اللعب بالنار!
يبدو أن الحكومة الباكستانية لن تظل طويلا مستعدة لتقبل استفزازات المتطرفين الدينيين ذوي الأسلوب الطالباني في قلب إسلام آباد. لقد أثار تلاميذ وتلميذات مدرسة القرآن التابعة للمسجد الأحمر الإنتباه العام في الأسابيع الماضية عندما شنوا حملة على محل لبيع الأقراص المدمجة وألعاب الفيديو بزعمهن أنهم يبيعون سلعا غير إسلامية وقاموا عدة مرات باختطاف "عاهرات" من المنطقة المجاورة للمسجد، وكان من بينهن صينيات.
إن الصين التي تربطها منذ أمد علاقة قوية مع باكستان قد تكون قد ساهمت بضغطها السياسي ليصبح السلوك الطالباني في قلب العاصمة الباكستانية حرجا لا يطاق بالنسبة للحكومة.
مما توضحه الأحداث الحالية هو أن المحاربين الإسلامويين – وعادة ما يُطلق عليهم في باكستان "جهاديين" – قد عزلوا أنفسهم إلى أقصى حد عن الحياة السياسية والاجتماعية والدينية أيضا في البلد. ومعظم الباكستانيين سُعداء لاحتمالية نهاية مشكلة المسجد الأحمر في القريب العاجل.
وهذا لا يعني أبدا نهاية طالبان في باكستان، فالأوضاع في المناطق المجاورة لأفغانستان لا تزال معقدة. وليس من قبيل الصدفة تعدد الاعتداءات هذه الأيام هناك على رجال الأمن الباكستانيين. كما تشير التقارير الداخلية للحكومة فيما يبدو أن السلوك الطالباني أصبح موجودا هناك، مما يعد تهديدا للاستقرار السياسي.
والحكومة الإسلاموية في الإقليم الشمالي الغربي الحدودي تتنصل في هذه الأثناء صراحة من "الجهاديين". ولكن أمكانية السيطرة على "الجهاديين" في المناطق البشتونية في باكستان لا تزال استراتيجية بعيدة المنال.
إن المطلوب الآن هو في المقام الأول منهج سياسي واضح من الحكومة الباكستانية. فلا ينبغي لها أن تجعل من التعامل مع "الجهاديين" لعبة تكتيكية في الصراع على الحكم ضد المعارضة المدنية. لقد مرت باكستان بما فيه الكفاية من التجارب السيئة في الثلاثين سنة الماضية، بدءا من الديكتاتور العسكري ضياء الحق، حيث ساعدت الديكتاتورية العسكرية على نمو الجماعات الاسلاموية الصغيرة لتحقق مكاسب سياسية.
هذا اللعب بالنار لا بد وأن يتنهي إلى الأبد. لكن للأسف هناك شك له أساس من الصحة في الاستعداد الفعلي لذلك من قِبل الحكومة الحالية والجيش وعلى وجه الخصوص المخابرات.
هناك أوساط كبيرة من المعارضة والشعب الباكستاني ترى أن الحكومة افتعلت مشكلة المسجد الأحمر أو على الأقل أطالتها حتى تصرف الإنتباه عن الاحتجاجات ضد عزل مشرّف لرئيس المحكمة العليا القاضي إفتخار تشودري. وطالما ظل هذا الرأي سائدا فلن يكون هناك في باكستان حلف عريض للقوى المضادة للمتطرفين.
وفي إقليم وزيرستان يستمر اللعب بالنار أيضا، فالحكومة وقعت معاهدات مع ما يسمى بـ"طالبان المحلية" لطرد "الجهاديين" الأجانب. وفي هذا تتحمل الحكومة عن قصد زيادة بأس مجموعة متطرفة كي تحارب ضد مجموعات أخرى. لكن لا هذه الصفقة المريبة ولا العمليات العسكرية المكثفة ضد المتطرفين سوف تساعد على تهدئة الوضع في المناطق القبائلية. وعوضا عن ذلك فإن هذه المناطق تحتاج إلى مشاركة سياسية وتطور اقتصادي.
وبعد فهناك أيضا وجهة نظر سياسية عالمية، وهي أن رجال السياسة من جميع التيارات في باكستان يميلون إلى المبالغة في الأحكام المسبقة ضد الإسلام في الغرب واستخدام ذلك لتعبئة السياسة الداخلية. والجدل الذي بدأ من جديد مرة أخرى حول منح سلمان رشدي لقب "فارس" يوضح ضئالة الحد الفاصل بين اسغلال الأحكام المسبقة ضد الإسلام في الغرب وتبرير الإرهاب ذو الدوافع الدينية بصورة علنية.
كما أن خُطب وزير الشؤون الدينية الباكستاني الرنانة المعادية للإنكليز على سبيل المثال فُهمت من قِبل ممثلي المسجد الأحمر على أنها تشجيع للعمليات الإنتحارية. وهذه لعبة خطرة أيضا. إن باكستان لا يزال أمامها مشوار طويل في الحرب ضد التطرف المسلح. ولكن يبدو في هذه الأيام أنها هناك تقدما على هذا الطريق.
بقلم توماس بيرتلاين
حقوق طبع النسخة العربية قنطرة 2007
قنطرة
التكتيك الشيطاني في تسخير الدين لأغراض سياسية
شهدت طهران وإسلام آباد مظاهرات حاشدة، إحتجاجا على قيام ملكة بريطانيا بمنح الكاتب سلمان رشدي لقب "فارس". ولكن هل تعبر هذه المظاهرات حقا عن سخط شعبي فعلي أم أنها مدبرة من أجل التغطية على المشاكل الداخلية والخارجية لتلك البلاد؟ تعليق بيتر فيليب.
لعبة مُشَرّف الأخيرة؟
الجنرال برفيز مُشرّف، حاكم باكستان لثمان سَنَواتِ تقريباً، ورئيس الجيشِ لمدّة عقد، إكتشفَ حدودَ سلطاتِه عندما حاولَ فَصْل رئيسِ محكمة المحكمة العليا في آذارِ/مارس الماضي. تقرير بقلم الصحفي الباكستاني عرفان حسين