التغيير من الداخل
أثارت أحداث السابع من يوليو/تموز العديد من المشاكل للمسلمين، بعضها يتعلق بعوالم اجتماعية ودينية ـ عرقية والبعض الآخربعلاقتهم مع المجتمع البريطاني. هذه المشاكل لا تتعلق فقط بمسلمي جنوب آسيا من الشبان الذين ما انفكوا يشعرون بأنهم منبوذون ومبعدون ومهمشون، وانما أيضاً بمسألة مركزية ذات أربعة مظاهر: القيادة.
ضعف القيادة
أولا: ثمة نقص واضح في وجود قيادة مثقفة بين مسلمي بريطانيا قبل كل شيء. صحيح أن هناك نمطا متطورا نوعا ما من التتفكيرالفلسفي والآيديولوجي وذلك القائم على التجريب ولكن كل واحد من هذه الأنماط في واد وليس ثمة سوى صلة واهنة فيما بينها. التجريبي يفتقر الى الثقافي والفلسفي يفتقر الى التجربة الحية.الآيديولوجي أصبح إما تقدمياً جداً أو رجعياً تماما عاجزا عن امتلاك القدرة على جعل التفكير النقدي الدقيق قاعدة لتغيير حقيقي في العلاقات الاجتماعية.
هناك حاجة لعدد أكبر من المتعلمين الذين يمتلكون الرغبة في دراسة الاسلام البريطاني في هذا البلد وعلى هؤلاء ان ينبثقوا من خلفيات عرقية وثقافية مختلفة. الشروط لذلك متوفرة: إن نظام التعليم العالي البريطاني الآن في مرحلة تحول اذ دخل الجيل القديم مرحلة التقاعد وهناك فرصة حقيقية للشباب المثقف للظهور.
ثانياً: هناك مشكلة حقيقية في العلاقة مع القيادة السياسية.
يعاني المسلمون في المدن والضواحي ذات الغالبية الباكستانية وسط بريطانيا (مثل برمنغهام ولايكستر) وشمالها (مثل برادفورد وبلاكبرن) دائماً من مشكلة واحدة: قيادة ترتكز على العشيرة وعلاقة القربى.
انه نظام تم استغلاله من قبل أبرز الأحزاب السياسية. مما أدى بالتأكيد الى تمثيلات في جمعيات محلية ووطنية – ولكنه شكل كارثة للجاليات المسلمة من جنوب آسيا التي غالباً ما يتم تمثيلها بهذه الطريقة. وهذا ما تؤكده فضيحة التصويت عن طريق البريد التي تم كشفها عام 2005.
هناك القليل من المسلمات اللواتي لديهن الشجاعة لترشيح أنفسهن للانتخابات (احداهن سلمى يعقوب المرشحة عن الجناح اليساري لحزب الاحترام).
هذا الوضع يجب أن يتغير: المرأة تمثل نصف الأمة على الأقل. كان هذا فشلاً مخزياً في التمثيل والمشاركة على حد سواء. هناك حاجة لتحول سياسي شامل. مشاركة المرأة والتخلص من "نظام الأخوة" وتوسيع الأجندة السياسية أمور لا بد منها.
هوية إسلامية بريطانية
ثالثاً: هناك فراغ ديني حقيقي في بريطانيا
إن الشعور بهوية اسلامية بريطانية موحدة ضعيف نوعاً ما. فالانقسامات الطائفية مزمنة وقد تؤدي الى شلل حقيقي في القدرة على التعامل ضمن الجالية المسلمة، ناهيك عن المجتمع ككل. المجال للنقد الداخلي، إن وُجد أصلاً، ضيق نوعاً ما. نحن بحاجة لنكون صادقين مع أنفسنا في التعامل مع اخفاقاتنا دون البحث عن الذنب في مكان آخر.
المسؤولية تقع على عاتق رجال الدين في التأكيد على أن ما يفعلونه ويقولونه يعكس رغبات الأغلبية. وللقيام بذلك عليهم فهم أدوارهم ومسؤولياتهم تجاه الشبيبة البريطانية المسلمة واستيعاب تصوراتها بطريقة أفضل وتوجيهها نحو اسلام يشمل كل الجوانب كمواطنين بريطانيين دون اعتبار ذلك حلا وسطا لما يمثلونه كمسلمين. ان تدريب الأئمة وتنظيمهم على السواء أمر مهم في هذا الصدد.
في يومنا هذا حيث يتلقى المسلمون تعليماً عالياً وينخرطون في مجتمعات اسلامية فان آفاقهم تظل رغم ذلك ضيقة نوعاً ما: مع أن المفروض ان يكون العكس صحيحاً. يبدو ان مسؤولية التأثير على عقول الشباب بطريقة وفيرة متروكة لأشخاص مثل طارق رمضان والشيخ حمزة يوسف، وهما مثقفان بارزان، لكنهما ليسا من داخل هذا المجتمع مباشرة (رمضان سويسري ويوسف اميركي) وهما لا يملكان الدعم المؤسسي لاسماعصوتيهما بالقوة التي يستحقانها.
رابعاً: هناك هوة ثقافية اسلامية في مجتمعاتنا. فإلى فترة قصيرة كانت هناك محاولات يائسة لسدها تميل للتركيز على العرقية وهي منعزلة نسبياً عن بعضها البعض وبعيدة عن الشبان المسلمين.
ربما سيساعد احتفال الثقافات الاسلامية في 2006 على تحسين الأمور والقاء الضوء على التاريخ الطويل والمؤثر للفن الاسلامي والموسيقى الاسلامية في سلسلة من الاحتفالات في أماكن مختلفة.
ولكن يجب أن تُبذل جهود أكبر لاثبات انه يمكن نقل تقاليد الماضي الى أجيال المستقبل وان الشباب البريطاني المسلم قادر على الانصهار في عادات وتصرفات مختلفة ذات مفهوم بريطاني دائم التطور. هذا سيفجر طاقات كامنة لمصلحة الأغلبية.
كان هناك تحول ثقافي جذري في السنوات الأخيرة، من التركيز على العرق الى التركيز على الدين. هذا ليس مطلقاً بأية حال. وتؤكد قضية المراهق الأسود أنتوني والكر الذي ذُبح بوحشية في يوليو/تموز 2005 على أيدي شبان بيض بسبب لون بشرته لا غير على أن العرق كواقع اجتماعي على جانب كبير من الأهمية.
اضافة الى ذلك تؤكد حالات الوفاة في السجن والمشاكل العامة التي يواجهها الافارقة الكاريبيين في النظام القضائي الجنائي ان عدم التساوي العرقي والتفرقة العنصرية ما زال قائما في بريطانيا.
مشكلة الإندماج
غير أن هناك ادراكا ملموسا لحقيقة ان العلاقات العرقية هي من المشاكل الأساسية في بريطانيا. ويبدو مجدداً ان الدين الاسلامي ومعه خبرات المسلمين يشكل القضية الأهم ضمن عدة قضايا – الجريمة والتعليم والصحة والسكن والبطالة وتوظيف الخريجين والتوترات المحلية المتعلقة بتلطيخ وتشويه السمعة في وسائل الاعلام والارهاب الدولي والوطني والعنف والتطرف والتعددية الثقافية بالذات.
هذه نزعة شاملة تطورت بدون شك منذ قضية سلمان رشدي في 1989 وتقوت من خلال أحداث الحادي عشر من سبتمبر وتم تأكيدها بأكثر الطرق درامية ومباشرة من خلال أحداث السابع من تموز/يوليو 2005.
تهتم السياسة الاجتماعية بالمسلمين إلى حد كبير، بالرغم من أن اهتمام حزب العمل الجديد في فترته التشريعية الثالثة ينصب بشكل متزايد على أمور داخلية أخرى مثل التعليم والصحة والطاقة ورواتب التقاعد وأوروبا. المفهوم المتداول حالياً هو أننا متأخرون نسبياً كأقلية مسلمة. هذه ليست رسالة مبطنة بل تظهر جلياً من خلال أحداث السابع من تموز/يوليو.
تتقاطع هذه الأمور المتعلقة بالقيادة مع بعضها البعض ولكنها جميعاً تستحق الاهتمام كجزء من تطور اندماجي لإسلام بريطاني.
بينما تستمر الدولة باتخاذ تدابير مؤسسية ضد العنصرية (إثنية وعرقية ودينية) وتشدد رقابتها وتعمل على حل مشاكل استثناء المسلمين الاقتصادي والاجتماعي، علينا نحن المسلمين أن نعي مسؤولياتنا ونتحملها.
انه طريق طويل لمعرفة نماذج المساواة والتنوع والوحدة التي على الدولة الاتيان بها – وهذا واجبها. ولكن علينا نحن ان ننظر داخلنا بشكل جدي ونتغير من الداخل.
بقلم طاهر عباس
ترجمة منال عبد الحفيظ شريده
صدر المقال في موقع أوبن ديموغراسي
حقوق طبع النسخة العربية قنطرة 2006
طاهر عباس مدير مركز الدراسات الإثنية والثقافية في جامعة برمنغهام.
قنطرة
الشباب المسلم في بريطانيا
من الملاحظ أن أبناء الجيل الثاني والثالث من المهاجرين إلى إنكلترا وغرب أوروبا يزداد انتماؤهم إلى الاسلام السياسي والأصولي المتطرف. تحليل طاهر عباس، رئيس مركز الدراسات الإثنية والثقافية في جامعة برمنغهام
www