خصوصية تونسية.....منابر تنويرية
يشهد الإقبال على المدارس القرآنية (الكتاتيب) في تونس تناميا ملحوظا في الفترة الأخيرة، وتؤكد بيانات لوزارة الشؤون الدينية التونسية التي تشرف على الكتاتيب، إن عدد الأطفال المسجلين بالكتاتيب بلغ خلال عام 2009 مستوى "غير مسبوق في تاريخ البلاد".
ويعزو مسؤولون وخبراء في تونس مدى الإقبال على الكتاتيب إلى تطوير مناهج التدريس في الكتاتيب القرآنية واعتماد نمط الفصول المختلطة بين الفتيات والفتيان، ساهم بشكل أساسي في تشجيع الأسر التونسية على إدماج أبنائها في الكتاتيب التي باتت تنافس لأول مرة رياض الأطفال. وتتفق آراء هؤلاء الخبراء بشأن أهمية تعليم قيم التسامح والاعتدال للأطفال، عبر الكتاتيب، لكن آراءهم تتباين حول ما إذا كان دور الكتاتيب حاسما في مكافحة التطرف في المجتمع التونسي.
الكتاتيب من التقليد إلى التحديث
تعتبر الكتاتيب من أعرق مؤسسات التعليم الديني في المجتمع التونسي، ولكنها تعرضت لشبه انقراض خلال فترة الاستعمار الفرنسي (1881-1956 ) وساهمت فترة حكم الرئيس السابق الحبيب بورقيبة (1956-1987) في تهميشها بشكل كبير، حيث كان الرئيس بورقيبه يعتبر مؤسسات التعليم الديني وعلى رأسها مؤسسة جامعة الزيتونة، معقلا للأفكار التقليدية التي تتعارض مع مبادئ الدولة الحديثة التي سعى لإرسائها في تونس المستقلة. وبسبب هذه القضية تعرض بورقيبة إلى حملة من بعض الأوساط الدينية المحافظة، محليا وعربيا، اتهمته ب"معاداة الدين الإسلامي" ومحاكاة نموذج أتاتورك لبناء الدولة التركية.
رؤية جديدة
ومنذ عام 2002 اعتمدت الحكومة التونسية خطة لإحياء دور الكتاتيب، ولكن من منظور يختلف عن النمط التقليدي الذي عرفت به في العهود السابقة، حيث أطلقت وزارة الشؤون الدينية التونسية برنامجا شاملا لتطوير مناهج التدريس وتحديث بنيات الكتاتيب وإحداث فصول مختلطة بها.
وتقع الكتاتيب داخل الجوامع أو الزوايا (الصوفية) ويحدد القانون السن الأدنى لقبول الأطفال بالكتاتيب بأربع سنوات والقصوى بخمس سنوات وهي سن "التعليم ما قبل المدرسي" التي يتم فيها إعداد الطفل لدخول المدرسة الابتدائية. ويستند برنامج التدريس الجديد في الكتاتيب على الجمع بين حفظ القرآن والأحاديث النبوية وتعليم العبادات والتربية على الآداب الإسلامية، وبين مواد أخرى ذات طابع"مدني" تتناسب مع أعمار الأطفال مثل الكتابة والرسم والرياضة والتعبير الشفوي والأناشيد. وتتمحور مواضيع أغلب المواد التي يتم تدريسها للأطفال قيم مثل المواطنة والوسطية والتسامح والآداب العامة والرفق بالحيوان والحفاظ على البيئة. وهي مواد لم تكن تحظى بالاهتمام في نظام الكتاتيب التقليدي.
ولتسليط الضوء على خلفيات تبني وزارته برنامج إصلاح نظام الكتاتيب، أكد ابو بكر الأخزوري وزير الشؤون الدينية التونسي أخيرا أنه يهدف "للقطع مع الصورة التقليدية لمؤسسة الكتاتيب من خلال تغيير المناهج والبرامج والفضاءات بما يجعلها تستجيب لروح العصر، دون الخروج عن المبادئ الأساسية المتمثلة في تعليم القرآن الكريم والسيرة النبوية الشريفة". وتوخت وزارة الشؤون الدينية الاعتماد على الكتاتيب، التي تخضع إداريا لإشرافها، كوسيلة لتحقيق أهداف ومهام أساسية تضطلع بها الوزارة رسميا، وتتمثل في "تطبيق سياسة الدولة في المجال الديني" و"درء أخطار الانغلاق والتطرّف".
"مدرسات الكتاتيب حصن ضد التمييز"
وخلافا لبقية المدارس القرآنية في العالم الإسلامي يدرس رواد الكتاتيب التونسية من الأطفال والفتيات في فصول مختلطة مثلما هو الشأن في مدارس وجامعات البلاد التي تحظى فيها المرأة منذ بدايات استقلال البلاد بحقوق وحريات فريدة في العالم العربي. وتتوفر فصول الكتاتيب التونسية على تجهيزات شبيهة بتلك التي تتوفر عليها فصول المدارس الابتدائية، حيث تحتوي على سبّورة ومناضد ويجلس الأطفال والفتيات على مقاعد وليس على الأرض كما هو معروف تقليديا في الكتاتيب، كما يرتدون أزياء موحّدة (يونيفورم).
وكسرت النساء منذ عام 2002 الاحتكار الذكوري للتدريس بالكتاتيب، والتحقت بالمدارس القرآنية خلال هذ ا العام أول دفعة من المعلمين(في تونس تطلق على معلم الكتاب تسمية المُؤدِب) والمعلمات الحاصلين على درجة الأستاذية في العلوم الإسلامية من جامعة الزيتونية التي تعتبر أعرق جامعة إسلامية في البلاد، وتلقى هؤلاء المعلمون والمعلمات تكوينا خاصا في علوم التربية وعلم النفس التربوي وعلم نفس الطفل وحقوق الطفل وصحة الطفل وعلوم القرآن وتجويده.
وقالت حبيبة القديدي المعلمة بكتّاب جامع "الرحمان" بمدينة المرسى،الواقعة شمال العاصمة تونس، وهي أول معلمة في تونس تحمل درجة الماجستير في العلوم الإسلامية، في مقابلة مع دويتشه فيله إن "المجتمع الذي رسخت في مخيلته صورة المؤدّب(المعلم) الرجل تلقى ببالغ الاستغراب تولّي امرأة التدريس في الكتّاب لكنه تقبّل الأمر لاحقا"، وأضافت أن كثيرا من الأولياء أصبحوا يفضلون إرسال أبنائهم إلى كتّاب تشرف عليه معلمة عوضا عن معلم لأن "المعلمة تضطلع بدور الأم والمربّية في نفس الوقت".
من جهته قال محمد بلقايد مدير المعالم والأطر الدينية بوزارة الشؤون الدينية في حوار مع دوتشيه فيله أن عدد معلمات الكتاتيب في تونس ارتفع إلى نحو 400 سنة 2009 أي أكثر من ثلث مجموع المعلمين الذي بلغ 1186 خلال نفس العام. ولاحظ بلقايد أن اقتحام المرأة الكتاتيب "مثل منعرجا هاما" وان المعلمات أظهرن كفاءة عالية في أداء وظيفتهن وأن الأطفال اللذين تتلمذوا على أياديهن يصعب أن يتبنوا في يوم من أيام مقولات مثل "المرأة ناقصة عقل أو دين وصوتها عورة".
الكتاتيب هل تكفي لمواجهة التطرف؟
بعد سنوات قليلة من اعتماد الإصلاحات الجديدة لنظام الكتاتيب، أصبحت منافسا قويّا لرياض الأطفال، وحسب بيانات وزارة الشؤون الدينية التونسية،فقد ارتفع عدد الكتاتيب إلى 1186 سنة 2009 وهو رقم غير مسبوق في تاريخ البلاد. وقد ارتادها خلال نفس العام أكثر من 31 ألف طفل حوالي 50 في المائة منهم فتيات. وتتواصل الدراسة عاما واحدا لمن يبلغ سنه 5 سنوات وعامين اثنين لمن يبلغ الرابعة من عمره. وباتت أغلب المدارس القرآنية عاجزة عن الاستجابة لطلبات الأولياء المتزايدة بتسجيل أبنائهم فيها لأن القانون لا يسمح بأكثر من 35 طفلا داخل الفصل الواحد.
ويرجع خبراء في مجال التعليم وأولياء التلاميذ الإقبال المتزايد على الكتاتيب في تونس بدرجة أولى إلى ما لمسه الأولياء من أداء إيجابي لخريجي الكتاتيب في مراحل التعليم اللاحقة، وأيضا لكونه نتيجة ل"الصحوة الدينية"(ظاهرة انتشار التدين) التي يشهدها المجتمع في الفترة الأخيرة بفعل تأثير القنوات الفضائيات الدينية التي تبث من عدد من العربية.
لكن هنالك من يعتقد أن هذا الرأي ينطوي على مبالغة في دور الكتاتيب، وبرأي المحامي سمير بن عمر المتخصص في قضايا الإرهاب فإن "ظاهرة التدين في تونس ولا سيما لدى الشباب غير مؤطرة" وتفتقد الى مرجعية علمية معتبرا أن "المؤطر الوحيد لظاهرة التدين في البلاد هو الفضائيات والمواقع الالكترونية الدينية (على شبكة الانترنت)" وأضاف أن لها دورا كبيرا في اعتناق أعداد من الشباب "المحبط للفكر السلفي الجهادي" معتبرا أن "أنجع سبيل للوقاية من أخطار التطرف والإرهاب هو نشر الديمقراطية".
ولتدعيم رأيه حول تأثر الشباب التونسي بالفكر المتطرف الذي يبث عبر انترنت او بعض القنوات الفضائية ، أشار المحامي بن عمر الى أن عدد المعتقلين في السجون التونسية بموجب قانون الإرهاب الذي تطبقه البلاد منذ سنة 2003 يقارب الألفي شخص أغلبهم من الشباب المتأثر بالفكر السلفي، وشهدت تونس منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 محاكمات عديدة تركزت الاتهامات الموجهة فيها حول ارتكابهم أعمال عنف أو التخطيط لها بالإضافة إلى استخدام شبكة الانترنيت لأغراض إرهابية.
ويرى مراقبون بأن جذور التطرف في تونس تعود إلى أكثر من أربعة عقود واكتست الظاهرة أبعادا متعددة كما تتداخل عوامل مركبة في تشكيلها. كما شكل التعليم الديني محورا أساسيا في الصدام المتواصل عبر العقود الماضية بين التيار الأصولي المتطرف ونهج التحديث الذي وضعت أسسه منذ بدايات استقلال البلاد.
منير السويسي – تونس
مراجعة: منصف السليمي
حقوق النشر: دويتشه فيله 2010
قنطرة
مدرسة قرآنية داخلية خاصة بالفتيات في اليمن:
دار الزهراء - مدرسة معزولة للدراسات الإسلامية
تسلط روزا غوش في تقريرها الأتي الضوء على تجاربها في مدرسة "دار الزهراء" القرآنية الخاصة بالفتيات في مدينة تريم الواقعة في منطقة حضرموت في اليمن، والتي تعتبر فيها تلاوة القرآن والوعظ جزءًا مهمًا من تعليم النساء المسلمات.
المدارس الإسلامية في اندونيسيا:
في الطريق نحو الإصلاح والانفتاح
جوان ميك ميلان تكتب في تحقيقها الصحفي عن دِفاع مدير مدرسة إسلامية مشهورة في جزيرة جاوه الاندونيسية عن حرية الاعتقاد وحقوق الأقليات بعد أن كان ينظر إلى مثل هذه المدارس على أنها مراكز لصنع التطرف والتشدد الإسلامي.
حوار مع المخرج البنغالي شاهين دل رياض:
فيلم "أطفال القرآن"- رحلة في عوالم المدارس الدينية
ماذا يحدث خلف الأبواب الموصدة في مدارس تحفيظ القرآن؟ المخرج السينمائي شاهين دل رياض حاول الإجابة عن هذا السؤال في فيلمه الوثائقي الجديد "أطفال القرآن" الذي تدور أحداثه في بنغلاديش. إيرين كوفرجين تحدَّثت إليه حول مدارس تحفيظ القرآن وفيلمه الجديد.