حوار قيد التجربة!
من بين المشاركين المدّعوين لحضور المؤتمر عن الجانب الألماني البالغ عددهم ثلاثين مشاركًا، سياسيّون من الحكومة الاتحادية والمقاطعات، وعن الجانب المسلم خمسة ممثّلين لأهمّ الاتحادات والجمعيّات الإسلامية وكذلك عشرة أشخاص مستقلّون يعملون في مختلف مجالات الحياة العامة، في السياسة والثقافة والإعلام والاقتصاد.
واختلفت آمال المشاركين في المؤتمر. فعلى الجانب الألماني أعرب على سبيل المثال وزير الداخلية الاتحادية شويبله عن أمله في اندماج المواطنين المسلمين في ألمانيا بصورة أفضل على المستويين الديني والاجتماعي. ونوّه إلى أنّ علاقة المسلمين بالمجتمع الألماني وبالمبادئ الديموقراطية الأساسية وبدور المرأة تحتل مكان الصدارة في المؤتمر.
فهكذا أُنيطت بجموعات العمل التي ستجتمع ست مرّات في العام مع ممثّلين عن الاتحادات والجمعيّات الإسلامية مهمّة القيام على سبيل المثال بإعداد خطط لتدريس مادة الديانة الإسلامية في مدارس ألمانية أو لإلزام التلاميذ المسلمين بحضور مادة التربية الرياضية أو تمارين السباحة.
كما ذكر وزير الداخلية الاتحادية هدفًا أساسيًا آخر يتمثّل في تعليم الأئمة في ألمانيا. وأضاف أنّه ينبغي عدم التقصير في نقاش موضوعي الأمن الداخلي والإرهاب. حيث اتّفق كل من وزير داخلية بافاريا الإقليمي غونتر بيكشتاين ووزير الداخلية الاتحادية شويبله على أنّ هذا اللقاء يجب أن يساهم في رفع مستوى الأمن الداخلي.
إذ أنّ المرجو من المسلمين - على حدّ تعبير الوزيرين - رفض العنف والإرهاب رفضًا قاطعًا وأن لا يتأخّروا في تبليغ السلطات الألمانية المختصة عن الأفراد والأعضاء المنتسبين لاتحاداتهم وجمعيّاتهم الذين لديهم استعداد لاستخدام العنف. وأضاف الوزير أنّه من الممكن التصدّي بصورة فعّالة للإرهاب الإسلاموي من خلال إجراءات وقائية مناسبة وبالتعاون مع المسلمين.
توقعات المسلمين
وفي المقابل أعرب بعض ممثّلي الاتحادات والجمعيات الإسلامية عن أملهم في أن يُعترف بالإسلام في ألمانيا اعترافًا تامًا كدين متساوٍ في الحقوق مع الأديان الأخرى وأن يصبح جزء لا يتجزأ من المجتمع الألماني. كما عبّروا أيضًا عن رغبتهم في الاستمرار في عملية التقارب من خلال حوار متواصل مع الحكومة والمجتمع في ألمانيا.
من الضروري الترحيب بمبادرة عقد هذا المؤتمر الإسلامي، وهذا ما اتفق عليه المشاركون في المؤتمر أيضا. ولكن المواضيع المحورية التي طرحت خلال الفترة التحضيرية للمؤتمر تسلط الضوء على الطريقة التي يعقد بها هذا اللقاء وعلى الأهداف المرتبطة به.
حتّى وإن كان وزير الداخلية شويبله وجد في بداية المؤتمر كلمات واضحة ضدّ الاشتباه بالمسلمين بصورة عامّة، فإنّ الآمال المعقودة على الحوار التي أعرب عنها المشاركون في المؤتمر، تبين أنّ التصوّرات ذات الطبيعة القديمة والمواضيع المشحونة بأعلى درجات العاطفة مثل وضع المرأة في الإسلام أو إمكانية استعداد المسلمين لاستخدام العنف لا تزال مسيطرة على الحديث إلى مدى بعيد.
الخوف عقبة رئيسية في وجه تفاهم حقيقي
ويبدو أنّ الحاجة إلى استقرار الأمن هي على الأغلب ما دفع الطرف الألماني إلى الحوار، في حين يُلاحظ لدى المسلمين في ألمانيا عاملا من عوامل التهديد. بناءً على ذلك دعا غونتر بيكشتاين، وزير داخلية مقاطعة بافاريا، في بداية المؤتمر "إلى ضرورة ابتعاد المسلمين عن أولائك الذين يرهبون ويرعبون الناس في ألمانيا".
ولكن ألا تضع وجهة النظر هذه المملوءة بالخوف عقبات أمام لقاء فعال بين المسلمين والألمان، دُعي لعقده للتو؟ وقد وجّهت الدعوة للمسليمن من خلال افتراض صلة تربطهم بالعنف والإرهاب، وذلك من أجل التقليل من الشعور بالتهديد في المجتمع الألماني. إنّ السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد هو إذا كان الحوار الحقيقي ممكنًا في الأصل، طالما بقي الدافع إلى الحوار مثل هذه التصوّرات المملوئة بمشاهد عنيفة تُنسب للثقافة الحياتية في الإسلام.
كذلك يظهر مدى تأثير هذه التصوّرات أيضًا في اختيار المشاركين في الحوار، الذين تمّ انتقاؤهم للمشاركة في المؤتمر مثل نجلاء كيليك وسيران أتيش، اللتان لا تتحدّثان انطلاقًا من تجربة خاضاها في الحياة اليومية الإسلامية - مثلما تمّ انتقادهما في الفترة التحضيرية من قبل الجمعيّات الإسلامية، بل يخدمان بشكل خاص في محاضراتهما ومقالاتهما الشّعور بالاضطراب والحيرة لدى بعض أبناء الطبقة الوسطى في ألمانيا.
وهكذا يظهر بسرعة أنّ المبادرة التي تستحقّ الشكر والداعية لتكثيف الحوار مع المسلمين في ألمانيا تقتضي ملاحظة الطريقة التي يتمّ من خلالها خوض الحوار بصفة خاصة. فإذا نجح هذا الحوار من دون إملاءات سابقة، فعندها سيواجه الحوار تحدّيات مباشرة، في كثير من مجالات الحياة يمتدّ إليها الحوار والتي يلتقي فيها المسلمون والألمان مع بعضهم.
ولا بدّ من التوضيح أنّ أغلبية المسلمين في ألمانيا لا تنتمي إلى أيّ من الاتحادات والجمعيات الإسلامية ولكنّها على صلة وثيقة بحياة دينية، من دون أن تكون ممثّلة من خلال لجنة مشاركة في هذا المؤتمر.
بيد أنّ نوعية اللقاء ما بين الألمان والمسلمين سوف تحدّد إن كان من الممكن أن ينشأ شعور بالولاء أو حتّى بالتآلف والتضامن. لا يزال المؤتمر الإسلامي في بدايته. ونجاحه سوف يُظهر إلى أيّ حدّ يمكن جعل التعايش ما بين المسلمين والألمان سلميًا وبنّاءً.
بقلم أولغر بولات
ترجمة رائد الباش
حقوق الطبع قنطرة 2006
أولغر بولات باحثة مختصة في شؤون الهجرة وأستاذة في الجامعة التطبيقية في هامبورغ.