الشيشان بعيون أوربية
لأول مرة بعد عام ونصف يقوم وفد من المجلس الأوروبي بزيارة للشيشان. وبتكليف من المجلس الأوروبي قام كل من الألماني رودولف بينديغ والسويسري أندرياس غروس بجولة استطلاعية للتحقق من الوضع الاقتصادي والاجتماعي ووضع حقوق الإنسان في هذا البلد المدمر من جراء الحرب. كرِستيان هوفمان تحدث مع رودولف بينديغ.
أرادوا أن يولدوا لدينا الانطباع بأن الوضع في الشيشان قد استقر، يقول رودولف بينديغ. ذلك أنهم توجهوا بمُستطلعي المجلس الأوروبي، السويسري أندرياس غروس و الألماني رودولف بينديغ إلى المدارس وإلى الجامعة التي عادت إلى فتح أبوابها ثانية، كما قاموا بزيارة دار للأيتام وبالتحدث إلى شيشانيين لاجئين في بيوت خشبية جديدة.
إلا أن رودولف بينديغ الذي يزور الشيشان للمرة العاشرة ينظر للوضع بعين النقد، لأن مبادئ دولة القانون وحقوق الإنسان في الشيشان لازالت تداس بالأقدام، وعلى الرغم من أن حملات التفتيش على القرى وعلى أحياء مدنية بأكملها قد توقفت، إلا أن إجراءات قوى الأمن ضد أفرادٍ تستهدفهم لازالت مستمرة.
"الناس الذين ربما أدلوا بشهادات عن اقتراف جهات أمن أخرى لجرائم أو حتى اللذين تقدموا بشكوى ما، يختفون ببساطة. وحتى المدّعين العامين الذين يحققون و يمارسون عملهم بجدية، يختفون بعد ذلك، وهنا تكمُن أكبر دواعي قلقنا"، كما صرح رودولف بينديغ.
منظمة "ميموريال" 'Memorial' لحقوق الإنسان لديها قوائم طويلة بأسماء الشيشانيين المختفين وتقارير عن قبور جماعية. فرصة فتح ملفات هذه الحالات تكاد تكون معدومة حسب تقدير بينديغ. وعلى أسئلته التي وجهها إلى الإدعاء العام لم يحظى بإجابات وافية، مع أن الكثير من الحالات مسجلة، إلا أن النذر القليل منها يجد طريقه إلى المحكمة. حتى الآن لم يكن هناك أحكام بالإدانة إلا في حالتين أو ثلاثة، حسب قول بينديغ.
"هذا يدل على أن المدعين العامين إما متورطين في مشاكل كبيرة أو أن هناك عراقيل تعيق عملهم أو أنهم حتى غير أكفاء للقيام بالتحقيقات اللازمة فعلياً كي يقبض على الجناة. هذا المناخ الخالي من العقاب والذي انتقدناه بشدة، لا يزال سائداً للأسف."
وقال رودولف بينديغز أن الحالة الاقتصادية قد تحسنت في البلد بشكل طفيف. على الرغم من ذلك ينتقد ممثل حقوق الإنسان بالأخص وضع اللاجئين: عشرات الآلاف من البشر هربوا أثناء الحرب، معظمهم إلى الدولة المجاورة انغوشيا، وهناك سكنوا الخيام لسنوات عديدة في معسكرات اللاجئين. ومنذ أن توقف القتال رسمياً في الشيشان، والحكومة الانغوشية تدفع اللاجئين بشدة للعودة إلى وطنهم. وبحسب تقارير اليونيسيف لازال هناك 57000 مشرد على الأقل يجوبون البلاد. وإما في الشيشان فلم تتحسن أوضاع اللاجئين العائدين بحسب بينديغ.
" اللاجئون يعيشون غالباً في أحياء ضيقة ومكتظة. يشتكون من أنهم في السابق، أي في انغوشيا كانوا يتلقون المساعدات من المنظمات الدولية، أما الآن فليس هناك من مُعين، فبعض الجوانب المعيشية الآن في غروزني أسوأ مما كانت عليه في مخيمات اللاجئين"، على حد قول بينديغ.
بشكل عام تحسنت الحالة الاقتصادية، ما لا يبعث على العجب، لأنه لا يمكن لها إلا أن تتحسن بعد الحرب. على الرغم من هذا يطالب بينديغ الحكومة الروسية باستثمار أكبر للأموال في بناء البلد المدمر من جراء الحرب. بالإضافة إلى ذلك لا يزال اختيار المرشح المناسب الذي يستطيع تمثيل المصالح الشيشانية في موسكو موضعا للتساؤل، حتى قبل ثلاثة أشهر على الانتخابات الرئاسية. ناهيك عن أن الانتخابات بعيدة جداً عن المعايير الغربية.
"لا سبيل لمقارنة الانتخابات في هذه المناطق مع الانتخابات في الديموقراطيات الغربية، إذ لا يوجد هناك شريحة عريضة من المرشحين، اللذين يناقَشوا من قبل الرأي العام، ليُتبع ذلك بانتخابات، بل سيكون هناك القليل من المرشحين وسيحتدم صراع انتخابي شرس." على حد تعبير بينديغ.
وعلى الرغم من هذا يدرس المجلس الأوربي حسب أقوال بينديغ إرسال بعض المراقبين للانتخابات في نهاية آب/أغسطس إلى غروزني، بهدف الحصول على بعض معلومات على الأقل. إلا أن مراقبي الانتخابات ولاعتبارات أمنية بالدرجة الأولى، لا يستطيعون التنقل بحرية داخل البلاد. وهذا كان سبب عدم تواجد مراقبين غربيين في الشيشان في فترة الانتخابات السابقة.
بقلم كريستيان هوفمان، دويتشه فيلله 2004
ترجمة يوسف حجازي
صفحة منظمة ميموريال لحقوق الإنسان هنا