ما مستقبل الليبراليين؟

يرى الصحفي المصري إسندر العمراني أن هناك أدلة على وجود تأييد لليبرالية في مصر ولكن السؤال هو ما إذا كان بإمكان الأحزاب الليبرالية الحصول على تأييد المصريين وتشكيل قاعدة انتخابية.

انتخابات عام 2005 أعادت ترتيب صفوف المشهد السياسي المصري لتحوله من ناحية فعلية إلى نظام الثنائية الحزبية: الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم وجماعة الإخوان المسلمين التي تشهد بروزا. وعلى الرغم من أن لديهم أملا ضئيلا في إسقاط مشاريع القوانين، فإن الإخوان المسلمين في مجلس الشعب (88 من أصل 454 مقعدا) يحسنون استخدام حضورهم البرلماني للترويج لأفكارهم، وإحراج الوزراء، وتسجيل نقاط عموما في صفوف ناخبيهم وعامة الناس.

وتُرِك اليساريون والليبراليون وقد تقطعت بهم السبل جراء نتيجتهم الانتخابية المزرية (16 مقعدا كعدد إجمالي). وفي حين أن جماعات المجتمع المدني ما تزال نشطة، فإن الأحزاب السياسية الليبرالية غارقة في أزمة عميقة.

فكفاية تستمر في كونها حركة اعتراض عوضا عن كونها حزبا، وتبقى على قيد الحياة إلى حد كبير على شكل حركات منشقة تستند إلى قضايا معينة (طلاب من أجل التغيير، أساتذة جامعيون من أجل التغيير، إلخ).

ولكنها لم تؤسس بعد رؤية استراتيجية واضحة ولديها قلة من السياسيين ذوي الخبرة، بحيث إنها تجتذب معظم ناشطيها من جماعات يسارية وجماعات المجتمع المدني. وفي حين أن احتجاجاتها الأسبوعية المتواصلة تحافظ على تماسك قاعدة الحركة، فإنها قد أصبحت قبعة قديمة الآن حيث أن جِدة انتقاد الرئيس مبارك بشكل مباشر قد ذوت.

وفي أماكن أخرى في المجتمع المدني، تحمل النقابات المهنية راية الإصلاح. فنادي القضاة الذي يتمتع بالنفوذ يواصل الضغط في إتجاه استقلال أكبر للقضاء. وعندما فتح المدعي العام في فبراير تحقيقا في شأن أربعة قضاة منشقين بارزين، كان نادي القضاة قادرا على أن يثير ضجة عامة أدت إلى تراجع المدعي العام، بشكل مؤقت على الأقل، وإحالة القضية إلى وزارة العدل.

ونقابة الصحفيين تضغط أيضا على مبارك للالتزام بوعد يبلغ من العمر عامين لإنهاء مدد السجن في قضايا القذف. ولكن جماعات المجتمع المدني تتمتع بتأثير محدود طالما أنه ليست هنالك أحزاب سياسية تشاطرها الفكر ممثلة بشكل كبير في السياسة الوطنية.

فحزب الغد يمر بظروف صعبة، بحيث إنه قد اختفى فعليا من الحياة السياسية بعد الحكم على زعيمه أيمن نور بخمس سنوات في السجن في ديسمبر من عام 2005. وانقسم الحزب إلى قسمين، بجناح متمرد متخليا عن نور ومخففا من خطابه المناهض للنظام.

وعلى الرغم من أن هناك حملة قائمة في مصر والعواصم الغربية تطالب بإطلاق سراح نور، فإنه من غير المرجح أن يكون مصير السياسي الشاب أفضل حالا من مصير الناشط من أجل الديمقراطية سعد الدين إبراهيم، والذي استغرقت محنته القضائية ثلاث سنوات وتركته في وضع صحي مترد. في غضون ذلك، لو عاد نور إلى الظهور مجددا فإنه سيكون قد خسر وقتا ثمينا من أجل بناء الحزب وجمهور الناخبين.

وبناء جمهور الناخبين مسألة هامة بالنسبة للأحزاب الليبرالية، والتي ما تزال نخبوية وغير قادرة على تعبئة أتباع مخلصين على غرار ما فعلته جماعة الإخوان. ومعظم الأحزاب لم تتطرق إلى الموضوع حتى لأنها تعصف بها أزمات قيادية، وذلك جزئيا بسبب أدائها الانتخابي الكارثي وجزئيا بسبب التغيير الجيلي العام الذي يجري في السياسة المصرية.

فالحزب الناصري وحزب التجمع اليساريان عالقان في صراعات على الخلافة وقد شهدا جمهور ناخبيهما وهو يُسحَب بعيدا عنهما من قبل كفاية والكيانات المنشقة عنها. والوفد، الحزب الليبرالي التاريخي في مصر، قد مر بصراع من أجل إزاحة الرئيس المتسلط نعمان جمعة.

ورد الفعل العنيف ضد جمعة كان آتيا منذ أمد بعيد وهو يكتسي أهمية ليس بسبب الأهمية التاريخية للوفد فحسب (فهو قد سيطر على الحياة البرلمانية قبل انقلاب الضباط الأحرار في عام 1952)، ولكن لأن هذه ستكون أيضا هي المرة الأولى التي يُزاح فيها أي زعيم حزبي بسبب الضعف في الأداء.

وأردت انتخابات عام 2005 كضحايا أيضا ثلاثة من النواب الناشطين والمحترمين والمتكلمين بصراحة من أكثر ما يكون في المعارضة الشرعية: نور من الغد، ومنير فخري عبد النور من الوفد (وكلاهما في دوائر في القاهرة) والبدري الفرغلي من التجمع (في بور سعيد). وبالفعل، فإنه لم يتبقَ سوى قلة من السياسيين الكاريزميين في مجلس الشعب الذين لا يمثلون لا الحزب الوطني الديمقراطي ولا الإخوان المسلمين.

وتواجه الأحزاب الليبرالية صعوبة إضافية في بناء الدعم الشعبي: فهي تتنافس من أجل صبغة ليبرالية-إصلاحية ضد الحزب الحاكم نفسه. فمنذ عام 2000 خضع الحزب الوطني الديمقراطي لعملية إصلاح داخلية على أيدي جمال مبارك، نجل الرئيس. وفرض مبارك الأصغر ومؤيدوه تدريجيا سيادتهم داخل الحزب، بحيث إنهم صرفوا من الخدمة عناصر عاملة منذ أمد طويل في الجهاز الحزبي، ومن الوزارة حيث جيء بالوزراء التكنوقراط من القطاع الخاص.

وفي حين أن العديد من المصريين يشعرون بأن جمال مبارك وأعوانه لم يثبتوا بعد مؤهلاتهم الإصلاحية السياسية، فإنهم يجدون في مناهجهم الودية حيال الأعمال تغييرا هو موضع ترحيب ولا يرون أي بديل قابل للنمو.

وثمة أدلة على وجود تأييد لليبرالية في مصر. فالبرامج التلفزيونية الحوارية والصحف ذات العقلية الليبرالية، على سبيل المثال، قد ازدهرت في السنوات الأخيرة. ولكن في حين أن النخبة الليبرالية مستغرقة على نحو متزايد بالجدل السياسي، فإن نسبة مشاركة المقترعين في صفوف المصريين المدنيين المتعلمين متدنية للغاية.

وما يزال من غير الواضح ما إذا كان بإمكان الأحزاب الليبرالية، إذا ما توفرت لها المهارات والموارد الضرورية، أن تعبئ بعضا من الـ80 في المائة من المصريين المؤهلين للاقتراع الذين لم يدلوا بأصواتهم في عام 2005؛ فتعبئة حتى كِسْر منهم يمكنها أن تشكل فرقا انتخابيا هاما. ولكن طالما بقيت الأرضية السياسية لليبرالية موضع نزاع ساخن، فإن الإخوان سيستمرون في تمثيل البديل الواضح الوحيد للوضع القائم.

بقلم إسندر العمراني
This commentary is reprinted with permission from the Arab Reform Bulletin, Volume 4, issue #3 (April 2006) (www.carnegieendowment.org/ArabReform) (c) 2006, Carnegie Endowment for International Peace.

إسندر العمراني هو صحفي مستقل يعيش في القاهرة

قنطرة

أي مستقبل للعلمانيين العرب إذن؟
يدعو عمرو حمزاوي ممثلي الاتجاهات اليسارية والليبرالية إلى مخاطبة القواعد الشعبية، ويرى أن تجربة حركة كفاية وغيرها من الحركات الاحتجاجية الجديدة تشير إلى إمكانية العلمانيين في اكتساب قدر من التأييد الشعبي من خلال الخروج إلى الشارع.