ما يقوله المسلمون البريطانيون قد يشكل صدمة- ولكن بعضه لا يخلو من الصحة

يدعو الكاتب البريطاني تيموثي غارتون أش إلى احترام تساؤلات المسلمين البريطانيين الشباب عن المجتمع البريطاني العلماني والبعيد عن الممارسات الدينية وعدم الوقوع في فخ الأحكام المسبقة

كانت السنة الماضية محبطة لكل من اعتقد وتمنى مثلي ان الطريقة البريطانية في ادماج المواطنين المسلمين أجدى من تلك التي تتبعها فرنسا، خصوصاً بعد صدمة تفجيرات لندن في السابع من تموز/يوليو 2005 التي نفذها شباب مسلمون ولدوا وتعلموا في بريطانيا.

لدينا الآن نتائج استطلاعين حديثين للرأي، وفيلما تلفزيونيا وثائقياً ممتازاً لبرنامج جون سنو على القناة الرابعة، وتحذيرات كئيبة لشرطي مسلم ذو مركز مرموق. جميعها تحمل نفس الرسالة: ان شعور معظم الشباب المسلم في بريطانيا بالعزلة عن البلد الذي يعيش به ليس أعمق من شعور أبويه فحسب – وذلك صحيح لدى المسلمين من العائلات المهاجرة في جميع أنحاء أوروبا – بل ان شعور اللائنتماء في بريطانيا أكثر حدة منه في فرنسا.

أين الوطن؟

في استطلاع في اطار الفيلم الوثائقي للقناة الرابعة أشار نصف البريطانيين المسلمين فقط الى بريطانيا على أنها "وطني"، بينما أشار اليها ربعهم تقريباً على أنها "وطنهم" – قاصداً أحداً آخر. كلما صغر سن المجيب، كلما كان شعوره بالغربة والعزلة أعمق. وما يبعث على الخوف أن واحد من ثلاثة بريطانيين مسلمين في سن يتراوح بين الثامنة عشرة والرابعة والعشرين يفضل العيش في ظل الشريعة الاسلامية أكثر منه في ظل القانون البريطاني.

وفي استطلاع أجراه مركز "بو" للأبحاث على المسلمين في جميع أنحاء العالم تبين أن نسبة مفجعة وقدرها 81% من المسلمين البريطانيين يشعرون بأنهم مسلمين بالدرجة الأولى وأنهم مواطنين تابعين لبلدهم بالدرجة الثانية.

هذه نسبة أعلى من مثيلتها في الأردن أو مصر أو تركيا ولا يزيد عليها سوى في باكستان حيث تصل النسبة الى 87%. وعلى النقيض في فرنسا حيث تشعر نسبة 46% فقط بأنهم مسلمين في الدرجة الأولى مقارنة بـنسبة 42% يعتبرون أنفسهم مواطنين في المقام الأول.

لماذا؟ اليكم بعض التفسيرات الممكنة، لا ينفي أحدها الآخر. ربما كان الأمر يتعلق باختلاف البلاد التي ينحدر منها كل من مسلمي بريطانيا وفرنسا. ربما يفسر ذلك ان البلد الوحيد الذي تزيد نسبته في استطلاع الرأي عن بريطانيا هو باكستان، ومن أين يأتي معظم المسلمين البريطانيين؟

حسناً، حوالي النصف تعود جذورهم إلى باكستان، بينما ربع مليون آخرين ينحدرون من أصول هندية أو بانغلاديشية، بالاضافة الى ان عددا كبيرا منهم يأتون من منطقة واحدة، من كشمير.

هل هناك أبحاث عن النزعات الدينية في كشمير وباكستان والاسلام في جنوب آسيا وطريقة استجابتها للتفاعل مع الثقافة الأوروبية المضيفة مقارنة بالاسلام في المغرب العربي الذي يأتي منه معظم المسلمين في فرنسا؟

السياسة الخارجية

بريطانيا كانت أشد حلفاء بوش في الحرب على الارهاب على الطريقة الأميركية والذي يعتبرها معظم المسلمين انها حرب على الإسلام. بينما وضعت فرنسا نفسها في معسكر المعارضة للحرب على الارهاب ابتداءً من الحرب على أفغانستان مروراً بالعراق وصولاً الى لبنان حالياً وتعاملت مع المسلمين اجمالاً والعرب على وجه الخصوص كصديق.

ثمة دليل قاطع الآن على أن سياسة بلير الخارجية وخصوصاً فيما يتعلق بدور القوات البريطانية في أفغانستان والعراق قد ساعدت بشكل واضع على تعزيز شعور الغربة والعزلة لدى المسلمين البريطانيين عامة ولدى الشباب والمتعلمين على وجه الخصوص.

وفي استطلاع أجرته القناة الرابعة يؤيد ثلث الشباب البريطاني المسلم الاقتراح القائل ان "تفجيرات أيلول كان مبررة بسبب دعم بريطانيا للحرب على الإرهاب". هذه نتيجة مروعة.

بالمقابل هذا لا يعني ان سياسة بلير الخارجية كانت خاطئة كلياً، فعلى سبيل المثال أعتقد أن التدخل في أفغانستان كان مبرراً كلياً، إذ أن معقل شبكة القاعدة الإرهابية التي دمرت البرجين كان في ذلك البلد.

المحزن هو انه بدلاً من تكريس مواردنا لإعادة بناء أفغانستان سارعنا الى حرب جديدة اختارها المحافظون الجدد وأدى الأمر إلى فشلين دمويين بدلاً من نجاح محتمل. ولكن مهما كان المفهوم عن السياسات بتفاصيلها فإنها لا شك أثارت غضب الشباب البريطاني المسلم.

كيف تصبح بريطانيا؟

كنت اعتقد ان طبيعة البريطانيين غير المعقدة والفضفاضة وعدم تطلبهم ان يكون المهاجرون نسخة طبق الأصل عنهم، هذا سيساعد المهاجرين على الشعور بالراحة وكأنهم في وطنهم. أصلاً ما المطلوب عادة لتصبح بريطانيا؟ القدرة على الحديث عن حالة الطقس باسترسال مبالغ به، ان تكون مستعداً لعدم التدخل بشؤون الآخرين، عش ودع غيرك يعيش، ميل عام لطاعة القانون بطريقة او بأخرى. ربما اهتمام لا بأس به بالعائلة المالكة أو كرة القدم او الكريكيت.

الفكرة الأصلية للحديث عن أنفسنا كــ "مواطنين" كانت تبدو للبريطانيين مبهمة وغريبة – تحديداً فرنسية ولذا ليست محبذة. ولكن ربما هوية مواطنة قومية ذات مطالب كثيرة مثل تلك التي تطلبها الجمهورية الفرنسية، قد يكون لها حسناتها في تعزيز شعور الانتماء، (ان كنا نستطيع تغيير ذلك بتشجيع من الدولة البريطانية او بمنح المواطنة فهذا أمر مختلف، ولكني اعتقد ان الكثير يجب انجازه في المدارس).

وسبب آخر محتمل هو ان بريطانيا اليوم من أكثر المجتمعات الأوروبية تحررا خصوصاً بين الشباب البريطاني في المدن، حيث يعيش معظم البريطانيين المسلمين. نحن أكثر الشعوب شرباً للكحوليات وأكثرهم نوماً هنا وهناك ونعيش أقل مدة في اطار عائلة تقليدية، كما أننا أقل صلاة من أي شعب في العالم.

من الواضح مما يقوله الشباب البريطاني المسلم بأنفسهم ان أفعالهم جزء من ردة فعل على طريقة الحياة العلمانية واللادينية والمتفككة. اذا كانت قيمة المرأة تتقلص لتكون اداة جنسية، فحينها تقول النساء المسلمات انه من الأفضل ارتداء الحجاب. رأيهم هذا يُعبر عن نوع من الأنوثة المحافظة. انه بالتأكيد نوع من الانتقاد المحافظ لبعض جوانب المجمتع البريطاني، خصوصاً الجانب المتعلق بجيلهم في محيطهم المتمدن حيث يقطنون.

اختلاف في الرأي بين الفتيات والشبان

الانتقاد متعدد الوجوه. نصف الذين اشتركوا في استطلاع الرأي في برنامج القناة الرابعة يعتقدون ان الفتيات المسلمات لهم حرية الاختيار في ارتداء الحجاب في المدرسة. حوالي ثلت المشاركات شعرت ان ثمة صحة في الاعتقاد السائد ان الإسلام يعامل المرأة كانسان من الدرجة الثانية، (الرجال يختلفون معهم بالرأي مما يثير لدي بعض التساؤلات). بينما الأغلبية تعتقد ان المجتمع البريطاني يعامل المرأة بكل احترام.

مهما كانت الأسباب لهذه العزلة فعلينا التخلص من النظر الى المسلمين البريطانيين من خلال الحدثين المسيطرين حالياً: الإرهاب والتخلف. علينا البدء بسؤال أنفسنا عن كيفية حماية المسلمين من ان يصبحوا إرهابيين؟ سؤال معقول جداً، ولكن إن اصبحت تلك هي الطريقة السائدة للنظر الى المسلمين البريطانيين (مسلم يعني ارهابي محتمل) فان ثمة خطر في ان نساهم في تعزيز الهدف الذي نريد تجنبه.

السؤال الآخر هو كيف نساعد هؤلاء الناس في الاندماج بطريقة أفضل في مجتمعنا المتحضر المتحرر العلماني؟ وهنا المعادلة المبطنة: الحجاب يعني التخلف.

الفكرة أن الشباب البريطاني المسلم قد يشارك في أمور تتعارض مع مجتعنا المتطور المتقدم المتحرر العلماني، او ان ثمة عقلانيين قد يختارون بملء ارادتهم العيش بطريقة مختلفة مقيدة ظاهرياً، هذه الأفكار لا تظهر في الخطاب اليومي التقدمي، إلا أنه يجب ان تكون جزءا منه.

الحديث الواضح للمسلمين البريطانيين كما تم عرضه في الفيلم الوثائقي لجون سنو على القناة الرابعة وحديثهم في المجلات مثل كيو- نيوز وايمل لا يخبرنا فقط نحن البريطانيين غير المسلمين عن أنفسهم، بل أيضاً عن أنفسنا.

بقلم تيموثي غارتون آش
ترجمة منال عبد الحفيظ شريده
حقوق الطبع قنطرة 2006

صدر المقال في صحيفة غارديان.

قنطرة

اتساع الهوة الثقافية بين المسلمين والأوروبيين
في دراسة قام بها معهد بيو الأمريكي المرموق تبين أن الثقة بين المسلمين والأوروبيين آخذة في التراجع. نتائج الدراسة غير المتوقعة أذهلت الخبراء، فرأي الألمان في المسلمين أكثر سلبية من دول أخرى وقعت فيها اعتداءات إرهابية.

أوروبا بحاجة إلى مواطنة عادلة مشتركة للجميع
تعكس النظرة الأوروبية الى المهاجرين من الجزائر وتركيا والباكستان والعراق أو دول أخرى على انهم ينتمون الى "طائفة مسلمة" متجانسة رؤية جوهرية واستعمارية جديدة ل "الغير" التي تحمل عواقب سياسية سلبية، حسب رأي حازم صاغية وصالح بشير