الانقلاب على مرسي...تجديد لداومة فشل سياسي مصري
مما لا شك فيه أن الانقلاب الذي أعدت له القيادة السياسية وعلى رأسها وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي متقن للغاية. ففي خطاب ظهرت فيه أعلى المرجعيات الدينية في البلاد، ممثلة في شيخ الأزهر أحمد الطيب وبابا الكنيسة القبطية تواضروس الثاني، إضافة إلى السياسي المعارض البارز والحائز على جائزة نوبل للسلام محمد البرادعي وممثلي حركة "تمرد" الناشئة، أعلن القائد العام للقوات المسلحة السيسي عزل الرئيس محمد مرسي، الذي اتضح فشله، وتعليق العمل بالدستور.
لكن هذا الإعداد المتقن يجب ألاّ يعمي الأبصار عن أن هذا الحدث، الذي يعتبر سابقة خطيرة ذات عواقب وخيمة، انقلاب على رئيس شرعي منتخب ديمقراطياً، وليس "ثورة ثانية" كما يدعي ممثلو التحالف المناوئ لمرسي. فالصراع بين معسكري الإسلاميين و"الليبراليين" لم يتم حسمه من خلال الحشد الجماهيري في الثلاثين من يونيو، بل في نهاية الأمر من خلال تدخل الجيش.
تنظيم عسكري لـ"مراسم نزع الصلاحيات"
اليوم نعلم بأن قرار قيادة الجيش الانقلاب على مرسي قد تم اتخاذه قبل عدة أيام من الاحتجاجات الشعبية، وأن المشاركة الانتهازية لحزب النور السلفي كممثل عن المعسكر الإسلامي في تنظيم الجيش لـ"مراسم نزع الصلاحيات" لا تغير في الأمور شيئاً.
لذلك، فإن من المصداقية أن نسمي الأشياء بمسمياتها وأن صلاحيات مرسي انتُزعت عنوة من قبل الجيش، ما يشكل انقلاباً غير قانوني وضربة لعملية نشر الديمقراطية في مصر.
لقد أثبت مرسي، دون شك، عدم قدرته على إدارة شؤون أكبر دولة عربية، وفشل فشلاً ذريعاً في توحيد البلاد المقسمة سياسياً وأن يكون فعلاً رئيساً لكل المصريين. لقد كان ذلك كله محتوماً، لأنه انتُخب قبل عام بأغلبية ضئيلة.
تحالف مشبوه ضد مرسي
والأدهى والأمَرّ كان على ما يبدو عدم قدرة حكومته على حل المشاكل الاقتصادية الملحة التي يعاني منها الشعب المصري. كما قامت بالقليل لمكافحة البطالة والتضخم المالي وشحّ الوقود.
لكن هل كان تدخل الجيش ضرورياً لتقصير فترة حكم مرسي؟ هناك شك في ذلك عند التفكير في أن سلطة مرسي لم تتآكل إلا بشكل ضئيل للغاية في وجه المظاهرات الحاشدة ضده.
الثابت هو أن التحالف المضاد لمرسي قد أضاع فرصة تاريخية يتم فيها ترك الإخوان المسلمين، أبرز ممثلي الإسلام السياسي، يفشلون سياسياً. وبدلاً من ذلك، فقد مُنِحَ الإسلاميون الفاشلون أساساً ذريعة للعب ورقة الضحية مجدداً.
وبعد التجربة التي عاشتها الجزائر سنة 1992 حين قام جنرالات الجيش بالانقلاب على جبهة الإنقاذ الإسلامية بعد فوزها بالانتخابات، وبعد تجربة القاهرة سنة 2013، سيزعم الإسلاميون من التيار السائد أن مصيرهم بعد الفوز في انتخابات ديمقراطية سيكون دائماً إما إفشالهم أو الانقلاب عليهم.
ويظل من المشكوك به ما إذا كان معارضو مرسي المختلفون وغير المتجانس بعضهم مع بعض بشكل دائم قادرين على تحدي الإسلاميين سياسياً. فمن خلال رفضهم لكل عروض الحوار التي قدمها الرئيس السابق وإعلانهم مقاطعة الانتخابات البرلمانية التي كان من المزمع إجراؤها في مطلع العام المقبل، ساهم هؤلاء المعارضون في إعاقة المسيرة السياسية للبلاد. كما أن تحالفهم مع فلول نظام مبارك القديم والعديم المصداقية يبقى مشبوهاً للغاية.
الحرص على الامتيازات الشخصية
فضلاً عن ذلك، فإن اعتقاد "التحالف المناوئ لمرسي" بأن الجيش نفذ إرادة الشعب وأنه يتصرف بدوافع ديمقراطية هو اعتقاد ساذج. فأولوية الجنرالات هي الدفاع عن امتيازاتهم، ذلك أن الجيش معروف بأنه مأوى للفساد ويتحكم في ربع الاقتصاد المصري على الأقل. بالإضافة إلى ذلك، فقد فشل الجيش فشلاً تاماً في إدارة شؤون البلاد في العامين اللذين تبعا سقوط مبارك.
لم يزد عزل مرسي من حالة الاستقطاب في مصر وحسب، بل ويهدد بجعل هذا البلد ذي التسعين مليون نسمة غير قابل للحكم وبالتالي على حافة الفشل. ومن أجل منع حصول هذا السيناريو، ينبغي إشراك جميع القوى السياسية في العملية الانتقالية الجديدة وخاصة الإخوان المسلمين، فالإخوان يبقون أكثر القوى تنظيماً في البلاد وكل المحاولات الهادفة إلى إقامة نظام سياسي جديد في مصر ما بعد مرسي دون الإخوان ستكون فرص نجاحها ضئيلة.
لذلك ينبغي على الساسة الألمان والأوروبيين الإصرار على وقف ملاحقة الإخوان المسلمين وقياداتهم وعلى أن تطبق قيادة الجيش وعودها بوضع دستور جديد للبلاد والسماح بإقامة انتخابات جديدة.
لؤي المدهون
ترجمة: ياسر أبو معيلق
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2013