حقوق الإنسان في عصر العولمة
يبدو في هذه الأيّام أنّ البيان العام لحقوق الإنسان الذي صدر عن الأمم المتّحدة في عام 1948 قد أصبح طيّ النسيان. وفي ذلك من الممكن لحقوق الإنسان بالذات أن تكون موجِّهًا فعّالًا في عصر عولمة تتوفّر فيه إمكانات اتّصال تشمل العالم بأكمله. تعليق بقلم أولريكه ماست-كيرشلينغ
عندما يلوم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف منظّمة الأمن والتعاون في أوروبا OSZE على أنّها تعمل كثيرًا من أجل احترام حقوق الإنسان، فعندها يمكن اعتبار هذا اللّوم تقريبًا بادرة خير. بيد أنّه يبدو أنّ هناك شيئًا من الحساسية - وذلك عندما يتعلّق الأمر بالتقصير في حقوق الإنسان الموجود في بلده والموثّق توثيقًا علنيًا وتحديدًا فيما يتعلّق أيضًا بقضية كازاخستان.
حساسية خفّت شدّتها بوضوح في العمل السياسي منذ اعتداءات الـ11 من أيلول/سبتمبر 2001. وحتى دول القانون والديموقراطية بالذات، مثل الولايات المتّحدة الأمريكية، قامت بعد ذلك باتّخاذ اجراءات لضمان سياية الأمن الداخلي على حساب الحقوق المرتبطة بالحرّيات وأدخلت من خلال ذلك القضاء التابع للدولة في نزاعات لا تحصى مع الحكومة.
إنّ عدم الالتزام بقانون منع التعذيب الذي يتحتّم سريانه يعتبر علاوة على ذلك من أشدّ الانتهاكات التي تتعرّض لها حقوق الإنسان. يشبه هذا الانتهاك تصدّع يكسر سدّ دولة القانون، يؤدّي مباشرة إلى وحشية في كلّ المناطق والبلدان والمجتمعات.
والآن عندما تريد أخيرًا اللجنة المعروفة باسم لجنة بيكر Baker-Kommission أن تستأنف من جديد في الولايات المتّحدة الأمريكية الحرب على الإرهاب من خلال وسائل ديبلوماسية وبصورة حذرة، بدلًا من استخدام الوسائل العسكرية والانتهاكات المنظّمة لحقوق الإنسان - فعندها سيكون هذا العمل أيضًا بادرة خير أخرى تأتي بعد زمن طويل.
إذ يجب دائمًا أن تكون حقوق الإنسان وما يتعلّق بها من تجارب مبدأً وركيزةً لكلّ ما تقوم به الدولة - سواء كان الأمر يتعلّق بحقوق الإنسان السياسية المدنية، أي بحقّ التعبير عن الرأي والتظاهر بحرية وحقّ الانتخابات الحرة وحقّ السلامة الجسدية ومنع التعذيب، أو إن كان الأمر يتعلّق بالحقوق الاقتصادية-الاجتماعية، مثل حقّ الحصول على الغذاء وحقّ التعليم وحقّ الحصول على مسكن، أو إن كان يتعلّق بقوانين منع التمييز بسبب لون البشرة أو بسبب الانتماء العرقي أو لأسباب تتعلّق بالجنس.
تُتاح الفرصة لنجاح التعايش على الكرة الأرضية فقط من خلال التنافس على إيجاد الحلول الأفضل - سواء كان الأمر يتعلّق بمحاربة الإرهاب أو بمحاربة مرض الإيدز أو بمكافحة الفقر أو بالقضاء على العنف ضدّ النساء؛ وليس من خلال التنافس في حرب تدور رحاها من أجل إيجاد حياة تسودها الوحشية.
وفي ذلك تستطيع فقط الدول التي تتخذ موقفا واضحا تجاه حقوق الإنسان وتنقلها على أرض الواقع أيضا، أن تتيح الفرصة للعيش المشترك وللتعاون. فقط هذه الدول هي التي تستطيع ضمان كرامة وحرية الفرد، وهي بذلك تتيح الفرصة للمجال الضروري من أجل إيجاد حلول سلمية على الكرة الأرضية.
إذ أنّ هناك ما يكفي من المعضّلات وكذلك لا يشكّل تأهيل قدرات السوق، مثل المنافسة والقوّة وفرض النفس أي ضمان لتوجّه المجتمع إلى حقوق الإنسان والعناية بها، مثلما يتجلّى ذلك في التجربة الصينية.
لا يقتصر الخوف من الصين كونها قوّة كبرى فقط على القلق من تحسّن قدراتها الإنتاجية الاقتصادية - بل ينطبق أيضًا على الشعور بالخوف من سيادة وهيمنة قيم في مجتمع، لا يمتّ إلى الحقوق المتعلّقة بالحريّات والإعلان العام لحقوق الإنسان إلاّ بصلة ضئيلة جدًا.
بيد أنّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الخاص بالأمم المتّحدة والمواثيق والاتّفاقيات المتعلّقة به - هي وحدها التي تكوّن الاطار العملي الذي يُعتمد عليه من أجل تطوير المجتمعات وتعايشها مع بعضها على المستوى العالمي. إنّ إهمالها يعني حرمان البشرية من أفضل أساس يقوم عليه الوجود، يمكن أن تتيحها في عصر العولمة.
بقلم أولريكه ماست-كيرشنينغ
ترجمة رائد الباش
حقوق طبع النسخة العربية قنطرة 2006
قنطرة
الدستور هو الأساس!
يؤكد هاينر بيليفيت في الحوار التالي على ضرورة الالتزام بحقوق الإنسان في زمن تضحي فيه العديد من الدول الأوربية بهذه الحقوق من أجل مصالح أمنية، كما ادلى بموقفه في الخلافات الدائرة حول الحجاب في المدارس الحكومية الألمانية.
الشريعة وحقوق الإنسان، هل من إمكانية للتعايش
هل تجسد الشريعة الظلم ونفي الحريات الإنسانية، أم أنها تحمي حقوق الإنسان من الاستبداد الشمولي والرأسمالية المتطرفة؟ هذا هو موضوع السجال التالي بين الباحثة في العلوم السياسية هبة رؤوف عزت وخبير حقوق الإنسان عمران قريشي