شبح الإسلام والتعدد الثقافي والدولة
كان محتما أن يكون هناك رد فعل شديد، إذ غالبا ما تعرض النقد الموجه من قبل المسلمين الى قضايا تتعلق بمثل هذه الأمور الى الإغفال. نشرستة نواب مسلمين وثمان وعشرون مؤسسة قيادية رسالة مفتوحة موجهة الى رئيس الوزراء بعد يومين من "المؤامرة المحبطة" في العاشر من آب/اغسطس 2006، تكلموا فيها عن دور السياسة الخارجية في تشجيع الأعمال الانتحارية المسلحة. الا أن ما وجدوه عند حكومة بلير والخط العام للإعلام هو التجاهل والأبواب الموصدة، مثلما جرى تجاهل نقدهم.
لماذا الباكستانيون بالذات؟
ثمة سؤال خاص بالنسبة للعاشر من آب/أغسطس والأحداث التي سبقتها: لماذا الباكستانيون بالذات؟ ولماذا لا تتورط الجاليات القادمة من جنوب آسيا والتي استقرت في هذا البلد في نفس الوقت الذي جاء فيه الباكستانييون في أعمال ارهابية كهذه؟
الجواب لا علاقة له تماما بالانتماء العرقي بقدر تعلقه بعوامل مثل الطبقة الاجتماعية ودرجة إندماح الجالية. من الواضح ان معظم المسلمين الشباب المتورطين او المشكوك في تورطهم في هجمات إرهابية ينحدرون من بيئة فقيرة وبعضهم غير ملتزم دينياً. ولكن عددا منهم ليس كذلك.
وعلى أية حال فان القاسم المشترك بينهم هو محدودية الفرص المتاحة لهم لمشاركة الآخرين في مجالات معينة وعدم قدرتهم على الشعور بالانتماء ونقص الوعي الثقافي لديهم. إضافة الى عدم تقديرهم لموقف بريطانيا وعلاقتها ببقية أوروبا الغربية وعدم الثقة بالمشاركة في التيار السياسي مثلاً.
كما تكمن المفاهيم عن الثروة الثقافية والاجتماعية وراء اقتراحات اندماج الجالية في المجتمع، ولكن الشعور بالغربة وعدم الرضا والتقيد والعزلة عوامل يتقاسمها فقراء وأغنياء المسلمين على حد سواء وهي عوامل كافية لتقود كلا من المجموعتين الى التطرف رغم ان المجموعة الأخيرة أقل عرضة لذلك.
دور الدولة الفاشل
في واقع الأمر أن الدولة ـ الأمة خذلت المسلمين على مستويات عدة. فمثلاُ في السنة الماضية عندما عينت وزارة الداخلية مجموعات عمل لمعرفة وصاياهم واقتراحاتهم لمعالجة مشكلة التطرف، لم يتم العمل الا بعدد قليل منها، معظم فوائدها محدودة وبعيدة المدى.
حقيقةً فشلت الدولة كلياً في تطبيق معظم توصيات مجموعات العمل، فهي لا تعير أي اهتمام لتأثير السياسة الخارجية دولياً على ادراك المجموعات الغاضبة، ان لم تكن تنكرها أصلاً.
أما داخلياً فنلاحظ أن ثمة تحولا باتجاه نهج سياسة يمينية جديدة وتأييدا واضحا لأجندة المحافظين الجدد. محلياً هناك استثمارات داخلية محدودة، ان لم تكن معدومة، في المناطق التي يسكنها المسلمون المنحدرون من جنوب آسيا.
وما زال التعليم الركيك والبطالة المرتفعة يؤثران سلبياً بصورة قوية على فرص العيش. هذه الظروف اضافة الى الاصول الريفية للبعض من الجيل الأول الذين يعيشون في جالية منظمة وثقافة سياسية تعتمد على العشيرة وصلة القربى تخنق اية فرصة أمام الأجيال التالية للخروج من هذا الاطار.
ضعف القيادة الإسلامية
القيادة المسلمة المحلية ضعيفة بقدراتها ورؤيتها للمستقبل. في الواقع أن الخلافات بين الأجيال ما زالت قائمة، لا سيما فيما يتعلق بالسيطرة الأبوية.
كما تتحمل المساجد والأئمة الجزء الأكبر من مسؤولية ظلم جالياتهم، ليس فقط في طريقة تعليم الشباب ليصبحوا متطرفين، وانما أيضا بالابتعاد عن التنوير الديني المباشر للمسلمين الذين صاروا يشكلون حلقات دراسية خاصة بهم مستمدين معلوماتهم من الانترنت عن طريق لغة التواصل المألوفة لديهم، ألا وهي اللغة الانكليزية. ومن هنا فانهم صاروا عرضة للتأثيرات السلبية الخارجية خصوصاً ان كل شيء حولهم في الداخل يحيطه الفشل.
من الجلي تماماً في المناخ الحالي اننا بحاجة الى ان نعود الى مفهوم "المجتمع البريطاني المسلم" وليس "المجتمع المسلم". العديد من مسلمي جنوب آسيا وقعوا في براثن التخلف وابتعدوا عن كونهم مجموعة متنامية من اصحاب الدخل المرتفع والمندمجين جيداً في المجتمع وانتمائهم للطبقة الذكية للمسلمين المحترفين.
من الواضح أيضاً انه تم تهميش الجدل حول الاندماج والتعدد الثقافي من خلال التركيز على الاقليات الدينية وعلى ما يسمى بطرقهم الغريبة. اضافة الى ذلك فان ما نشهده هو تحويل مناقشة التعددية الثقافية على المستوى الرسمي من نقاش يركز على المساواة والتنوع الى نقاش يركز على الثقافة والقيم. ولكن اذا ما ازلنا القشرة الخارجية فسيصبح جلياً ان هذا الشعور يعود الى المسلمين. الى متى سنتحمل هذه الظاهرة، لا أحد يعلم!
بقلم الدكتور طاهر عباس
ترجمة منال عبد الحفيظ شريده
حقوق الطبع قنطرة 2006
الدكتور طاهر عباس محاضر في مادة علم الاجتماع في قسم الدراسات الاجتماعية ومدير المركز الجامعي لدراسات الأعراق والثقافات في جامعة برمنغهام، المملكة المتحدة
قنطرة
ما يقوله المسلمون البريطانيون قد يشكل صدمة- ولكن بعضه لا يخلو من الصحة
يدعو الكاتب البريطاني تيموثي غارتون أش إلى احترام تساؤلات المسلمين البريطانيين الشباب عن المجتمع البريطاني العلماني والبعيد عن الممارسات الدينية وعدم الوقوع في فخ الأحكام المسبقة
جيل ضائع بين التطرف وثقافة الآخر
من الملاحظ أن أبناء الجيل الثاني والثالث من المهاجرين إلى إنكلترا وغرب أوروبا يزداد انتماؤهم إلى الاسلام السياسي والأصولي المتطرف. تحليل طاهر عباس، رئيس مركز الدراسات الإثنية والثقافية في جامعة برمنغهام