مشروع ما يزال حيز التردد
الأمر الوحيد الذي يمكن اعتباره أوروبيا في حي لوس برميخالس هي أسماء الشوارع. هنا تتقاطع أفنيدا فرنسا مع شارع برلين وأفنيدا ألمنيا مع شارع بروكسل.
ومع ذلك فإن لوس برميخالس حي من الطرف الجنوبي لمدينة إشبيلية، مكان ليس فيه ما يجلب الانتباه. ولا أثر من ذلك البريق الذي تستعرضه عاصمة المقاطعة الأندلسية بتبجح في وسطها يمكن أن يشعر به المرء هنا في طرفها الجنوبي. بنايات سكنية تصطف هنا في شكل مربعات متتالية، بعض الشبان بملابسهم الرياضية يجلسون فوق كراسي الحدائق ويدخنون، وبين الحين والحين أم تدفع بعربة وليدها بين الهياكل المصطفة لتلك العمارات.
لم ينبغي على أكبر جامع في أوروبا أن يتم بناؤه في هذا المكان بالتحديد؟ ذلك ما لا يستطيع أن يفسره أحد. فنسبة المسلمين من بين سكان هذا الحي ضئيلة جدا. في الحقيقة كان من المقرر أن يتم بناء بيت الصلاة الضخم للجالية الإسلامية بإسبانيا على مساحة 6 آلاف مترا مربعا في نهاية شارع أوروبا.
لكن ما إن انتشر الخبر بموافقة الإدارة البلدية على رخصة إنجاز هذا المشروع حتى ثارت ثائرة الناس في إشبيلية. والآن وبعد مرور أسبوعين على انتخاب المجلس البلدي يخطط رئيس البلدية الاشتراكي الذي أعيد انتخابه إلى وضع حد لهذا المشروع كخطوة أولى، ثم البحث عن مكان آخر للجامع.
روضة أطفال أم جامع؟
المسؤولة الأولى في قرار رئيس البلدية هي امرأة: كونشيتا ريفاس رئيسة جمعية المتساكنين بحي لوس برميخالس. "هذا الجامع كبير جدا بالنسبة لحينا الصغير" تحتج العجوز الأندلسية البالغة 67 سنة من العمر. وهي مستاءة غاية الاستياء من قرار الإدارة البلدية بمنح هذه القطعة من الأرض للجالية الإسلامية بإسبانيا.
وعندما سألناها عما ترى أنه ينبغي بناؤه عوضا عن الجامع في لوس برميخالس، غدا صوتها عاليا بصفة غير معهودة حتى بالنسبة للمعايير الصوتية الخاصة بجنوب إسبانيا."هذه الأرض كانت في الأصل مخصصة لمشاريع عمومية! وكنا نتوقع أن يتم تشييد روضة للأطفال ومركز صحيّ فوقها."
لذلك قررت ريفاس الدخول في المعركة. وقد نجحت جمعيتها في جمع 3500 إمضاء ضد مشروع بناء الجامع. بعدها رفعت قضية إلى المحكمة ضد بلدية إشبيلية. وقوبلت دعواها بالنجاح: أعلن القضاة عن فتح تحقيق في مسألة ما إذا كان بناء الجامع يستجيب لخدمة الغرض العمومي للقطعة الأرضية أم لا. وفي الأثناء أعلنوا عن عدم الترخيص بأي عمل بناء.
"نحن لسنا ضد فكرة بناء جامع في إشبيلية، ولا ضد الإسلام بصفة عامة"، تقول ريفاس. لكنها لا تقبل بوجود جامع بمثل هذا الحجم في حيها. "على المرء أن يقبل بأن إسبانيا ليست بلادا إسلامية بالنهاية."
وحسب ما يبدو من وضع الأمور حاليا فإن معركة ريفاس قد توجت بالنجاح، في حين يمكن لمالك رويز كاليخاس أن يعد نفسه خاسرا. فرئيس الجالية الإسلامية بإسبانيا هو الذي كان يقف بصفة نشيطة وراء مشروع بناء الجامع الضخم في لوس برميخالس.
مشروع يرى نفسه قدوة لكل المسلمين وغير المسلمين
أما حجج منافسته كونشيتا ريفاليس فإنه يردها ويعتبرها مجرد رياء. "جمعية متساكني لوس برميخالس لها موقف ضد الإسلام في الحقيقة. والجامع في نظر رويز كاليخاس معتنق الإسلام الإسباني لا يمثل مشروعا قد توقف عند أبواب إشبيلية فحسب، بل مسألة "تمس كل إسبانيا والعالم الغربي بكليته." هذا ما عبر عنه قبل قرار رئيس البلدية. "هذا الجامع من شأنه أن يصبح قدوة لكل المسلمين وغير المسلمين"، ذلك هو يعلنه هدفه الطموح.
وقد سبق للجالية التي يرأسها رويز كاليخاس أن بنت جامع الباياسين الجديد في غرناطة الذي افتتح في سنة 2003. ويعد هذا البيت من أكبر الجوامع في أوروبا. "لم نكن نرغب في بناء غيتو في غرناطة، بل مركزا نشطا منفتحا على مجاوريه."
ومن المفترض أن يكون الجامع الجديد في إشبيلية مركزا من هذا النوع هو أيضا. ورويز كاليخاس يخطط لإنشاء "فضاء نظيف مضيء ومستحب". وستحتل الحديقة لوحدها فيه 4 آلاف مترا مربعا، بينما ستخصص المساحة المتبقية لبناء مركز ثقافي ومكتبة وفضاءات أخرى مفتوحة للعموم.
المحافظون متخوفون من خطر الإرهاب
يتعلق الأمر أيضا بمسألة الخوف من الإرهابيين في هذا الخصام حول الجامع الجديد. وقد أوردت صحيفة ABC المحافظة خبرا مفاده أن الجامع ممول من طرف السلطان القاسمي حاكم إمارة الشارقة. والشارقة هي إحدى الإمارات السبع التي تتكون منها دولة الإمارات العربية المتحدة.
تقابل مسألة تمويل الجامع باعتمادات أجنبية بانتقادات شديدة في إشبيلية. وتعرب الأوساط المحافظة ومنها صحيفة ABC و"حزب الأندلس" على وجه الخصوص عن مخاوفها من أن يمكّن هذا من فتح مجال للمتطرفين الإسلاميين للتمركز في الأندلس.
يدخض رويز كاليخاس هذه التهم بقوله: "نظامنا المالي على غاية من الشفافية. والدولة الإسبانية تعرف كل التحويلات المالية التي تخصنا بما في ذلك هوية المحوِّلين والمتقبلين." وقد رفع قضية ضد كل من ABC و حزب الأندلس بتهمة الثلب.
هناك تنظيمات أخرى في إسبانيا تتسم ردة فعلها بالتحفظ إزاء هذا الخصام الدائر حول جامع إشبيلية. "أنا مع بناء الجامع الجديد"، يقول منصور إيسكوديرو رئيس جامعة المسلمين ذات الوزن المهم "Junta Islamica de Espana". ولمنصور سمعة المسلم المعتدل في إسبانيا، ذلك أنه يدافع بشدة عن حقوق المرأة وقد أصدر قتوى ضد الإرهابيين الإسلاميين.
"لكل مواطن إسباني الحق في المطالبة ببناء بيت للعبادة"، يقول منصور. أما عن التهمة بأن تنظيمات إرهابية مثل القاعدة تقف وراء تمويل بناء الجامع فإنه ينعتها بـ"الحماقة" مضيفا: "لو صح هذا الأمر لكانت الدولة الإسبانية قد قامت بتتبعات ضد المنظمات المعنية."
إلا أن هناك بعض التحفظات الضمنية التي تتخلل كلمات هذا المسلم المعتدل: "إن جامعا صغيرا سيكون أفضل في نظري" يقول معترفا. ثم يضيف بأنه "ينبغي أن تتولى الدولة تمويل هذه البيوت حتى لا يكون بإمكان مجموعة بعينها أن تحدد ما الذي ينبغي أن يُكرز به في الجامع."
الخوف من التأثيرات الراديكالية
"إشبيلية بحاجة إلى جامع، لكن ليس إلى هذا"، يعتقد إميليو غونزاليز فيرّين الخبير في العلوم الإسلامية الذي يدرس في جامعة إشبيلية. "إنه سيتحول إلى جامع في خدمة أغراض دعائية"، يقول فيرين. ويعبر عن تخوفه من أن يتم استجلاب أئمة من المغرب من الذين يدافعون عن تأويل راديكالي للإسلام، كما حصل مع الجامع الجديد بغرناطة.
أما منصور إيسكوديرو فيرى أن مجموعات ذات مصالح محددة هي التي تسعى إلى تأسيس نفوذ لها عن طريق بناء الجوامع الفخمة في أوروبا. "المملكة السعودية تتابع مثل هذه السياسة. وبتمويلها لجوامع ضخمة في أهم مدن العالم تنحو إلى التحول إلى قطب مرجعي بالنسبة للإسلام، بالرغم من أنها لا تملك في الحقيقة أي وزن داخل الجاليات المسلمة على أرض الواقع في تلك الأماكن."
ويشير إيميليو غونزاليز فيرين إلى أن الجمعية الإسلامية بإسبانيا أبعد من أن، تكون ممثلة للمسلمين الإسبان. وهناك حسب رأيه مجموعات أخرى تمثل عددا أكبر من المؤمنين، لكنها لا تملك ما يكفي من الأموال لبناء جامع. " وعلى أية حال فإن مسلمي إشبيلية بحاجة إلى جامع، إذ ليس لهم حاليا فضاءات كافية للعبادة وسط المدينة."
بقلم مارتن شنايدر
ترجمة علي مصباح
حقوق طبع النسخة العربية قنطرة 2007
قنطرة
خلاف في قرطبة حول كاتدرائية كانت مسجداً
ثمة خلاف الآن بين المسيحيين والمسلمين في قرطبة حول كاتدرائية تحمل إسم "مسجد الكاتدرائية" حيث يطالب المسلمون بالصلاة فيها، تأكيدا لحوار الحضارات، وهو ما ترفضه الكنيسة التي تدعو الى الفصل في الصلاة بين المسيحيين والمسلمين. تقرير كتبه ليو فيلاند.