سوق دمشقي في متحف ألماني
لمدة 31 سنة ظل يوهانس كالتر مهتما بالإسلام والعالم المشرقي. عبر دروب ملتوية اكتشف اهتمامه بالثقافة الأجنبية؛ كانت بداية ذلك في رحلة دراسية إلى مومبازا حيث تم له اكتشاف بيوت متداعية كانت ملكا لتجار مسلمين ومساجد وحمّامات.
عاد يوهانس كالتر على إثرها إلى ألمانيا منبهرا بتلك الانطباعات التي حصلت لديه هناك. ولدى عودته كانت تنتظره مهمة جديدة: فقد اقترح عليه فريدرش كوسماول مدير متحف ليندن بشتوتغارت في ذلك الحين أن يؤسس جناحا مشرقيا في ذلك المتحف الذي كانت تسوده الفوضى آنذاك. وهكذا بدأت لدى يوهانس كالتر مرحلة تعامل مكثف مع الشرق الإسلامي.
شرع في بادئ الأمر بالاشتغال على ما كان متوفرا من الأدبيات المختصة في المجال، ثم راح يقوم بزيارات للمتاحف الإثنوغرافية ومتاحف الفن الإسلامي الموجودة بألمانيا والبلدان الأوروبية الأخرى، وكان في الأثناء يتابع دروسا كطالب مستمع في جامعة توبنغن.
في أواخر السبعينات سافر يوهانس كالتر إلى أفغانستان لاقتناء قطع معروضات لمتحف شتوتغارت. وكان قد وضع بذلك حجر الأساس لرصيد فريد من نوعه من معروضات الفن الأفغاني في متحف ليندن ؛ خاصة والحال أن ذخائر المتحف الوطني لكابول قد اختفت حاليا.
مقتنيات مزورة
وخلال السنوات التالية سافر يوهانس كالتر إلى عدد إضافي من البلدان الإسلامية بهدف إثراء رصيد ذخائر المتحف. وكانت كل من المغرب وباكستان وسوريا وفلسطين من ضمن البلدان التي تضمنتها قائمة برنامج سفراته. ويعترف كالتر المختص في تاريخ الفنون بأنه قد حصل له في الأثناء أن أنفق في بعض المرات أمواله خطأ –أو في التعلم من الأخطاء:
"إن أي موظف متاحف يدّعي أنه لم يحصل له في حياته البتة أن اقتنى قطعة مزورة، فهو إما غبي أو كذاب. لكن من منا لا يخطئ البتة خلال مسيرته المهنية ؟"
أما عن نقل الكنوز الأجنبية إلى شتوتغارت فإن كالتر لا يشعر بالندم بسبب ذلك، وهو لا يساوره أي تأنيب ضمير أو ورع بخصوص ما يقوم به، بل على العكس من ذلك:
"لا أحد قد راودته في يوم من الأيام فكرة أنه ينبغي أن تعود كل أعمال بيكاسو إلى بلاد الباسك، أو أعمال برويغل إلى أمستردام لا لشيء إلا لأن بيكاسو أصيل بلاد الباسك وبرويغل الهولندي من أمستردام، بل إنه واضح بالنسبة لأي كان بأن هذه الأعمال موزعة على كامل وجه المعمورة والمهم بالنهاية هو فقط أن يكون الناس على معرفة بأماكن وجودها. وأنا أعتقد أن فن البلدان غير الأوروبية يستحق ما يكفي من التقدير كي ما يقر المرء بأنه من المهم أن يكون في متناول الناس، وأن يقع توثيقه وصيانته ".
قرآن ودواوين شعرية
ومع مرور السنين تطورت ذخيرة متحف ليندن من 1000 قطعة في البداية إلى 16 ألف قطعة حاليا. وتوجد من ضمن هذه القطع الفنية نسخ من مصاحف قرآنية قيّمة ودواوين شعرية من العصر الوسيط، وكذلك قطع من أشياء الاستعمال اليومي من أباريق ومزهريات وقطع حلي ذات قيمة.
تعرض هذه الكنوز الأجنبية ضمن معرض دائم يتم تحديثه بانتظام. وتتمثل الرؤية التي تقود هذا المعرض في تقديم صورة تستعرض كل الجوانب والمظاهر المتنوعة للديانة الإسلامية، وعدم تناولها ككتلة موحدة غير متنوعة. هكذا يكون المتحف قد وسع من قاعدة معروضاته عن طريق سفرات التجميع والتوثيق.
سوق دمشقي في متحف ألماني
ولا يتمثل الهدف من وراء ذلك بالنسبة ليوهانس كالتر في التجميع والعرض فقط، بل إنه يريد أن يجعل الناس يلمسون عن قرب واقع العالم الغريب للشرق. لهذا الغرض جعل ذروة هذا المعرض تتجسد في نموذج لسوق يعبره الزوار ليجدوا أنفسهم فجأة كما لو أنهم داخل سوق دمشق أو بازار كابول:
"يمكن للمرء أن يوقظ فضول الناس عن طريق الأشياء، غير أن الأشياء بالنسبة لي تمثل خيط الوصل في عملية التبليغ وفي التفاعل مع ما يسمى غريبا."
يتطلب هذا العمل من كالتر أن يكون أيضا حاضرا على عين المكان ويقود الزائرين في جولتهم عبر المعرض:
"كان لدي ذات مرة معرض بعنوان "طريق الأتراك الطويلة" ؛ أي معرض عن التاريخ الثقافي التركي منذ البدايات المعروفة لدينا وصولا إلى الأتراك في حي كرويتزبارغ ببرلين. وقد كان علي أن أقوم أحيانا في أيام الأحد بأربع جولات مرافَقة، لأنني لاحظت أن هناك اهتماما غير معهود، وأكثر ما أسعدني في ذلك أنه كان أول معرض أرى فيه عددا من الأتراك يعادل تقريبا عدد الزوار من الألمان."
وحسب تصريحات كالتر فقد عرف عدد الزائرين ارتفاعا ملحوظا بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 بصفة خاصة. إلا أن الدافع لدى العديد من هؤلاء يتمثل في التخوف من الخطر الإسلامي. لذلك ظل الاختصاصي كالتر، وحتى بعد تقاعده عن العمل ملتزما بالعمل عن طريق المحاضرات والمقالات العلمية على مواجهة هذه التصورات المخيفة بصورة إيجابية عن المشرق.
عبد الأحمد رشيد Qantara 2004
ترجمة علي مصباح