشر في المملكة العربية السعودية والقائم على التأويلات المتطرفة، مثل تأويل الآية 31 من سورة النور والآية 59 من سورة الأحزاب، التي تتعلق بستر جسم المرأة.
وعلى الرغم من ذكر "الجلباب" و"الخمار" كقِطَع ملابس في هذه الآيات، إلا أن شكله ولونه وغرضه في زمن النبي لا يزال غير واضح. وفي إحدى ترجمات القرآن إلى اللغة الألمانية - بتكليف من المملكة العربية السعودية - لم تلعب هذه المسألة أي دور، حيث تُرجمت كلمة "خمار" بكل بساطة إلى "حجاب". فالأهمية هنا تنصب فقط على ما يقصد القرآن فقط.
وترى هالة مصطفى، رئيس تحرير قسم الإعلام بجريدة الأهرام في القاهرة أن "الفكر الوهابي والسلفي جاء إلى مصر في سبعينيات القرن العشرين وازداد خلال العقود الثلاثة الأخيرة". كما أصبح هذا الفكر ملحوظا في شوارع العاصمة حيث ازداد عدد النساء المستترات من الرأس إلى أخمص القدمين.
أما سالم عبد الجليل من وزارة الأوقاف المصرية فيقول إن "برامج الفضائيات السلفية تروج اليوم لحتمية النقاب". لكن الحكومة المصرية ليست سعيدة بهذا التوجه المتطرف، ويعتبر حظر النقاب في الجامعات خطوة ضمن عدة إجراءات مضادة له. وقد قامت وزارة الأوقاف بطبع كُتيّبات، تصف فيها النقاب على أنه لا يمت للإسلام بصلة، كما تريد وزارة الصحة حظر لبس النقاب على الطبيبات والممرضات.
عادة جاهلية
إن حجاب المرأة كان موجوداً من خمسة آلاف سنة قبل الميلاد، وكانت تلبسه الراهبات السومريات، كما فرضته الملكات الآشوريات على المتزوجات من الأغنياء. إضافة إلى ذلك فقد كان الحجاب سمة من سمات المجتمع الراقي عند البيزنطيين (في القرنين الرابع والخامس الميلاديين) والساسانيين (من 224 حتى 652 ميلادية تقريبا) وعند الاغريق وفي روما القديمة.
إذا فإن الإمام الأكبر وشيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي كان محقا عندما وصف الحجاب بأنه عادة جاهلية. بيد أن هذا الشيخ المعروف بعناده لم يكسب قلوب الناس بذلك. مع العلم بأنه تعرض مرارا للنقد الشديد لأنه أيّد فرنسا في حظر الحجاب وصافح الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز وسمح للنساء المغتصبات بالإجهاض. أما الشيخ يوسف البدري، وهو أحد رجال الدين المصريين المتعصبين، فيعتبر هذا الحظر "انتهاكا للقانون الذي يكفل الحرية العامة".
ومثل ذلك يرى مفتي دبي، حيث صرح بأن الحظر "تقييد لحرية المرأة وامتهان لدينها وثقافتها وتقاليدها". أما الشيخ السعودي محمد النجيمي، الأستاذ بالمعهد العالي للقضاء، فيرى أن حظر النقاب قد يؤدي إلى انشقاق المجتمع المصري إلى معسكرين، أحدهما مؤيد والآخر معارض للنقاب. وقام في الوقت نفسه بانتقاد زميله المصري، الشيخ طنطاوي، في أن النقاب لا يمت للإسلام بصلة. عن هذا يقول النجيمي: "إن النقاب مذكور في الحديث الشريف"، واستدل بنهي الحديث المرأة من ارتداء النقاب في فترة الحج فقط، و"هذا دليل على أن المرأة كانت ترتديه أيام الرسول في باقي الأوقات".
كيف تتصرف المنقبات؟
يعتبر هذا الحظر المصري بالنسبة للمسلمات المتدينات اللاتي يلبسن النقاب عن قناعة، حتى وإن كان مقتصرا على الحرم الجامعي فقط، بمثابة الهزيمة، لأن المرء كان قد اعتاد حظر الحجاب أو النقاب في البلاد الغربية، وربما في بعض البلاد العلمانية القليلة ذات الأغلبية المسلمة مثل تركيا وتونس.
والآن أصبح النقاب - الذي طالما دافع عنه المرء ضد المنتقدين – يُعتبر من وجهة نظر أهله غير إسلامي، وزد على هذا أن يصدر ذلك من أكبر فقهاء السّنة. والنتيجة هي الحيرة، حيث تتساءل صدف فاروقي من جريدة 'سعودي جازيت' اليومية "ماذا ينبغي علينا أن نفعل؟". وكتبت صاحبة العمود المقيمة في كراتشي الباكستانية: "مما يدعو إلى القلق فعلا الأثر الذي أحدثه تناقل هذا الحظر على المستوى العالمي، فبعد تصريحات الشيخ محمد سيد طنطاوي بأيام قلائل طالبت كل المجموعات المختلفة، بدءا من إيطاليا حتى كندا، بحظر النقاب".
ومن بين هذه المجموعات "هؤلاء اللواتي يطلقن على أنفسهم مسلمات ليبراليات"، بحسب صدف فاروقي. ومن الطبيعي أن تشعر هؤلاء المسلمات المطالبات بالمساواة بين الجنسين أن هذا الحظر تصديقا لوصفهم النقاب بأنه عادة قديمة لا تمت للإسلام بصلة. كما تطالب الكاتبة الأمريكية أسرا كيو نوماني: "لقد حان الوقت لحظر النقاب عالميا، إنه يعبر عن شكل من أشكال الإسلام التي ينبغي أن تزول".
أما بالنسبة للصحفية صدف فاروقي، التي تفتخر بلبسها النقاب، فإنها لا تكاد تتفهم مثل هذا الشيء، وهي تشكر الله أنها كانت تخرج من البيت في وطنها ذاهبة إلى المؤسسات التعليمية أو الفسحة وهي لابسة للنقاب غير خائفة من تعرضها للمضايقات، وترى أن "هذه ميزة لا تتمتع بها أخواتنا المسلمات في بريطانيا وفرنسا وكندا".
ألفريد هاكنزبرغر
ترجمة: عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع: قنطرة 2009
قنطرة
جدل في فرنسا حول البرقع:
رمزية الاستعباد وجدلية الاستبعاد
أدَّى الرفض الشديد للبرقع من قبل الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، إلى إثارة جدل حاد في مختلف الأوساط السياسية والثقافية في البلاد. ويذكر هذا الجدال كثيرًا بعام 2004 الذي دارت فيه نقاشات حادة حول الرموز والمظاهر الدينية في المدارس الحكومية في فرنسا، في حين يرى آخرون أن هذا النقاش وسيلة للفت الأنظار عن حال المسلمين في فرنسا وتهميشهم. كيرستن كنيبّ يلقي الضوء على هذا الموضوع.
حوار بين المسلمين واليهود في بريطانيا:
الخوف من الإسلام يذكر بمعاداة السامية
وجد في بريطانيا جماعات دينية عدة التي تهدف إلى دعم الحوار بين المسلمين واليهود، وهو حوار أثمر عن نتائج طيبة ومشجعة، لكن المشكلة تكمن في السياسة العالمية التي تلقي بظلالها على الحوار. تقرير من كليا كولكات.
الجدل حول الحجاب:
"من دون الحجاب أشعر أنني أكثر تديّنا"
أمل عابدين ألجان، ابنة مؤسس منظمة مللي غوروش الإسلامية تتخلى عن الحجاب بعد ارتدائه مدة طويلة. وعلى الرغم من ذلك فإنها تنادي بوضع حد لحظر الحجاب المفروض رسميا في تركيا من منطلق أن المرأة عندما تقرر ذلك بنفسها فإن الحجاب عندها سيفقد معناه كرمز للتفريق بين المتدينات وغيرهن.