كسر حاجز الصمت
لا أحد منهم يفكِّر أن يظل صامتًا. لا الطلاب جورج وسهير و حسان ولا الخبيرة الزراعية عايدة أو المحامية المدافعة عن حقوق الإنسان فاطمة. على الرغم من أنَّ ذلك قد يعرِّضهم لخطر كبير. فهكذا تمّ قبل عدَّة أعوام منع الأخيرة من السفر بالإضافة إلى أنَّ المخابرات اقتادتها أكثر من مرَّة من أمام باب بيتها.
إجراءات قمعية
لكنَّ ما حلَّ بجورج كان أسوأ بكثير: فقد عوقب بالسجن طيلة أشهر بسبب اتِّهامه بالتحريض على أعمال شغب مدنية. وبعدما أُفرج عنه تمّ منعه من السفر الى خارج البلاد وعليه فقد حُرم من متابعة دراسته في الخارج. كذلك لا تزال أبواب الجامعات السورية مغلقة في وجهه. وهكذا تضاءلت آفاق المستقبل الخاصة بهذا الشاب البالغ من العمر 21 عامًا إلى حدّ الانعدام، فهذه الإجراءات القمعية تهدف طبعًا إلى ذلك مثلما تهدف ضمنيًا إلى تخويف الشبان الذين يحتمل أن يحذوا حذوه.
تبدو هذه الإجراءات القمعية فادحة أكثر مما ينبغي نظرًا للنشاطات التي يقوم بها هؤلاء الشباب: فهم يقومون بتوثيق الاعتقالات ومسارات القضايا ويتناقشون حول حقوق الإنسان ضمن مجموعات ونوادٍ للقرَّاء أو يتباحثون في شؤون حقوق المرأة.
مخبرون في الجامعات
تعتبر النقاشات مثلاً حول العقاب المناسب لجرائم الشرف مبدئيًا من الأخلاق والآداب الحسنة في سوريا، لا سيما وأنَّ زوجة الرئيس السيِّدة أسماء الأسد ترفع صوتها أيضًا - ولكن فقط من أجل الشكليَّات المصطنعة بصورة جيِّدة، والتي يُعاد بعد الفراغ منها وضع غطاء زجاجي بعناية فوق كلَّ ما يحتاج للإصلاح.
تقول عايدة: "لا شيء يخيفهم أكثر مما يجري في الجامعات"، ويستطرد حسان قائلاً: "ينتشر المخبرون في الصباح الباكر في مقهى الجامعة". ولكن ليس هناك فقط. تظهر قضية المدرِّس غسان إسماعيل في مدينة طرطوس مدى حضور وانتشار التجسس بين المواطنين لصالح الدولة.
فقد قام أحد طلاَّبه بالإبلاغ عنه بعد أن خاض نقاشًا سياسيًا مع طلاَّبه، مما أدَّى إلى إلقاء القبض عليه. يرد في النشرة الإخبارية الدورية الخاصة بحسان ذكر مثل هذه الأحوال السيِّئة. نشرة حسان تكشف مثل هذه الإنتهاكات.
معسكرات إجبارية
لقد كفّ هؤلاء الشباب منذ فترة طويلة عن الحلم بالتغيير. أمَّا فاطمة فهي الوحيدة التي تبدو مصرَّة على تفاؤلها: "في عهد الرئيس حافظ الأسد اختفى مواطنون لا يمكن إحصاؤهم طيلة سنين في السجون، أمَّا في عهد بشار فقد اختلفت الأمور". لكن من يستمع الى حسان يحصل على انطباع مختلف:
يقول حسان إنَّه من الممكن حرمان الطالب من الدراسة في الجامعة بسبب مشاركته في عرض مسرحية. لا يحتاج هذا العرض قط - حسب تعبيره - إلى أن يكون معارضًا للنظام، فمجرَّد خلق المبادرات يكفي ليجعل المخابرات تتحرك ميدانيًا.
تعتبر الأسئلة التي تُطرح حول المواد التعليمية غير مرغوبة - على حد قول حسان، في حين يجب على الطلاَّب أن يحفظوا هذه المواد عن ظهر قلب. يتابع حسان قائلاً إنَّهم ينتظرون حتَّى من التلاميذ القاصرين أن يكونوا أعضاءً في حزب البعث، أمَّا الذين يبقون يعانون من نقص في الانضباط والتدريبات الأساسية فإنَّ الإهانات تترصَّدهم في الخدمة العسكرية الإجبارية.
يذوق الطلاَّب مثل هذه الإهانات في الأسابيع التي يقضونها في معسكرات تمهيدية، يجرِّبون فيها طعم السياط والماء البارد على جلودهم. يجمع الكلّ على اعتقاد مفاده أنَّ "الإصلاحات" دون ضغوط خارجية لن تتجاوز الطراز الذي تصدر به منذ فترة قصيرة جريدة " الوطن" التي يتمّ تقديمها على أنَّها "الصحيفة المستقلة الأولى" في البلاد.
تقول فاطمة غاضبة على هذا القدر الكبير من التهكُّم والاستهزاء: "بغضّ النظر عن أنَّ هذه الصحيفة هي ملك لرجل الأعمال الأكبر في سوريا وابن خال بشار الأسد، رامي مخلوف، فهم يلوِّحون الآن أكثر من ذلك بأنَّه لا يوجد شيء مستقل على الإطلاق".
شبان يختفون في السجون
لا يوجد لدى هؤلاء الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين العشرين والثلاثين عامًا برنامج سياسي، على خلاف "كوكبة القدامى من أصحاب الآراء المخالفة" - على الأقل في أيّامهم الأولى. وعلى الرغم من ذلك فهم أكثر عرضة للخطر من كبار المعارضين المعترف بهم، وذلك ليس فقط لأنَّ النظام يسعى إلى المحافظة على "مستقبله" في محيطه.
يقول جورج موضحًا: "ليس هناك ما هو أسهل من إخفاء الشباب في السجون". ويتابع قائلاً: في حين تتابع منظَّمة العفو الدولية وحتَّى منظَّمة مراسلين بلا حدود قضية الكاتب ميشيل كيلو المعتقل منذ شهر أيَّار/مايو، فإنَّ عمليات الاعتقال المتتالية لثمانية شبَّان والتي جرت في الفترة ما بين شهر كانون الثاني/يناير وآذار/مارس في عام 2006 جرت من دون أن يشعر بها أحد.
لقد أُعلن قبل فترة قصيرة عن هوية هؤلاء الشبَّان الثمانية وعن خلفيات اعتقالهم ولكن ذلك تم بكثير من التحفظ: إذ ذُكر أنَّهم قاموا بنشاطات "غير مرخَّصة" من قبل الحكومة. في حين ذكر المعتقلون أنَّهم أجبروا على التوقيع على اعترافات تحت التعذيب.
وصاية مفروضة من كلَّ الأطراف
لم يكتب النجاح لوساطة وتدخُّل مجموعات المعارضة القديمة لا في هذه القضية ولا في قضايا أخرى. وهذا ليس السبب الوحيد الذي يجعل الشباب يحتجّون على المعارضة القديمة: فهذه المعارضة تطالب بطاعة عمياء حالها حال النظام.
يشير جورج نافيًا: "إنَّ رؤساء الأحزاب المعنية جالسون منذ عشرة أعوام في مناصبهم". تقول عايدة: "ثمَّة نصوص معيَّنة تعتبر من المحرَّمات التي لا يمكن المس بها مثل البقر المقدَّس، أكانت ماركسية أم تابعة لحركة الوحدة العربية"؛ بينما تنتفض سهير غاضبة: "أنا لست من دعاة الوحدة العربية، إنَّني فتاة سورية. منذ خمسين عامًا يتمّ تلقيننا بأنَّنا يجب أن نكون مستعدِّين لاندلاع الحرب مع إسرائيل، لكن ما هو الشيء العظيم الذي أسفر عن ذلك؟"
أفكار لا يستطيعون مناقشتها مع الكبار. يقول حسان ضاحكًا ملء شدقيه: "إنَّهم لا يسمحون لنا حتَّى بإرسال تقارير أو بيانات وإفادات تحمل أسماءنا إلى وسائل الإعلام، وذلك بسبب غرورهم وتعجرفهم الواضحين".
صحافة تحت سلطة المخابرات
بدلاً عن العدالة الديموقراطية المزعومة على الورق يتم تلقين الشباب قبل كلِّ شيء بشكل يجعلهم يخوضون نضالاً فرديًِا، حسب تعبير حسان. وعلى حدِّ قوله فإنَّ خطاب وسائل الإعلام المباشر لا يؤدِّي أيضًا إلى هدفه:
"إنَّ صحفيي سوريا يكتبون ما يمليه عليهم جهاز المخابرات، حتَّى وإن كانوا يعملون لوسائل إعلام أجنبية. إذا ما أرادوا حقًا الكتابة عن المعارضين الشباب في سوريا فعندئذ تجدهم يبرزون عن عمد أولئك الذين يعجزون عن التأكيد على ما يهمهم".
بقلم يان مارون
حقوق الطبع قنطرة 2007
قنطرة
مقابلة مع سهير الأتاسي، رئيسة منتدى جمال الأتاسي للحوار الديموقراطي
في حوار مع موقع قنطرة تتحدث سهير الأتاسي عن موقف منتدى جمال الأتاسي من إعلان دمشق، الذي تتخذه السلطة السورية ذريعة لزج ناشطي حقوق الإنسان في السجن، كما تتناول في الحوار المشاكل التي تواجهها المعارضة السورية
في انتظار الإصلاح الشامل
تشهد سوريا بعض الإصلاحات الإقتصادية المحدودة. ولكن هذه الإصلاحات الهادفة الى ايقاف الإنهيار تسير بخطى بطيئة ولا تمس سوى رواسب متآكلة خلّفها النظام الاشتراكي الذي تخضع البلاد له منذ 40 عاما.