سد للاحتياجات أم امتصاص للضغوطات؟

بعد قرار إسرائيل تخفيف الحصار البري عن قطاع غزة والسماح بدخول مواد ضرورية كانت محظورة من قبل، يبقى التساؤل حول مدى إمكانية أن تسد هذه المواد احتياجات السكان وإعادة إعمار القطاع الذي تسيطر عليه حركة حماس. يوسف بوفجلين في قراءة لهذا القرار.

يقضي قرار الحكومة الأمنية الإسرائيلية بتخفيف الحصار المفروض على قطاع غزة بإدخال بعض التسهيلات على الطوق الأمني البري المفروض على قطاع غزة، فيما يبقى الطوق البحري دون تغيير. ويجمع المراقبون على أن القرار جاء نتيجة للضغوط الدولية التي مورست على حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عقب اعتراض البحرية الإسرائيلية قافلة مساعدات إنسانية كانت متجهة إلى القطاع، ما أدى إلى مقتل تسعة نشطاء كانوا على متن سفن "أسطول الحرية".

وقد شكل هذا الحادث ضغطا قويا على الحكومة الإسرائيلية بعد الانتقادات التي صدرت حتى من أقرب الأصدقاء بضرورة رفع الحصار عن القطاع وتخفيف معاناة المدنيين هناك. وبدورها وصفت السلطة الفلسطينية القرار الإسرائيلي بتخفيف الحصار بأنه "غير كاف"، فيما رأت حركة حماس فيه محاولة "للالتفاف" على القرار الدولي بكسر الحصار بشكل كامل عن قطاع غزة واصفة الإجراءات الجديدة بأنها عديمة الأهمية ومجرد دعاية إعلامية، على حد وصفها.

وبالرغم من أن القرار الإسرائيلي لم يوضح بشكل مفصل الإجراءات التي ستطبق في عملية إدخال السلع، كما لم يكشف عن قائمة بمنتجات بعينها، إلا أنه أكد أن الإجراء سيسمح لأول مرة منذ أربع سنوات بإدخال عدد من المواد الضرورية بالإضافة إلى توسيع قائمة المنتجات والسلع المسموح بإدخالها إلى القطاع لتشمل أيضا "المواد الضرورية لتنفيذ المشاريع المدنية الموجودة تحت إشراف المنظمات الدولية".

سد الاحتياجات

لكن يبقى السؤال الذي يطرح نفسه، إلى أي مدى يمكن للقرار الإسرائيلي أن يلبي احتياجات قرابة مليون ونصف مليون فلسطيني، يعتمد ثمانون في المائة منهم على المساعدات التي تصلهم من الخارج؟. اللجنة الفلسطينية التي تشرف على إدخال البضائع لقطاع غزة أكدت على لسان منسقها رائد فتوح "أن القائمة الجديدة للبضائع التي وافقت عليها إسرائيل تشمل كل المواد الغذائية ولعب الأطفال والأدوات المكتبية وأدوات المطبخ والمناشف" .

وقد أكد المحلل السياسي الفلسطيني طلال عوكل الذي يعيش داخل القطاع في حوار لدويتشه فيله أن "هذه المساعدات لن تغير شيئا في معاناة سكان القطاع باعتبار أن كل هذه المواد يتم تهريبها عبر الأنفاق التي تربط القطاع بمصر وهي متوفرة إلى حد ما في أسواق غزة". غير أن المحلل السياسي الإسرائيلي تسفاي بارال يرى أن الخطوة التي اتخذتها حكومة بلاده ستساعد الفلسطينيين في القطاع على تخطي الصعوبات التي يواجهونها في حياتهم اليومية، لاسيما في حصولهم على المواد الضرورية.

مواد البناء في يد الأمم المتحدة

وتستند الخطة على ما يبدو على تفاهم تم التوصل إليه في الأيام الأخيرة بين نتانياهو ومبعوث اللجنة الرباعية توني بلير، دعا إلى الانتقال من قائمة بالبضائع المسموح بها إلى قائمة بالسلع المحظور دخولها. وسيسمح بموجب هذه الخطة دخول المزيد من مواد البناء لاستخدامها في مشاريع البناء التي تشرف عليها الأمم المتحدة.
ويرى المحلل السياسي عوكل أن دخول الاسمنت ومواد البناء من خلال منظمات الأمم المتحدة سيسمح باستكمال بعض المنشآت التي توقف العمل فيها منذ أن فرضت إسرائيل حصارها على القطاع. غير أنه يؤكد أن "عملية إعادة بناء ما تم تدميره خلال الحرب الأخيرة غير وارد"، معللا ذلك بالقول بأن القرار الإسرائيلي يحصر توريد مواد البناء إلى القطاع بالأمم المتحدة فقط. وبدورها تقول إسرائيل إن استيراد الاسمنت ومواد البناء دون قيود يمكن أن يؤدي إلى وقوعه في أيدي حركة حماس لتستخدمه في إعادة تشييد بنية تحتية عسكرية وبناء المخابئ وتعزيز مواقع إطلاق النار والصواريخ.

تخفيف الحصار وعملية السلام

ويؤكد المحلل السياسي الإسرائيلي بارال في حديثه لدويتشه فيله أن "فرض الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة هو جزء من سياسة إسرائيل الأمنية مادامت حماس تصر على مواجهة إسرائيل". غير أنه أكد أن إسرائيل لم تحقق أهدافها بعد أربع سنوات من الحصار، لاسيما فيما يتعلق باسترجاع الجندي الإسرائيلي المختطف جلعاد شليط ولا حتى تحقيق الأمن لمواطنيها. وهو ما أكده أيضا المحلل السياسي عوكل بأن الحصار قد فشل في إثارة المواطنين داخل غزة ضد حماس، كما فشل في إجبار الحركة التي تسيطر على القطاع بتغيير سياساتها تجاه إسرائيل وقبولها عملية السلام القائمة على أساس الدولتين .

كما أوضح عوكل في الوقت ذاته أن القرار الإسرائيلي القاضي بتخفيف الحصار لا يغير شيئا في مستقبل عملية السلام شبه المجمدة، بينما يرى المحلل السياسي بارال أن القرار الإسرائيلي بتخفيف الحصار هو بادرة حسن نية يمكن استغلالها لتحريك عملية السلام بالرغم أن القرار في حد ذاته اتخذ بعيدا عن المساعي الدولية التي تهدف إلى دفع المفاوضات بين الفلسطينيين وإسرائيل.

يوسف بوفيجلين
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: دويتشه فيله 2010

قنطرة

تعليق حول العلاقات التركية الإسرائيلية بعد اقتحام "أسطول الحرية":
"حتى لا ينقلب السحر على الساحر...على أردوغان تفعيل دوره كرسول سلام"
يدعو المعلق السياسي الألماني كاي شريتماتر في تعليقه التالي رئيس الوزراء التركي أردوغان إلى عدم المبالغة في توجيه النقد لإسرائيل وتوظيف شعبيته الحالية في العالم العربي وثقله السياسي من أجل ممارسة الضغوط على حركة حماس ودفعها إلى تغيير نهجها السياسي والاعتراف بحق إسرائيل في الوجود.

العلاقة التركية- الإسرائيلية:
اختبار صعب أمام حلف متداع
تمر العلاقات بين تركيا وإسرائيل التي كانت توصف في السابق بالوثيقة بتحول كبير. ولا ترتبط هذه التحولات بالدرجة الأولى بالعملية العسكرية الإسرائيلية ضد "أسطول الحرية" المتجه إلى قطاع غزة، بل تعود إلى زمن أقدم، كما يرى توماس فوستر في تحليله هذا.

تعليق حول الهجوم على "أسطول الحرية":
"إسرائيل باتت تسير نحو عزلة خطيرة"
الهجوم الإسرائيلي على "أسطول الحرية" وردود الأفعال الدولية ينذران بأن إسرائيل في طريقها إلى عزلة خطيرة وأن التمسك بلغة القوة لن يسمح للإسرائيليين ببناء مستقبل لبلادهم يقوم على الديمقراطية والانفتاح وفق تعليق الصحفية بيتينا ماركس.