الحرب العالمية الثانية وحرب العراق - هل من مقارنة؟

استخدم الرئيس الأمريكي هذا التشبيه قبل بداية الحرب على العراق ويستخدمها الآن للمرة الثانية، ولكن لا ينطبق ذلك على الوضع السياسي في الشرق الأوسط حسب رأي الصحفي بيتر فيليب

ها هو التشبيه يعود ثانية – ذلك التشبيه الذي استخدمه جورج بوش قبل حرب العراق: إن الحرب على صدام حسين وعلى الإرهاب تشبه الحرب العالمية الثانية. آنذاك اعتقد أعداء الولايات المتحدة الأمريكية أنهم سينتصرون، وهاهم يعتقدون ذلك اليوم أيضا. ولكن الولايات المتحدة ستبرهن – كما برهنت آنذاك - أن النصر حليفُها. ستواصل الولايات المتحدة حربها بعزم وإصرار، ولن تهدأ حتى تهزم أعداءها.

هذه الكلمات الحماسية تتناسب بالطبع مع ذكرى يوم الإنزال عام 1944 عندما قام الحلفاء بتحرير أوروبا من الاحتلال النازي، وهي تتناسب أيضا مع المعركة الانتخابية التي يخوضها الرئيس بوش. لكن تلك الكلمات لا تستقيم مع الواقع السياسي. إن الحادي عشر من سبتمبر/أيلول لا يمكن أن يقارن بمعركة بيرل هاربر، كما لا يمكن مقارنة الجماعات الإرهابية الملتفة حول اسامة بن لادن بألمانيا النازية. بل حتى نظام صدام حسين لا يمكن مقارنته مع نظام أدولف هتلر.

مع كل الرفض للإرهاب الدموي الذي تمارسه القاعدة، فإنها لا تغزو بلادا أجنبية، ولا تبيد شعوبا، ولا تخوض حروبا بالمعنى التقليدي للكلمة، لا مع الولايات المتحدة ولا مع أي بلد آخر، ولا حتى مع إسرائيل التي يعتبرها أنصار القاعدة عدوهم اللدود. ما تمارسه القاعدة هو الإرهاب الذي مارسته جماعات أخرى في أماكن أخرى، وكما ستمارسه أيضا في المستقبل جماعات أخرى. الاختلاف هو أن الفعالية الإجرامية لتنظيم القاعدة أكبر من نظرائه. هذا هو التحدي الذي يواجه بلادا عديدة، وليس فقط الولايات المتحدة. ولكن هذا لا يمثل "حربا". وبالوسائل العسكرية وحدها لايمكن مواجهة هذا الإرهاب مواجهة شاملة. هذا ما أظهرته الحالة الأفغانية بكل وضوح.

ونظام صدام حسين؟ ربما كان يحق لبوش الأب أن يقارن عملية تحرير الكويت بالحرب العالمية الثانية. ولكن بوش الابن يشن حربا على عراق لم يحتل بلدا، ولم يظهر حتى اليوم دليل على أنه كان يحوز أسلحة دمار شامل تهدد جيرانه.

يبقى سؤال الديمقراطية والحرية. بالطبع كان اشتراك الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية بداية لتحرير أوروبا التي احتلها النازيون. ولكن هذا لايمكن مقارنته بالشرق الأوسط: فالمحتل الوحيد هنا اسمه إسرائيل، وهذا البلد يمثل – على الأقل على أرضه – الديمقراطية الوحيدة في المنطقة. أما بقية البلاد فتعاني من استبداد حكامها. اللذين لن يفكروا في منح شعوبهم مزيدا من الحرية لمجرد سقوط صدام حسين. على العكس. إن ما حدث في العراق منذ القبض على صدام يعتبر ضمانا لهم أن واشنطن لن تخوض حروبا أخرى في المنطقة.

بعد عام من الحرب على العراق وبعد تعيين حكومة انتقالية لا تزال الديمقراطية بعيدة تماما عن العراق. من هذه النقطة يخطئ جورج بوش. أو يقودنا إلى خطأ كبير عندما يساوي بين التحرير والديمقراطية. وستكفي نظرةٌ في كتب التاريخ لتأكيد ما نقول: فمازال الألمان يتحدثون حتى اليوم عن الهزيمة والاستسلام، لا عن التحرير. هذا بالرغم من أن ألمانيا تحولت إلى ديمقراطية منذ سنوات بعيدة. هذه العملية استغرقت في ألمانيا وقتا طويلا. فهل يحدث كل ذلك في العراق بين عشية وضحاها؟ بلا أي تراكم ديمقراطي، وبدون سياسيين ذي حنكة وماض نزيه؟ على الرئيس الأمريكي أن يعلم أن هناك أشياءً لا تقبل المقارنة.

بقلم بيتر فيليب، دويتشه فيلله 2004

ترجمة: سمير جريس