"إنني مندمج هنا"
عندما يسأل أحد السيدة زهور محمود عن أكبر أبنائها تسيل الدموع من عينيها. فابنتها شمس البالغة من العمر أربعة أعوام وابنها أحمد البالغ من العمر ستة أعوام يعيشان في دمشق عند أسرة ترعاهما، ولا تستطيع زهور محمود التحدث معهم إلا عبر الهاتف. وأحمد يستطيع الكلام معها أما شمس فلم تعد تعرف أمها بعد، إذ كان عمرها يزيد بعض الشيء عن عام واحد عندما اضطرت هي وأخوها للبقاء في دمشق لصعوبة اصطحابهم أثناء رحلة الفرار من العراق إلى ألمانيا. وكان الوالدان ينويان استدراك مجيئهما إلى ألمانيا.
أما جعفر عبدون ستار فقد فر خلال فترة نظام صدام حسين من كربلاء إلى كولونيا وحصل على حق اللجوء في ألمانيا. ولما لحقت به زوجته زهور قدما طلبا للمّ شمل الأسرة. ووافقت إدارة شؤون الأجانب على الطلب. ثم سافر جعفر عبدون ستار بالطائرة إلى دمشق لاصطحاب الأطفال. إلا أن السفارة الألمانية في دمشق رفضت منح الأطفال التأشيرات بناء على تعليمات وزارة الداخلية الاتحادية بحجة أن جعفر عبدون ستار أصبح لا يتمتع بصفة لاجئ.
ولا تُعد عائلة ستار هي الحالة الوحيدة، فمئات الآلاف من العراقيين فروا أثناء حكومة صدام حسين وحصلوا على حق اللجوء بسهولة. أما بعد سقوط الديكتاتور عام 2003 بدأت الدائرة الاتحادية للهجرة واللجوء بسحب حق اللجوء منهم، معللة ذلك بأن النظام القديم انتهى ولم يعد هناك سبب بعد للفرار، كما أن الوضع السياسي في العراق قد تغير.
سحب الاعتراف باللجوء
كما حصل كريم عرفان أيضا على قرار سحب لجوئه. هذا الكردي القادم من مدينة كركوك كان معارضا نشيطا أيام حكومة الديكتاتور صدام وعوقب بالسجن ثلاث سنوات. ومنذ فراره من العراق وهو يعيش ويعمل في ألمانيا حتى أنه تقدم بطلب لاكتساب الجنسية الألمانية.
إلا أن طلبه لن يُنظر فيه بالاشارة إلى قرار سحب اللجوء. ويقول غاضبا: "إنني أعيش هنا منذ عشر سنوات، وأنا مندمج وأريد البقاء هنا". ويوافقه على ذلك صديقه زمان عبد الغفور خضر القادم أيضا من كركوك ويعيش منذ ست سنوات في ألمانيا، ويقول: "لم تعد هناك أية صلة بيني وبين عائلتي، وأخشى الرجوع إلى العراق".
ويتألم رسول كاوا على الاعتداءات التي تحصل في مدينته الموصل. ومما يجعل حالته صعبة أنه أصيب إصابات بالغة إثر حادثة سيارة قبل عامين ومكث في غيبوبة لمدة شهر. ومنذ ذلك الحين أجريت له عدة عمليات جراحية وينتظر عمليات أخرى.
نهج الحكومة الألمانية
يعيش العراق الآن حالة تشبه الحرب الأهلية يفر بسببها حوالي 50 ألف فرد شهريا. وحسب اتفاقية جنيف الخاصة باللاجئين وتوجيهات الإتحاد الأوروبي وتوصيات المفوضية العليا للأمم المتحدة لوكالة إغاثة اللاجئين لا بد أن يتم استمرار ضمان إقامة اللاجئيين العراقيين في ألمانيا.
لكن مؤتمر وزراء الداخلية الألمان لا يقر بالعنف في العراق كسبب من أسباب الفرار، وقد قامت الحكومة الألمانية بالفعل بترحيل بعض الأفراد من الرجال إلى شمال العراق. وحاليا يتم إرجاء بعض حالات الترحيل المعينة، منها على سبيل المثال العراقيين المسيحيين واليزيديين.
وكريم عرفان الذي يمثل الاتحاد العالمي لللاجئين العراقيين ينتقد ألمانيا بأنها الدولة الأوروبية الوحيدة التي تمارس سياسة سحب حق اللجوء. ويؤكد ذلك أيضا السيد برند ميسوفيتش من منظمة "برو أزول" المدافعة عن حقوق اللاجئين، ويضيف قائلا: "إن ألمانيا تمارس سياسة الاستهتار".
منذ 2003 تلقى 18 ألف عراقي قرارات بسحب حق اللجوء منهم، وبمجرد أن يصبح الحكم ساري المفعول سيصبح هؤلاء "جاهزين للترحيل". وبسبب الوضع الأمني في العراق وخاصة في بغداد وضواحيها يحصل معظمهم هنا على إقامة مؤقتة.
وحسبما ترى كل ولاية على حده يعني هذا حرمانهم من تصريح العمل، ولا يحصلون إلا على الوظائف التي يرفضها المواطن الألماني أو مواطنو الإتحاد الأوروبي. ولم يعد التعليم الإلزامي يسري على أطفالهم، كما أن حريتهم في اختيار محل الإقامة تصبح مقيدة.
يشرف ياسر فريجة على العديد من العراقيين في مكتب استشارات. إنه يشتكي أن هؤلاء الناس الذي اشتغلوا سنوات طويلة في ألمانيا سيتحولون بسبب الإقامة المؤقتة من دافعي ضرائب إلى مستحقي إعانات اجتماعية.
ترى منظمة "برو أزول" أن سحب حق اللجوء عبارة عن "خطة كبيرة لتهيئة فرص العمل" تمارسها دائرة الهجرة واللجوء "لمصلحتها الشخصية". ويظن ياسر فريجة أيضا أن انخفاض عدد طالبي اللجوء له علاقة بهذا الموضوع. فبدلا من 200 ألف حالة – كما كان الحال قبل بضع سنوات – تنظر دائرة الهجرة واللجوء فقط في 20 ألف حالة كل عام، وتريد بكل بساطة الحفاظ على وظائفهم.
ولا يبقى لجعفر عبدون ستار، والد كل من أحمد وشمس، إلا الأمل في أن يستغل موظفي الحكومة حرية التصرف المكفولة لهم ويوافقوا على حضور الأطفال إلى والديهم حسبما تقتضيه الظروف الإنسانية.
بقلم بيآته هينريشس
ترجمة عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع قنطرة 2007
قنطرة
مقابلة مع وزير الهجرة السويدي توبياس بيلستروم
يطالب وزير الهجرة السويدي، توبياس بيلستروم الاتحاد الأوروبي بوضع سياسة هجرة مشتركة ويناشد الدول الأعضاء بتقاسم أعباء تدفق اللاجئين العراقيين
اللاجئون العراقيون في السويد
تعدّ مدينة سودرتيليه الصغيرة الواقعة جنوب غرب العاصمة ستوكهولم مركزًا للاجئين العراقيين، وقد صار يطلق عليها اسم "بغداد الصغيرة". بيترا تابيلينغ أعدَّت هذا التقرير من هناك