نافذة على الحياة

يعاني الكثير من الأفغان من الصدمات النفسية التي خلفتها أهوال الحرب التي دامت أكثر من عشرين عاما، بدون إمكانية للعلاج النفسي. ولكن ظهرت أخيرا برامج نموذجية للعلاج عن طريق الإستشارات. تقرير كتبه مارتين غيرنر.

ثمة حيّ في جنوب غرب كابول يسمى كارت زيه. هذا الحي ببيوته وواجهاته المهدمة ظل على ما هو عليه حتى الآن. ففي أيام الحرب الأهلية التي استمرت من 1992 حتى 1996 كان تُطلق هنا ما يقارب ألف قذيفة في اليوم الواحد على فترات متفاوتة. ولا يزال الكثير من الناس يعانون حتى اليوم من الكوابيس التي سببتها أهوال الحرب لهم.

في أحد الشوارع الرئيسية في حيّ كارت زيه توجد مؤسستان تبعد إحداهما عن الأخرى 600 مترا وتحاول كل منهما مساعدة المرضي بطريقتها الخاصة.

مستتشفى وحيد للعلاج النفسي

تقع "مستشفى الأمراض النفسية" في كابول في أحد هذه المباني، وهي المستشفى الحكومي الوحيد للعلاج النفسي السريري. يوجد في أحد أجنحة المبنى حوالي ثلاثون مريضا يعانون من الاكتئاب وانفصام الشخصية. وفي حجرتين في الجناح الآخر يتلقى المدمنون علاجا للإقلاع عن المخدرات. الطرقات قذرة ومعتمة وهناك ركن يستعمل كمطبخ ورائحة الغرف كريهة.

يقول رئيس المستشفى الدكتور قرشي: "يتم شفاء المدمنين هنا خلال عشرة أيام، أما حالات الإكتئاب وانفصام الشخصية فتعالج إما بالحقن أو بالأدوية حسب الفحص الأوليّ".

الإيمان بالأدوية الشافية

يسود في أفغانستان إعتقاد كبير بالقوة الشافية للأدوية، فبعض المرضى يتعاطون حتى ثلاثين نوعا من الحبوب المختلفة في اليوم الواحد. وفي السوق يمتدح كل تاجر - دون خبرة علمية - أقراص الأدوية التي يبيعها.

أما العلاج بدون أدوية فيحتاج في الغالب إلى وقت وصبر حتى يقتنع الناس به. وهذا ما يحاوله مشروع "نافذة على الحياة" المتمركز في نهاية الشارع العام من الناحية الأخرى.

12 مركزا إستشاريا

يصف السيد فرهد حبيب الفرق بينهم وبين المستشفى المجاور قائلا: "إننا نحاول في مؤسستنا علاج الأجسام بطريقة نفسية وبدون الأدوية المنتشرة في أفغانستان". والسيد حبيب هو أحد "الإستشاريين" كما يسمىَّ الأخصائيون النفسيون العاملون في المشروع.

​​يعتبر المبنى الموجود في حيّ كارت زيه واحدا من إثني عشر مركزا إستشاريا في كابول. والإستشارة مجانية. القائم على المشروع هو هيئة "كاريتاس الخيرية العالمية" التي يوجد مقرها في مدينة فرايبورغ، كما أن المشروع يمول من قبل وزارة التعاون الإقتصادي والتنمية الألمانية. ويبلغ إجمالي عدد العاملين في المراكز الإثني عشر 32 رجلا وامرأة من الأفغان، من بينهم أطباء وصيادلة وممرضات ومعلمون يتلقون التأهيل المهني في المراكز التي تشجع المساواة بين الجنسين.

يقدم الإستشاريون حوالي 1800 ساعة استشارية كل شهر. وتصف السيدة أنجى مسمال جدوى الإستشارة قائلة: "الهدف هو أن نخرج الناس الذين يقصدون المراكز من عزلتهم الإجتماعية".

علاقة تعايش

منذ عامين خطرت فكرة تأسيس هذه المراكز الإستشارية على بال السيدة مسمال الأخصائية النفسية من جنوب ألمانيا، التي تتولى حاليا مرحلة التأسيس. وكانت قبل ذلك قد عملت أيضا لدى منظمة "ميديكا مونديال" في أفغانستان، حيث جمعت خبرتها في مجال علاج مرضى الصدمات النفسية.

إنها تصف مجال العلاج قائلة: "هناك حدود كثيرة يفرضها الوضع الإقتصادي والإجتماعي على المرضى. إننا لا نستطيع ولا نريد المساعدة إلا بما يتناسب مع المواقف الخاصة. وجل اهتمامنا أن نساعد الناس دون أن نجعل منهم انطوائيين. فالمرأة التي تأتي على سبيل المثال وهي تعاني من الزواج القسري فلا يمكن أن نقول لها "وليِّ من هنا" أو "اطلبي الطلاق. إلى أين تذهب المرأة والأطفال؟ هذا غير ممكن. على المرء أن يحاول خلق علاقة تعايش".

وهذا قد يعني أنّ على كل من الرجل والمرأة أن يفكرا سويا كيف يسهم كل منهما في تلطيف الجو وتخفيف حدة التوتر.

العنف والتقاليد داخل البيت

إن الحرب التي دامت أكثر من عقدين والربط بين التقاليد والعنف والدين، كل ذلك لم يترك مجالا للإحتجاجات الخاصة. أصبح العنف داخل البيت مقبولا ومسوغا من الناحية الثقافية، مثلا: تصرح تسع من مجموعة تضم عشر نساء يتلقين العلاج أنهن كن يُضربن على رؤوسهن كل أسبوع وأيضا بأشياء صلبة مثل العصيّ أو الكلاشنيكوف. وفي بعض العائلات كان الأطفال يضربون حتى الموت.

يقدر السيد عبد الفتاح، أحد الإستشاريين بالمركز أن "ما بين ستين إلى سبعين في المائة من الحالات النفسية التي نواجهها كانت ناتجة عن الحرب وما بين عشرين إلى ثلاثين في المائة منها كانت ترتبط بعهد طالبان".

إختلال المعايير الثقافية

إن غزو المدنيّة لكابول والإضطراب المتزايد والوجود الأجنبي بمعاييره الثقافية أدى إلى اختلال قوي في معايير كثير من الأفغان. والرجال يلجأون إلى الأسرة كآخر مأوى يستطيعون فيه ممارسة سيطرتهم.

وتحدد السيدة مريم زورماتي المستشارة بالمركز "أن الرجال ليسوا دائما وراء الصراعات الأسرية, فأحيانا تكون الأمهات. وكثيرا ما تكون العلاقة بين الأم والبنت أسوأ ما في الأسرة ويملؤها الشك. هناك كثير من الممنوعات، فعلى سبيل المثال لا تتحدث إلا نسبة خمسة في المائة من عائلات كابول على الأكثر مع البنت حول رغبتها في شريك الحياة. وإذا ذكرت إحدى النساء مشاكل الحيض فإنه قد يحرك شعورا بالعار لكل الأسرة".

نتائج ايجابية

بعد مضي ما يزيد على عامين من البدء ظهرت النتائج الإيجابية لبرنامج "نافذة على الحياة". قلت أعمال العنف المنزلية بين أسر المرضى. وكان التأهيل بمثابة خبرة اكتسبها الإستشاريون. على حد قول الإستشارية السيدة سونيتا كوهستاني: "سابقا كنت أضرب أولادي دائما. أما الآن فعندما أشعر بالغضب أخرج من البيت وأتمشى حول البلوك، ولكني لا أضرب الأولاد قط".

وتقول السيدة أنجى مسمال: "المشكلة تكمن في أن الممولين لا يمكنهم رؤية نجاح المشروع كما هو الحال عند بناء طرق جديدة. فالشارع شيء يلمسه المرء، أما ما نقوم به فيحمله الإنسان بين جنبيه وعلى الأرجح لمدة طويلة". وتختم غير راضية بقولها "على الرغم من أن حوالي ثمانين في المائة من المشاكل في البلاد ترجع إلى أسباب نفسية إجتماعية، إلا أن نسبة ما يُصرف عليها لا يتعدى 0, 1 % من الأموال".

كتبه مارتين غيرنر
ترجمة: عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع قنطرة 2007

قنطرة

حقوق المرأة، حبرٌ على ورق ليس إلا
مازال وضع المرأة في أفغانستان مرعباً بحسب تقرير منظمة العفو الدولية. وما زالت المساواة، كما أقرها الدستور، بعيدة جدا عن التطبيق. لكن هناك ثمة خطوات صغيرة للأمام. تقرير بترا تابلينغ.

إذاعة "صوت المرأة الأفغانية"
ما أن سقط نظام الطالبان في أفغانستان حتى إستطاعت المرأة الأفغانية المشاركة في الحياة الإجتماعية من جديد. حيث أُنشئت محطة إذاعية تُعنى بالنساء منذ أمد قريب. راتبيل شامل كتبت عن ذلك.

تمارين سرية وخوف من المتطرفين
في كابول تم افتتاح اول مركز نسائي للتمارين الجسمانية والرشاقة. إلا ان صاحبة النادي تحافظ على سرية المكان خوفا من إثارة غضب فئات متمسكة بالعرف والتقاليد حتى بعد ثلاث سنوات من سقوط نظام حركة طالبان. تقرير علي مطر