شباب قطاع غزة .........زوجات الأنفاق وغرف الدردشة عبر الانترنت
"أصبحنا الآن في عصر الانفتاح، لماذا لا يتزوج الشاب فتاة عن طريق الإنترنت؟ هذا أفضل من الخطبة التقليدية!"، بهذا تعلق خديجة، وهي إدارية في إحدى مستشفيات غزة، على ظاهرة الزواج عبر الإنترنت، التي باتت منتشرة بين شابات قطاع غزة وشاباتها. لكنها تشدد قي الوقت ذاته على أن التعارف ما بين الشاب والفتاة يجب أن يكون مبنياً على الصراحة والأخلاق وهدفه الزواج.
انتشار ظاهرة الزواج عبر الإنترنت باتت واضحة في غزة، ونراها تتم أحياناً عبر التعارف من خلال غرف الدردشة. وربما يميز قطاع غزة عن غيره من دول العالم الأخرى أنه محاصر، لذلك باتت الشبكة العنكبوتية تساعدهم على توفير فرصة لقاء نصفهم الآخر وربطهم جميعاً. ولا تخلو الشبكة من مواقع فلسطينية تتخصص في هذا الأمر. وآخرون يتجهون إلى الزواج عبر الإنترنت من دول عربية وأجنبيات يرون فيها هروباً من قسوة الوضع الداخلي. بعض من وجدوا نصفهم الآخر عن طريق الإنترنت يكررون الحديث عن "السيناريو المعتاد للتعارف والزواج": "كان هدفنا التعرف فقط، لكن الأمر ما لبث أن تحول إلى إعجاب ومن ثم إلى حب، توج بالزواج".
زوجاتٌ تم إحضارهن عبر الأنفاق
"تعرفت على زوجتي الجزائرية عبر الإنترنت، وكانت العلاقة مبنية مباشرة على المُصارحة والصدق وعدم التصنع في أي شيء"، بهذه العبارات يصف محمد أبو شكري، صاحب صالون حلاقة، بداية التعارف مع زوجته. ويشير محمد في حواره مع دويتشه فيله إلى أن الحصار الإسرائيلي وإغلاق معبر رفح الحدودي حال دون تمكنه من السفر لإتمام مراسم الزواج هناك، فجاءت العروس الجزائرية عبر الأنفاق بعد دفع الأموال مقابل تهريبها إلى قطاع غزة.
وعن شعور الزوجين بعد هذه المغامرة الشاقة، يصف محمد زواجهما بالناجح بكل المقاييس، مضيفاً: "منذ أيام عادت زوجتي عن طريق الأنفاق، وسألحقها لاستقر في الجزائر، لأن الوضع السياسي والاقتصادي مأساوي عندنا". وأثناء حديثنا مع محمد تطرق إلى مجيء شقيقتين سوريتين في نفس اللحظة عبر الأنفاق مع زوجته، ليلتئما شملهما مع عريسيهما من خان يونس بعد زواجهما عبر الإنترنت. وسمعنا قصصاً مماثلة لزوجات من المغرب ومصر وليبيا وكندا وبريطانيا وغيرها.
تعقيدات في إتمام المراسم
التعارف ما بين الشاب والفتاة عبر الإنترنت في المجتمع الغزي والاتفاق على الزواج ربما يكون سهلاً، لكن الأمر الصعب يتمثل في تقبل الأهل لهذه الطريقة الغريبة على المجتمع. (س.م) من خان يونس تقول في حديث إلى دويتشه فيله إن شقيقتها تعرفت أثناء الدردشة على شاب فلسطيني من غزة يعمل ويعيش في برلين في ألمانيا، مشددة على صعوبة تقبل أهلها في البداية لهذا الأمر. وتضيف أن أهل العريس ألحوا على زواج ابنهم من أختها بعد إرسال توكيل لوالده بهذا الأمر. وبعد السؤال عنه جعلهم يوافقون على الزواج وسفرها. وتنوه (س.م) إلى أن شقيقتها انتظرت بعد الزواج نحو عام لإتمام أوراق السفر إلى موطن زوجها، لصعوبة قدومه إلى غزة بسبب الحصار.
لكن (م. ن) من مدينة رفح يقول إنه نادم جداً على دخوله مواقع الدردشة، فقد انتهى به المطاف إلى تعرفه على فتاة من غزة، أحبها فوصلت علاقتهما إلى زواج لم يدم شهرين بعد مشاكل لا حصر لها. ويعلق بنبرة استهزاء: "نصحوني بأن المسألة سيكون فيها الكثير من الخداع. أنا استحق ما جرى لي لأني لم استمع لهذه النصائح"، رافضاً التوضيح.
هروب من قسوة الواقع
"من وجهة نظري إنها مسالة حظ ونصيب، ويمكن أن تنجح أو يفشل مثله مثل أي زواج عادي بين شخصين تعارفا في الجامعة أو في المؤسسة أو في السوق أو الشارع أو حتى زواج تقليدي"، كما ترى الطالبة ميسون من جامعة الأزهر. أما زميلتها أمل فتقول بنبرة انفعالية متسرعة: سيفشل بالتأكيد سيفشل، ولا يجدي السؤال عن الأسباب، لأنها كثيرة".
لكن خالد، وهو موظف في أحد المصارف، يرى أن هذا الزواج تحكمه العشرة والحب الصادق، مشيراً إلى صعوبة الحكم عليه بالنجاح والفشل، واصفاً من يقدموا على هذا النوع من الزواج بالقول: "كل واحد يختبئ خلف شاشة جهازه ويتجمل للآخر".
عن هذه الظاهرة تقول الأخصائية الاجتماعية مي عمر إن المجتمع في قطاع غزة محافظ جداً وتحكمه عادات وتقاليد مازالت راسخة، منوهة أن الشاب يجد في هذا الأمر ربما المبررات والانسحاب قبل الزواج، ومحذرة من أن "أي خطأ تدفع ثمنه الفتاة باهظاً".
وعند سؤال دويتشه فيله أخصائي الأمراض النفسية الدكتور جابر عبد الله عن رأيه في هذا الموضوع، أشار إلى هروب الكثير من الشباب إلى الإنترنت بسبب البطالة وانسداد الأفق السياسي والاقتصادي، مما يضطرهم أحياناً إلى البحث عن زوجات لهم عن طريق الإنترنت بعيداً عن الواقع المرير الذي يعيشونه. ويعتبر الأخصائي النفسي أن نجاح هذا الزواج وفشله يعتمد على قوة تحمل الزوجين على الواقع الجديد، "بعيداً ربما عن الأحلام أو الوصفات الوردية من كلا الطرفين".
حُكم الدين: "حلالٌ به شُبهة"
توجهت دويتشه فيله إلى دار الإفتاء في وزارة الأوقاف في غزة للوقوف على رأى الدين. عن ذلك يقول المفتي الشيخ حمدان شُراب "النكاحُ في شَرعنا يحتاج إلى الولي وشاهدّي العدل". وعند استفسارنا عن هذه الجزئية أكد الشيخ أن تفويت المقصود الشرعي هو الجلوس مع المخطوبة والسؤال عن حالها والتأكد من أمورها. ويضيف أن الزواج عبر الإنترنت يمكن أن يكون به "غبن أو خداع وغش خلال العرض، ومن ثم عدم التأكد من حقيقة الزوجة وأخلاقها وصفاتها". وفي حديثه مع دويتشه فيله يؤكد المفتي: "الزواج مبنى على التواصل! بمعني ستر العورات والرفعة والعلو وليس التسلية في أعراض المسلمين". وفى نهاية الحوار سألناه: "يا مولانا بكل وضوح هل هو حلال أم حرام؟"، فأجاب بابتسامة: "بكل تأكيد حلال به شبهة".
شوقي الفرا- غزة
مراجعة: عماد غانم