ضعف الأمل في التغيير الديموقراطي ولكن ...

كثير من المصريين على قناعة بأن نتيجة الانتخابات معروفة مسبقا، رغم ذلك فمن الممكن اعتبار تعديل الدستور والمعركة الانتخابية ونشاط الحركات المعارضة خطوة أولى في الطريق إلى تغيير سياسي فعلي. تحليل فايت ميدك من القاهرة

إن إعلان الرئيس المصري حسني مبارك في بداية فبراير/شباط هذا العام موافقته على تعديل الدستور لاجراء انتخابات رئاسية حرة في المستقبل من بين أكثر من مرشح، سواء تابع لحزب أو مستقل، اعتبر في كثير من البلدان على أنه حدث استثنائي.

ولم يحرك هذا الإعلان المفاجئ الدهشة والأمل فقط داخل مصر، بل إن رجال السياسية في العالم اعتبروا هذا الخطوة بداية مرحلة جديدة في اتجاه انتخابات ديموقراطية حرة.

التعديل الدستوري ما هو إلا استراتيجية للحفاظ على السياسية

ولكن كان هناك ظن أيضا أن التعديل الدستوري ما هو إلا حيلة ذكية من مبارك للبقاء في السلطة وحكم البلاد ستة أعوام أخرى لتصل مدة رئاسته إلى ثلاثين عاما. وعلاوة على هذا فقد اعتبرت هذه الخطوة نوعا من ردود الفعل على الضغط الدولي.

ومع إعلان الإنفتاح السياسي شهدت الحركات المعارضة أثناء المظاهرات موجات قمع قاسية للغاية واستمرت حتى بداية الإنتخابات. وبينما كان البعض يشك في صدق حكومة مبارك وقدرتها الفعلية على الإصلاح، كان البعض الآخر يرى أن تعديل الدستور خطوة لا يستهان بها في طريق الليبرالية السياسية.

مبارك في كل مكان

نظرة سريعة تظهر بكل وضوح من له نصيب الأسد في لفت الأنظار العامة: شعارات الحزب الحاكم وصور الرئيس الحاكم في كل مكان.

ومع ذلك يتحدث البعض عن بداية تغيير في المجال السياسي، فللمرشحين جرائد خاصة ويجوبون البلاد ويتناقشون في أحاديث صحفية ويظهرون في التلفاز، ولم تعد الدعاية الإنتخابية المعدة خصيصا لذلك عبر الإنترنت من الأشياء النادرة.

ومنذ السبت الماضي أصبح من المؤكد أن تقوم نقابة القضاة المصريين بالتعاون مع منظمات غير حكومية بمراقبة الإنتخابات. ويلاحظ المراقب أنه قد حدث هناك تغيير في ساحة السياسة المصرية.

أما المهندس شادي بطرس فله رأي آخر، فهو من أنصار حركة "كفاية" التي تأسست بداية هذا العام كحركة إصلاح ومعارضة مغايرة، وتتألف في المقام الأول من صحافيين ومثقفين يساريين وكذلك أيضا أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين بمصر، وقد بلغ عدد أعضاء حركة "كفاية" الآن قرابة ثلاثة آلاف عضو.
والسيد بطرس على اقتناع بأن "الوضع السياسي سيصبح أكثر فوضوية بعد الإنتخابات عما ذي قبل". ويعتبر تعديل الدستور بالنسبة له ولكثير من المصريين ما هي إلا مناورة استعملت للتكييف مع المطالب الدولية بالانفتاح السياسي، وما هي إلا سلاح ذو حدين بالمعنى الحقيقي للكلمة.

الضغوط الخارجية والقمع الداخلي

إن مجرد الإستعداد للإصلاح - الذي نشر عنه في الخارج وما نتج عنه من تقليص المراقبة الدولية - قد يكون أعطى الحكومة فرصة قمع داخلية إلى حد ما، ظهرت في التعامل الوحشي مع المتظاهرين. ويخشى السيد بطرس أيضا أن تصبح الانتخابات – على الرغم من التزوير المتوقع - شرعية أكيدة أو أن يتم استخدامها كستار لسياسة الستة أعوام القادمة.

والسيد بطرس على يقين أن فترة الحكم التالية ما هي إلا استمرار لسياسة التخويف والقمع للحرية بكل أشكالها، ويعبر عن ذلك بقوله: "إن هذا بلد يكاد كل شيء – بدءا من انتخابات رئيس الجامعة ووصولا إلى تأسيس حزب من الأحزاب - فيها متوقف على موافقة الحكومة وينعدم فيها الإيمان بمغزى المشاركة السياسية وبتأثيرها، وهذا ما سوف تستغله الحكومة".

وهذا الرأي يواجه نقدا من أوساط أخرى داخل المجتمع، مثل معتز الفجيري الذي يرى أن "رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة". ويعد السيد الفجيري، البالغ من العمر أربعة وعشرين عاما مسؤولا - منذ ثلاثة أعوام - عن البرنامج السياسي للمنظمة غير الحكومية المسماة "مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان".

لا مجال لعملية تغيير قصيرة المدى

وسرعان ما يلاحظ المرء فقدان الحماس لدى معتز الفجيري، فقد عاش لسنوات كبت حرية الرأي والقمع وانعدام الحل البديل داخل النظام السياسي المصري. وشأنه في ذلك كشأن كثير من قرنائه في السن، فهم على قناعة بأن نتيجة الإنتخابات القادمة معروفة مسبقا، وأنه لا مجال على الإطلاق للإعلان عن عملية تغيير قصيرة المدى.

ومع ذلك فهو يؤكد على ضرورة اعتبار هذه الخطوة الأولى للاصلاح كبداية لتغيير سياسي أكبر، ويقول: "إن هذه الإنتخابات تمنح أحزابا كثيرة إمكانية التمثيل السياسي، حتى ولو كانت محصورة". وتعتبر بالنسبة له "بداية للكفاح من أجل أجواء جديدة لحرية التعبير عن الرأي لتصبح دعامة لوعي اجتماعي جديد".

دور جماعة الإخوان المسلمين

إن هذا البصيص من الأمل سيكون ذات أهمية كبرى في مصر. أما بالنسبة لغالبية المصريين الذين يعانون من وضع اقتصادي بائس وبطالة عالية جدا فيبدو أنه ليس هناك إلا حلان: إما مبارك وإما الدين.

وعلى الرغم من أن جماعة الإخوان المسلمين المصرية محظورة كحزب سياسي، ولا يمكنها أن تتقدم بمرشح لها، إلا أنها تحظى بشعبية كبيرة جدا داخل المجتمع. ومنذ عقود والجماعة تحاول أن تستغل الفراغ الذي خلفته الدولة خاصة في المجالات الاجتماعية والمؤسسات التعليمية، لكسب تأييد أنصارها بطرح البدائل باسم الدين.

وبالرغم من منعها تعيين مرشح لها فقد أعلنت الجماعة عدم مقاطعة الإنتخابات، حتى ولو تخلت عن مساندة مرشح بعينه. وتبدو هذه الخطوة ذات أهمية كبرى، لأنها تحث أعضائها على البحث عن بدائل سياسية، تغطي – على الأقل – بعض مبادئها السياسية والإجتماعية.

ولا بد لهذه الطبقة غير المتميزة أن تنخرط داخل عملية التمثيل السياسي، وإلا سيتسم تطور المجتمع المصري بطابع ذات اتجاه ديني بكافة عواقبه.

التنوير السياسي وإدارة المجتمع المدني

وهنا يرى السيد الفجيري المهمة الرئيسية للمجتمع المدني، ويقول: "إن هدفنا هو أن تصبح الإصلاحات الديموقراطية - التي لا تزال نداء صادرا من النخب داخل المجتمع – مطالب لعامة الشعب". وفي إطار انتخابات الرئاسة تم تنسيق برنامج بالتعاون مع منظمات أخرى غير حكومية يهدف إلى إثارة اهتمام جميع الناخبين.

ومنذ عدة أسابيع ويقوم الموظفون ومساعدون متطوعون بمراقبة وتقييم التغطية الإعلامية حول كل حملة من الحملات الإنتخابية. ويرى السيد أحمد سامح، مدير منظمة الأندلس، أن هذا المشروع ذات أهمية كبيرة، ويقول: "لقد حان الوقت لكشف موالاة التغطية الإعلامية الشديدة للحكومة أمام الشعب المصري، وأن ننبه بعملنا هذا عن انعدام التوازن".

ويخضع لهذا التقييم سبعة عشرة جريدة وخمس قنوات تلفازية، ويقوم بهذا المهمة في معهده خمسة عشر من المتطوعين من التاسعة صباحا حتى الواحدة بعد منتصف الليل. وتعرض نتيجة هذا التقييم أمام الرأي العام من خلال النشر المنتظم لتقارير استنتاجية ومقالات ومؤتمرات صحفية.

وحتى لو لم يكن لهذا المشروع أي تأثير مباشر على الإنتخابات الحالية فإن السيد أحمد سامح متأكد من زيادة الضغط على التقارير الإعلامية المحايدة قبل انتخابات مجلس الشعب في نوفمبر القادم، كما أنها سوف تساعد على تقوية بعض الميول داخل المجتمع التي تنادي بحرية التعبير عن الرأي.

هل من فرص لتحول سياسي؟

وفي إطار إنتخابات الرئاسة يبدو أن مجموعات كبيرة من الشعب لا تزال متشائمة من استعداد حكومة مبارك للإصلاح وتشك أيضا في مغزى وهدف المشاركة السياسية.

ومن الممكن اعتبار هذا التشاؤم نتيجة طبيعية لإنعدام تنظيم الإنتخابات والإستفتاءات السابقة والحظر الحالي للرقابة الدولية على الإنتخابات والشك الكبير في لجان الإنتخابات الحكومية.

وعلى الرغم من ذلك تشير أمثلة أخرى إلى وجود العديد من الشخصيات الفاعلة داخل المجتمع المدني، ومجرد سماع الشعب لتصريحات ورسائل تلك الشخصيات يعتبر لحظة هامة في التغيير، حتى وإن كان الكثير لا يمكنه أن يتعامل مع الآلاف من الخطب السياسية والتصريحات، ولا يرون أية بشرى في البدائل الملموسة.

وقد كانت انتخابات الرئاسة هذا العام مهمة لإبطال الديناميكية التي كانت متبعة في العقود الماضية واتسمت بمحاولة إبعاد الناس عن السياسة.

فايت ميدك
حقوق الطبع قنطرة 2005

فايت ميدك صحفي مقيم في برلين

قنطرة

سلطات رئيس الجمهورية المصري والرغبة في توسيع دائرة الحكم
يكفل الدستور المصري لرئيس الجمهورية سلطات شبه مطلقة يمكنه من خلالها اتخاذ قرارات مصيرية دون الرجوع إلى البرلمان، الأمر الذي يجعل من تعديل الدستور ضرورة ماسة لتفعيل النظام السياسي وممارسة العمل الديمقراطي على أكمل وجه

""الديمقراطية العربية المنتظرة لم تولد بعد
المفكر برهان غليون مدير مركز دراسات الشرق المعاصر وأستاذ علم الاجتماع في جامعة السوربون في باريس، يتحدث لقنطرة عن الإصلاحات السياسية، والتطورات الديمقراطية في العالم العربي،ومستقبل الإصلاحات والديمقراطية في سوريا.