أيّ مستقبل ينتظر إخوان الأردن؟

مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين بتنظيم من جبهة العمل الإسلامي، في عمان، الأردن، في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2023. (Photo: Picture Alliance/ Laith Al-jnaidi / Anadolu)
لعبت حرب غزة دورًا في صعود شعبية جماعة الإخوان المسلمين في الأردن. هنا، مظاهرة لدعم غزة في عمان، 10 أكتوبر/تشرين الأول 2023. (Photo: Picture Alliance/ Laith Al-jnaidi / Anadolu)

تضييق متصاعد وحظر رسمي يضعان جماعة الإخوان المسلمين في الأردن أمام مفترق طرق حاسم، بينما يسعى ذراعها السياسي للبقاء في المشهد وتفادي مصير الجماعة في مصر وتونس.

الكاتبة ، الكاتب: محمود الطباخ

منذ إعلان السلطات الأردنية حظر جماعة الإخوان المسلمين في 23 أبريل/نيسان الماضي، لم تهدأ حملات مداهمة مقراتها واعتقال كوادرها، في تصعيد يعكس تحوّلًا جذريًا في العلاقة بين الدولة والجماعة، التي لطالما شكّلت جزءًا من المشهد السياسي والاجتماعي في البلاد.

جاءت هذه الإجراءات عقب اعتقال 16 أردنيًا في 15 أبريل/نيسان، وُصفوا بأنهم مرتبطون بالجماعة، وُجهت إليهم تهم تتعلق بالتجنيد، وتصنيع صواريخ محلية، وحيازة أسلحة ومتفجرات. وسرعان ما اعتُبرت هذه القضية من قبل الحكومة مبررًا لحظر أنشطة الجماعة بشكل شامل، والسيطرة على مقراتها، في خطوة أثارت تساؤلات حول مستقبل الجماعة وذراعها السياسي حزب جبهة العمل الإسلامي. 

فقد حقق الحزب قبل أشهر قليلة فوزًا تاريخيًا في الانتخابات البرلمانية الأردنية، بحصوله على 31 مقعدًا من أصل 138 مقعدًا، وهو الفوز الذي عزاه الأمين العام للحزب وائل السقا، وقتئذ، إلى الدعم الشعبي المتزايد للجماعة بفضل دورها في دعم غزة بعد هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

استفادة من حرب غزة

رغم أن حرب غزة عادت بالنفع على الإخوان شعبيًا، إلا أنها أغضبت الدولة في الوقت نفسه، لا سيما بسبب الروابط التنظيمية والفكرية مع حركة حماس؛ يقول عمر العياصرة، عضو مجلس الأعيان الأردني، وهو مجلس نيابي يعيّن الملك أعضائه، لـ"قنطرة"، إن إخوان الأردن طوّروا جناحًا مسلحًا بات يشكّل تهديدًا للأمن القومي الأردني، ولديه صلات بجماعات خارجية.

وتجلى ذلك، في رد فعل حركة حماس، إذ طالبت في بيان رسمي، بالإفراج عن الأردنيين الموقوفين، معتبرة تحركاتهم "بدافع نصرة فلسطين".

يلوم العياصرة، الإخوان على عدم استغلال الفرصة التي منحتها لها الدولة بعد الربيع العربي، عندما تصدت للضغوطات الإقليمية التي تدعو للتخلص منها مثلما حدث في دول عدة بالمنطقة، بل وسمحت لذراعها السياسي حزب "جبهة العمل الإسلامي" بمواصله نشاطه.

يعود تاريخ الجماعة في الأردن إلى عام 1945، حين تأسست كفرع مُنبثق عن جماعة الإخوان في مصر، وتمتعت بعلاقة تعاونية مع النظام مكنتها من التغلغل في المجتمع، خاصة خلال خمسينيات القرن الماضي، لكن هذه العلاقة بدأت في التدهور منتصف التسعينيات، لاسيما عام 1994 عندما احتجت الجماعة على توقيع الأردن معاهدة السلام مع إسرائيل والمعروفة باتفاقية "وادي عربة".

ومع صعود الإسلام السياسي إبان ثورات الربيع العربي عام 2011، تصاعدت مخاوف نظام الملك عبدالله، من محاولة الجماعة استغلال الأزمات الداخلية من أجل طموحها السياسي. وللتصدي لذلك، رخصّت حكومته عام 2015 جمعية موازية تحت اسم "جمعية الإخوان المسلمين" يقودها مجموعة من المنشقّين عن الجماعة؛ حتى أن الجمعية أعلنت حلّ نفسها في يوليو/تموز 2025 لتجنب الربط بينها وبين الجماعة المحظورة.

مسلك برجماتي

غير أن بوادر القطيعة بين النظام والإخوان كانت عام 2020، عندما صدر حكم قضائي بحلّ الجماعة، لكن دون أن يجرم نشاطها السياسي أو يضعها على لائحة الإرهاب، مثلما فعلت مصر والإمارات؛ بيد أن الإخوان لملمت صفوفها من بوابة حزبها "جبهة العمل الإسلامي" حتى حققت فوزها اللافت في الانتخابات الأخيرة.

يقول الباحث الأردني المتخصص في الجماعات الإسلامية، مصطفى أبو عمشة، لـ"قنطرة"، إن تأسيس الحزب جاء لضبط إيقاع الإخوان، وفصل العمل السياسي عن الدعوي، لكن على ما يبدو لم يحقق هذا الهدف.

ومع ذلك، تبنّى حزب "جبهة العمل الإسلامي" خطابًا براغماتيًا، وضمّ شخصيات لا ترتبط تنظيميًا بجماعة الإخوان، مما منحه هامشًا أكبر للحركة والظهور ككيان مستقل، قادر على امتصاص تحركات قاعدته الشعبية، وضمان استمراره في حال استهدفت الدولة الجماعة الأم، وخاصة جناحها المتشدد المعروف بـ"الصقور".

ومع بدء الملاحقات الأمنية في أبريل/نيسان، سارع الحزب لنفي أي صلة تربطه بالجماعة، مؤكدًا في بيان استقلاله التام واستعداده لتفتيش مقراته الأربعين، لكن ذلك لم يمنع السلطات من اعتقال نائب أمينه العام جميل أبو بكر، منتصف يونيو/حزيران، ضمن تحقيقات تتعلق بمخطط للإضرار بأمن الدولة.

كما اتُّهمت الجماعة بإدارة شبكة مالية جمعت 30 مليون دينار خلال ثمانية أعوام لتمويل أنشطة غير قانونية لأحد الأحزاب ــ في إشارة إلى حزب جبهة العمل الإسلامي كما يشير مراقبون ــ، والتأثير على الانتخابات النقابية والطلابية، وأوقفت السلطات 11 شخصًا على ذمة القضية.

وضع متأزم

لا يمكن فصل ما يجري في الأردن عن الأزمة الأوسع التي يواجهها التنظيم الدولي للإخوان في السنوات الأخيرة. في مصر، تعاني الجماعة من انقسامات حادة منذ سقوط حكمها في 2013. وفي تونس، تعاني الجماعة من مصير مشابه للأردن، وسُجن مؤسسها راشد الغنوشي عام 2023.

أما في المغرب، تراجعت شعبية الجماعة في المغرب بشكل حاد، منذ أن تلقت هزيمة سياسية مؤلمة في آخر انتخابات نيابية عام 2021. كما تعاني حركة مجتمع السلم "حمس" فرع الجماعة في الجارة الجزائر، من خلافات داخلية. وفي لبنان، تأثرت "الجماعة الإسلامية" وذراعهم العسكري "قوات الفجر" بشكل كبير على خلفية الضربات التي تلقاها حليفهم حزب الله، وسط مطالبات قوية بنزح سلاح الجماعة.

دوليًا، يواجه التنظيم ضغوطًا متصاعدة، من بينها مساعي أمريكية لتصنيفه كمنظمة إرهابية، كما تقدم حزب "البديل من أجل ألمانيا"، في مطلع العام الجاري، بمشروع قرار لحظر أنشطة الجماعة في البلاد، وخاصةً جمعية الجالية المسلمة في ألمانيا (DMG)، ذراع الإخوان الرئيسي في الأراضي الألمانية.

وبحسب تقرير لمركز "تريندز" للبحوث، العام الماضي، انخفضت قوة تأثير الجماعة عالمياً بين عامي 2021 و2023، بيد أنها تحاول إعادة إحياء خطابها السياسي وتحقيق مكاسب سياسية بعد أحداث 7 أكتوبر، كما حدث في الأردن.

سيناريوهات البقاء

 بالعودة إلى الأردن، باتت الجماعة محظورة وتحركات قياداتها محسوبة، فيما يترقب الحزب مصيره. يقول صالح العرموطي، رئيس الكتلة البرلمانية للحزب، في مقابلة تليفزيونية، إن "الحزب لن يُمس، وسيستكمل دورته الدستورية في خدمة المملكة، وأن ما يحاك ضده مؤامرة صهيونية"، وأضاف أن الحركة الإسلامية جزءًا من النسيج الوطني للأردن، ولطالما اصطفت خلف سياسة الملك عبد الله الثاني.  

ويرى الباحث الأردني أبو عمشة أن الدولة حريصة على إبقاء الحزب كي يمثل شباب الجماعة دون ارتباط تنظيمي مباشر بها، لكنها في الوقت ذاته تعمل على تفكيك جناح الجماعة المتشدد. 

في المقابل، سيحاول الإخوان إظهار ولائهم للدولة من خلال حزب الجبهة، بينما سيتجهون للعمل السري بخطوات أكثر مرونةً، مع إجراء مراجعة داخلية قد تفرز تيارًا جديدًا يحافظ على أفكارها، بحسب أبو عمشة. 

أما العياصرة، عضو مجلس الأعيان الأردني، يعتقد أن الدولة تضع الإخوان وحزبها الآن تحت الرقابة الشاملة، حتى إجراء مراجعات داخلية لنبذ أفكار العسكرة التي انتشرت مؤخرًا بينهم، أي "عليهم ممارسة النُبل مع الدولة" لضمان بقائهم السياسي. 

© قنطرة