فرصة لإحياء عملية السلام
شكل رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية في 15 مارس (آذار) 2007 حكومة وحدة فلسطينية اعتمدها البرلمان الفلسطيني في 17 مارس (آذار) ببرنامج يرتكز على الاتفاق الذي عقد في مكة بناء على وساطة سعودية. هذا التطور يوجب على الإتحاد الأوروبي إنتهاز الفرصة لإنهاء عزلة السلطة الفلسطينية وإعادة الإستقرار ودفع عملية السلام الى الأمام. مقال كتبته مورييل أسيبورغ.
هيمنت على المناطق الفلسطينية في الشهور الأخيرة الماضية بصورة كاملة الصراعات المتزايدة عنفا بين حماس وفتح. وما فتئ الفلسطينيون يرزحون بالإضافة إلى ذلك منذ وصول حماس إلى سدة الحكم في مارس (آذار) 2006 تحت وطأة العزلة التي فرضتها عليهم السياسة الدولية أو على وجه التحديد السياسة الغربية والإسرائيلية مما سلب السلطة الفلسطينية قاعدتها المالية وأفرز ترديا دراميا في الأوضاع الإنسانية في تلك المناطق. من جانب آخر لم تنجح حماس في السيطرة على قواعد النظام والأمن هناك على نحو فعال.
حماس تصبح جزءا من منظمة التحرير
لكن الوساطة التي قام بها الملك السعودي نجحت بعد أن فشلت محاولات للتوفيق قامت بها أطراف إقليمية أخرى (على وجه خاص كل من مصر وسوريا) بغية تكريس الاتفاق بين فتح وحماس. فقد وافق طرفا النزاع في اتفاقية مكة المبرمة في الثامن من فبراير (شباط) 2007 الماضي على اللجوء إلى الحوار وروح الشراكة بديلا للعنف وكوسيلة لاحتواء النزاعات الداخلية الفلسطينية.
ثم تقرر في الأسابيع اللاحقة تشكيل حكومة للوحدة الوطنية كما عقد الاتفاق على أن تصبح حركة حماس في المستقبل جزءا من منظمة التحرير الفلسطينية بحكم كونها الممثل الشرعي الوحيد لكافة الفلسطينيين وأن يكون لهذه الحركة تمثيل يتناسب مع وزنها في منظمة التحرير.
لا ترد مسألة إخضاع الحكومة الفلسطينية إلى الشروط الموضوعة من قبل اللجنة الرباعية لاستئناف التعاون مع الجانب الفلسطيني (الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود كدولة وبالاتفاقيات المبرمة حتى الآن بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية والتخلي بصورة عامة عن استخدام العنف) في اتفاق مكة وفي برنامج حكومة الائتلاف الجديدة إلا بصورة غير مباشرة.
اتفاق مكة وبرنامج الحكومة الجديدة
مع ذلك فان البرنامج الحكومي يشدد على أن حكومة الوحدة الوطنية تستند في عملها على القرارات الصادرة عن المجلس الوطني الفلسطيني وعلى القانون الأساسي الفلسطيني ووثيقة المصالحة الوطنية الفلسطينية وقرارات جامعة الدول العربية وعلى المعاهدات والاتفاقيات التي سبق أن وقعت عليها منظمة التحرير الفلسطينية.
تكمن أكبر مظاهر النجاح التي حققها اتفاق مكة في كونه قد أنهى الآن سفك الدماء نتيجة للنزاعات المشتعلة في الداخل، لكنه لم يتجاوب حتى الآن مع الآمال المعقودة عليه من قبل المجموعة الدولية.
كما أنه ليس متوقعا أن تلجأ حكومة الائتلاف الفلسطينية إلى اعتماد الشروط التي فرضتها عليها اللجنة الرباعية على نحو صريح علني. فحركة حماس وإن أبدت استعدادها للاعتراف بالواقع العملي لوجود إسرائيل والعمل على إيجاد تسوية مبنية على قاعدة الحدود القائمة قبل اندلاع حرب 1967 إلا أنها ترفض الاعتراف بوجود شرعية أخلاقية لدولة إسرائيل.
الإعتراف المشروط
على الرغم من ذلك فإن البرنامج الحكومي يشكل نقطة انطلاق جيدة. فمن خلال استناد الحكومة في البرنامج على عدة وثائق مبرمة فإنها تكون قد التزمت بالأطر التي كرستها الاتفاقيات المبرمة في أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية وبالتسوية المبنية على فكرة الدولتين (قرارات المجلس الوطني الفلسطيني وعلى وجه خاص بيان إعلان الاستقلال عام 1988) وأخيرا بالاعتراف المشروط بإسرائيل (وفقا للمبادرة السلمية الصادرة عن الجامعة العربية في عام 2002).
يشدد البرنامج الحكومي أيضا على كون رئيس المنظمة ورئيس السلطة الفلسطينية في آن واحد هو صاحب الاختصاص إزاء المفاوضات مع إسرائيل على أن تطرح نتائج المفاوضات في حالة إجرائها للتصويت عليها من قبل المجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية وللاستفتاء الشعبي أيضا. كما أن البرنامج الحكومي يتضمن عرضا بتكريس وقف شامل ومتبادل لإطلاق النار بين الجانبين والعمل سريعا على إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي غيلاد شاليت.
إحتمالات النجاح
تتوفر لحكومة الائتلاف الكبير التي تضم بالإضافة إلى ممثلين عن حماس وفتح أعضاء من كل من الطريق الثالث والجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين وحزب الشعب الفلسطيني والمبادرة مبدئيا وبحكم القاعدة الشعبية الواسعة التي تملكها لدى السكان الفلسطينيين عوامل مواتية لترجمة سياستها على نحو فعال على أرض الواقع.
على الرغم من ذلك لا توجد ضمانات بكون معادلة توزيع السلطة هذه ستكلل بالنجاح. فالتحديات ستكون في جميع الأحوال كبيرة للغاية نظرا للاختلافات القائمة بين أطراف الائتلاف في المجالين السياسي والمجتمعي.
أصعب هذه التحديات المحتملة هو ضم حماس إلى منظمة التحرير الفلسطينية واتخاذ إصلاحات شاملة داخل المنظمة وتحقيق مصالحة على مستوى القاعدة الشعبية بعد اندلاع المشاحنات المسلحة بين حماس وفتح وأخيرا نزع السلاح من المليشيات أو دمجها في قوات الأمن.
تحديات تواجه اللجنة لرباعية
يتعين على اللجنة الرباعية للشرق الأوسط أن تستوعب عملية تشكيل الحكومة الجديدة على أساس أنها تشكل فرصة مواتية لاستئناف الحوار والتعاون مع السلطة الفلسطينية ومنطلقا لاستئناف مساعي الوساطة بين إسرائيل والفلسطينيين.
هنا يتطلب الأمر من الاتحاد الأوروبي أن يتصدر مثل هذه المبادرة وأن يقوم ، نظرا لأن برنامج الحكومة الفلسطينية يتجاوب إلى أبعد حد مع المبادئ التي تتبناها اللجنة الرباعية، بإنهاء العزلة السياسية المفروضة على السلطة الفلسطينية واستئناف التعاون معها وفقا للقرار الصادر عن المجلس الأوروبي (مجلس رؤساء دول وحكومات الدول الأعضاء) في ديسمبر (كانون الأول) 2006.
كما يتعين في سياق القرار الذي قد يصدر حول حجم التعاون مع السلطة الفلسطينية أن تكون الأولوية للتحقق عما إذا كان التخلي عن استخدام العنف قد بات أمرا واقعيا ثابتا أي التأكد من الجهود المبذولة من قبل الحكومة الفلسطينية للوصول إلى اتفاق بشأن وقف إطلاق النار وتطبيقه على نحو فعال. لكن هذه الجهود لا يمكنها أن تكلل بالنجاح ما لم تلتزم إسرائيل أيضا باتفاق وقف إطلاق النار.
تقوية مركز الرئيس
لا يمكن إلا من خلال التعاون مع السلطة الفلسطينية الحيلولة دون تواصل انهيار هياكل السلطة وبالتالي منع تسلسل عناصر جهادية إلى الساحة الفلسطينية والعمل على تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في المناطق الفلسطينية على نحو ثابت فعال واستئناف مفاوضات السلام.
من المستحب تقوية مركز الرئيس الفلسطيني أو غيره من القوى المعتدلة على حد سواء. لكن هذا الأمر لا يتحقق من خلال التعاون معه ومع هذه القوى فحسب أي من خلال المرور مر الكرام على حماس. كما أن نية البيت الأبيض برفع معدل تسليح قوات الرئاسة إلى أقصى درجة ليست كفيلة بالوصول إلى الأهداف المنشودة المشار إليها.
إن تعزيز شرعية الرئيس عباس وتقوية قدرته على صنع القرار السياسي في إطار المعطيات الجديدة يتطلبان الانطلاق من نقطتين رئيستين هما:
أولا: تحسين آليات إدارة الحكم. هنا يتطلب الأمر من الأوروبيين تقديم أنماط من الدعم لا تكون مبنية على اعتبارات المصلحة السياسية بل على الشفافية والطرق الديموقراطية وآلية التدقيق والتوازن checks and balances.
خريطة أهداف
يشمل ذلك توحيد القوى الأمنية وجعلها تخضع كلها لوزارة الداخلية ونزع الأسلحة من المليشيات بغض النظر عن انتمائها لأي طرف من الأطراف والعودة لاعتماد موازنة مالية منتظمة مما يعني أن تقدم الإمدادات المالية عن طريق وزارة المالية وتحت إشراف البرلمان وتوزيع الصلاحيات بصورة واضحة بين الرئيس ورئيس الوزراء. كذلك يتطلب الأمر قيام فتح بعملية إصلاح داخل تنظيمها بهدف جعله طرفا سياسيا يتسم بمهنية الأداء ويكسبه بالتالي شعبية سياسية.
ثانيا: الدخول مجددا إلى عتبات عملية سلام تضم في ثناياها عنصرين هما اتخاذ خطوات محددة نحو خلق الثقة (توسيع نطاق اتفاق وقف إطلاق النار، الإفراج عن الرهينة الإسرائيلية وعن المعتقلين الفلسطينيين، إعادة صرف المستحقات المالية وفقا لبروتوكول باريس، تطبيق اتفاقية حرية التحرك والانتقال المبرمة في نوفمبر /تشرين الثاني 2005 ، وقف الاستيطان الخ.)، وربط هذه الخطوات بـ "أفق سياسي" أي من خلال الاتفاق على العناصر الرئيسية للوضع النهائي بصيغة "خريطة أهداف".
لن يتحقق مثل هذا الهدف دون مشاركة الولايات المتحدة الأمريكية. لهذا كان من الضروري بذل جهود حثيثة بهدف إقناعها في هذا السياق. وهنا يمكن للإتحاد الأوروبي أن يجد شريكا له في شخص وزيرة الخارجية الأمريكية التي تطالب بنفسها بالوصول إلى مثل هذا "الأفق السياسي". لكن لا ينبغي على الاتحاد الأوروبي في أي حال من الأحوال أن يسمح للولايات المتحدة بخنق الفرصة المواتية النابعة من هذه البداية الجديدة لا سيما وأن من شأن ذلك أن يتناقض مع القناعة القائمة لدى الاتحاد بهذا الصدد.
مورييل أسيبورغ
ترجمة: عارف حجاج
© مورييل أسيبورغ / قنطرة 2007
مورييل أسبورغ رئيسة "وحدة الشرق الأوسط وأفريقيا" في "المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية" في برلين
قنطرة
سياسات الاتّحاد الأوروبي تحول دون تحقيق الأهداف المرجوّة
تنتقد مورييل أسبورغ، الباحثة في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، السياسة التي انتهجها الاتحاد الأوربي حيال الحكومة الفلسطينة المنتخبة والتي انعكست سلبيا على الديموقراطية في المناطق الفلسطينية.
الصراعات الفلسطينية الداخلية
يحذر مدير مؤسسة هاينريش بول الألمانية من تعليق آمال كبيرة على تشكيل حكومة فلسطينية موحدة التي قد تستطيع في أحسن الأحوال خلق فترة هدوء في الخلافات الفلسطينية الداخلية.