أسرى حرب وقبور من القرن السابع عشر
في عام 1683، وعندما حاصر العثمانيون فينا للمرة الثانية، سارع الأمراء الألمان أيضا إلى جبهة القتال، وعندما عادوا أحضروا معهم إلى موطنهم من وقع في أسرهم من الأعداء. وبهذا حضر أوائل المسلمين إلى ألمانيا كأسرى حرب من الحروب التركية، كما تُسمّى. وتُعتبر شواهد بعض القبور في مدينة هانوفر والمؤرخة من 1689 وإلى 1691 من الدلالات على ذلك، كما ان بعض القبور من تلك الفترة ما زالت موجودة في برلين إلى يومنا هذا.
ولكن تُشير الدلالات على أن التنظيم في حياة الجالية الإسلامية في ألمانيا يعود إلى القرن العشرين، إذ تم بناء أول مسجد في فونسدورف بالقرب من برلين في عام 1915 أثناء الحرب العالمية الأولى. وقد شهدت تلك الفترة تحالفا بين ألمانيا والدولة العثمانية التي كان سلطانها يعتبر نفسه خليفة للمسلمين جميعا.
وكان الهدف من بناء هذا المسجد استقطاب المسلمين من بين الأسرى في معسكرات الدول الأوروبية المعادية لمساندة العثمانيين وحلفائهم الألمان.وأصبحت برلين في العشرينيات مركزا للمسلمين في ألمانيا وإن كانت هذه الفترة لم تشهد تنظيما واسعا لحياة الجالية الإسلامية هناك.
عرب وإيرانيون وهنود
بيتر هاينه، البروفيسور في العلوم الإسلامية في جامعة هومبولدت في برلين يتحدث عن تلك الفترة قائلا:
" تواجدت في تلك الفترة جماعات كثيرة من المسلمين وكانت تتكون في الغالب من مجموعات صغيرة العدد. وشهدت فترة العشرينيات وجود كثير من المنفيين في ألمانيا، مثلا من القوميين العرب وقوميين من الهنود المسلمين والإيرانيين كذلك. وبالرغم من أنهم كانوا يهتمون أساسا بشؤونهم السياسية، إلاّ أنهم كانوا أيضا يُحاولون الاهتمام بالتنظيم العقائدي."
وبالرغم من بعض الغموض المسيطر على تلك الفترة، إلاّ أنها تمخضت عن شكل من أشكال الحياة الإسلامية المتنوعة في برلين العشرينيات والثلاثينيات. وبهذا تمكّن ولأول مرة في ألمانيا، مسلمون من شتى المذاهب ومن 40 دولة مختلفة، من وضع حجر الأساس لجالية مسلمة تعيش في ألمانيا.
المسلمون في عهد هتلر
ولكن يبقى من الصعب تتبع حياة المسلمين في ألمانيا في عهد النازية. فمن ناحية كان المسلمون من اصول ألمانية ملاحقين وغالبا ما كانت النظرة إلى أولئك الذين ينحدرون من جذور شرقية على أنهم بشر من الدرجة الثانية، ولكن ومن ناحية أُخرى كانت محاولات عديدة وناجحة لاستعمال المسلمين ومنظماتهم لتحقيق أهداف نازية. وبهذا أصبح المعهد المركزي الإسلامي في ذلك الوقت أداة بين أيدي القائمين على الحملات الدعائية النازية. كما أصبحت برلين هي المنفى الذي لجأ إليه مفتي القدس آنذاك الحاج أمين الحسيني.
ومع ذلك لا توجد احصائيات أكيدة على أعداد المسلمين في ألمانيا في ذلك الوقت، إلاّ أنهم كانوا يحظون باهتمام الرايخ، لا سيّما أولئك منهم المنحدرون من المستعمرات البريطانية والفرنسية.
موجة هجرة من تركيا
وفي الستينيات، أي في الفترة التي بدأت فيها هجرة العمالة الأجنبية إلى ألمانيا، بدأ تواجد المسلمين في ألمانيا يأخذ أبعادا جديدة. وبالأخص بهجرة المسلمين الأتراك الذين جاءوا إلى ألمانيا طلبا للرزق، ولذا أخذت الهيئات والمؤسسات الدينية التي باشروا بتأسيسها أشكال المؤقتة.
وبعد تلك الفترة بعقدين تقريبا بدأت حياة المسلمين في ألمانيا تأخذ طابعا واضحا ومركزا. ويصل اليوم عدد المسلمين الذين يعيشون في ألمانيا إلى ثلاثة ملايين، الجزء الأكبر منهم هم من الأتراك. وبات المسلمون في ألمانيا اليوم يُشكلون جزءا من المجتمع لا سيّما في الولايات الغربية وأصبح من الطبيعي أن تهتم وسائل الإعلام الألمانية بقضايا اجتماعية تخص المسلمين وبالأخص الذين يعيشون منهم في ألمانيا.
حقوق الطبع، دويتشة فيلله 2004
ترجمة: وليد البسط