فيلم ألماني يصور معاناة الشباب المهاجر في حي نوي كولن البرليني

يصور الفيلم الوثائقي الجديد " نوي كولن أنليميتيد" حياة أسرة من أصل لبناني تكافح من أجل البقاء في ألمانيا. الأبناء الثلاثة حسن وليا ومارادونا برعوا في الهيب هوب والبريك دانس وأصبحوا من أشهر نجوم هذا الفن في برلين. سيلكه بارتليك تسلط الضوء على خلفيات هذا الفيلم وأبرز أحداثه.

يحكي المخرجان أغوستينو إيموندي وديتمار راتش في فيلمهما الوثائقي "حي نويكولن البرليني غير محدود" Neukölln Unlimited ​​قصة عائلة لبنانية تعيش في خوف من خطر الإبعاد، الذي يتهددها بشكل مستمر. وفي أحد الأيام دق جرس باب العائلة واقتيد أفرادها إلى المطار، ووضعوا داخل طائرة متوجهة إلى بيروت. وقد صادف ذلك اليوم عيد الميلاد التاسع للابن الأصغر مارادونا. لكن الرعب الذي استبد في قلب الفتى من جراء عملية الترحيل المفاجئة ولًد في نفسه صدمة قوية، تتجلى من جديد بكل قوتها في كل مرة يحل فيها عيد ميلاده، فالعيد يتحول بالنسبة إليه إلى كابوس يعيد إليه ذكرى إبعاد العائلة عن ألمانيا. وتتراءى له صورة بلاد غريبة لا يعرفها، يعبر عنها قائلاً: "يعتريني الخوف من أن أنُقل إلى تلك البلاد عنوة ودون أن أعرف كيف يتم ذلك".

ويعيش مارادونا اليوم في حي نوي كولن البرليني، فبعد عدة أسابيع على الإبعاد عادت العائلة بكاملها بطريقة ما إلى ألمانيا. لكن خطر الإبعاد بقي يلازمها وأصبح جزءاً من حياتها، فهي تكافح طيلة 16 عاماً للحصول على حق البقاء في ألمانيا وضمان أساس للعيش فيها، والشعور بالطمأنينة والأمان. وكما يقول الابن الأكبر حسن: " كل ما نفعله هنا هو من أجل ضمان بقائنا وعدم ترحيلنا ونحن نقوم بذلك بشكل تلقائي". حسن 18 وشقيقته ليا 19 هما الوحيدان بين أفراد العائلة الذين يملكون إقامة دائمة في ألمانيا. وبعد انفصال الوالدين قررا إعالة الأسرة. وتمكنا من ذلك بفضل موهبتهما الكبيرة في الغناء والرقص، ففي مسرح الستريت دانس والهيب هوب تعدت شهرتهما حدود برلين. أما الأخ الأصغر مارادونا فقد أراد اللحاق بركب أخيه وأخته في فن الرقص، وتدرب في السنوات الأخيرة بشكل حثيث متواصل وكاد يضاهي أخاه الكبير حسن.

تعرف عليهم صدفة فأخرج فيلما عن حياتهم

أحد مشاهد الفيلم، الصورة إي أن دي أي فيلم
"حاول المخرج أغوستينو إيموندي أن يزيل في فيلم "نوي كولن أنليميتيد" الأحكام المسبقة التي تقول إن كل الأجانب في ألمانيا لا يتقنون الألمانية وأن كل الشبان الأجانب مجرمون وكل الأجانب ليسوا مندمجين في المجتمع الألماني بالشكل الكافي."

​​وكان المخرج أغوستينو إيموندي قد تعرف قبل عدة سنوات بمحض الصدفة على الإخوة عكوش خلال التحضير لإخراج فيلم حول عنف الشبيبة، ويقول عن تلك الفترة: "كنت كلما زادت معرفتي بالإخوة الثلاثة وبأوضاع أسرتهم تقوى رغبتي في إنتاج فيلم عنهم"، وبالفعل أخرج في النهاية الفيلم الوثائقي "نوي كولن أنليميتيد"، وهو فيلم يمتاز بقوة التعبير والموسيقى التي ترافق مشاهد عديدة منه. ويصور كيف يعيش الأخوة اللبنانيين الثلاثة في حي نوي كولن في مدينة برلين، الذي يعتبرونه وطنهم. هؤلاء الشبان الثلاثة يتحدثون الألمانية بطلاقة، ولم يقترفوا أي جرم، ولا يكنون لألمانيا أي مشاعر كراهية على الرغم من الصعوبات التي تواجههم مع السلطات من أجل الحصول عل حق الإقامة في ألمانيا.

الفيلم كما يقول المخرج أغوستينو إيموندي والمخرج المساعد ديتمار راتش، هو بمثابة نداء إلى الشبيبة التي تعاني من أوضاع مماثلة للتحلي بالمثابرة ومواصلة الكفاح وعدم الاستسلام. وفي الوقت نفسه يوجه الفيلم الانتباه إلى الشبان من غير المهاجرين، ويقدم إليهم "إمكانية رؤية ما يحدث خلف أبواب ديارهم وخلال حياتهم اليومية". ويعبر المخرج عن قناعته بأن التعرف على هذه الأوضاع يساعد على إزالة الأحكام المسبقة بكل سهولة. ويجد الابن الكبير حسن أن الفيلم يبين من خلال تصوير قصتهم "حقيقة الأوضاع التي يعيشها كثير من الشبان المهاجرين".

"لسنا الوحيدين في هذا الوضع الصعب"

والحقيقة التي يقصدها حسن هي أنه وشقيقته ليا وأخيه الأصغر ومارادونا لا يتراجعون أمام الصعوبات بل يسعون جاهدين لتأمين مستقبل لهما في ألمانيا. وفي ظل هذا الكفاح وهذه الصعوبات يعيش الأخوة الثلاثة على إيقاع الموسيقى والرقص بين شتى المؤثرات الثقافية وتمر حياتهم اليومية ضمن حدود حي نوي كولن البرليني الذي تكتنفه الصعوبات الإدارية والأخذ والرد مع الإدارة والسلطات. وقد حاول المخرج أغوستينو إيموندي أن يزيل في فيلم "نوي كولن أنليميتيد" الأحكام المسبقة التي تقول إن كل الأجانب في ألمانيا لا يتقنون الألمانية وأن كل الشبان الأجانب مجرمون وكل الأجانب ليسوا مندمجين في المجتمع الألماني بالشكل الكافي. ويعبر حسن عن اعتقاده بأن هذا الفيلم لابد أن يؤثر بشكل ما وربما "حث الناس على النظر إلى الأمور بشكل أدق وجعلهم يدركون أن كثيرين يعيشون مثلهم". وقصة عائلة عكوش لم تنته حتى الآن نهاية سعيدة، فقبل فترة وجيزة تم تهديدهم ثانية بالإبعاد عن ألمانيا.

الكاتبة: سيلكه بارتليك
ترجمة: منى صالح
مراجعة: عماد مبارك غانم
حقوق الطبع: دويتشه فيله 2010

قنطرة

قمة الاندماج الثالثة في برلين:
بين قراءات الساسة وروايات الواقع
أكَّد سياسيو الحكومة الائتلافية الألمانية في قمة الاندماج الثالثة وجود "حالة تحوّل واسعة النطاق في سياسة شؤون الاندماج في جميع أرجاء ألمانيا". غير أن الباحثة المختصة في شؤون الهجرة، أولغر بولات تعارض في تعليقها التالي هذا التصوير، كما تطالب باتِّخاذ إجراءات موضوعية من أجل تحسين وضع المهاجرين في سوق العمل.

المهاجرون في ألمانيا:
سياسات اندماج قاصرة وطاقات مهمشة

لم يشعر الجيل الأول من المهاجرين العمال بأن الوطن الجديد قد أصبح جزءاً من هويتهم إلا نادراً، أما أبناء المهاجرين من الجيل الثاني أو الثالث فيعتبرون أنفسهم جزءاً من المجتمع الألماني. وعلى الرغم من ذلك فإن مكانتهم الاجتماعية لم تتغير إلا قليلاً، حسبما ترى أولغر بولات.

دراسة عن "حياة المسلمين في ألمانيا":
الاندماج بدل الانعزال

على الرغم من أوجه النقص في مجال التعليم وتطوره أوضحت دراسة للمكتب الاتحادي للمهاجرين واللاجئين تحت عنوان "حياة المسلمين في ألمانيا" أن الاندماج الاجتماعي للمسلمين أفضل كثيراً من صورته النمطية. سونيا هاوغ تلخص نتائج الدراسة.