خيار شخصي أم رمز لإضطهاد المرأة؟

تشهد بريطانيا منذ فترة جدلا واسعا حول الحجاب: هل هو رمز لحق المرأة في اختيار زيها أم أنه دليل اضطهادها؟ تقرير كتبه ديفيد شاريتمادري حول هذه القضية المثيرة للجدل حتى بين المسلمين أنفسهم.

بدأ الجدل الذي أثاره وزير الخارجية الأسبق، جاك سترو في الخامس من (تشرين الأول) أكتوبر من هذا العام يخمد قليلاً، بعد أن كان سترو قد صرح لإحدى الصحف انه طلب من نساء متدينات في الاجتماعات الدورية لدائرته الانتخابية خلع نقابهن، مما أثار شرخاً اجتماعياً فيما كان هو يحاول ان يدفع بنفسه الى دائرة الضوء السياسية.

الحجاب رمز لسيطرة الرجل

إلا أن ما لمسناه في أصوات الناس الذين أجريت معهم المقابلات في الصحف والذين ظلوا يهاتفون البرامج الاذاعية عبر عما كان يكنه الكثير من الشعب البريطاني منذ فترة، حيث يبدو ان تعليقات سترو كانت مجرد حجة للتفريج الجماعي عن النفس.

لقد تمحور الجدل حول موضوع ما إذا كان الحجاب وسيلة لسيطرة الرجل على المرأة ام انه خيار تم بمحض ارادة سيدات متدينات؟

يقول البعض ان الحجاب كان منذ الأزل وسيلة للتعبير عن ميل الرجل للسيطرة والبطولة، وهذا كل ما يمثله. لا يوجد في القرآن ما يدل على تحديد شكل لباس المرأة، لذا قرر الرجال ذلك بأنفسهم جاعلين أنانيتهم وازدواجية شخصيتهم تسيطر عليهم. وهل من طريقة أفضل للسيطرة على المرأة من تغطيتها من رأسها الى أخمص قدميها بثوب ثقيل، مما يُشير إلى فقدان قدرتها على اتخاذ القرار؟

الحجاب والتخلف

إلا أن الحجاب منتشر على نحو كبير في المناطق الريفية والمجتمعات الأقل تطوراً حيث لم تمر النساء بمرحلة التحرير التي عرفتها النساء البريطانيات قبل قرنين من الزمن. وكما تلاشى كل ما تبقى من ذلك الزمن عندما كانت النساء مجرد أشياء مملوكة لا صوت لهن فلا بد أن يتلاشى الحجاب أيضا يوماً ما.

في الوقت نفسه ثمة من يقول إن الحجاب خيار إيجابي، خيار يسمح لهن باستعادة شعورهن بالذات وسط مجتمع فشل في النظر الى ما يقع خلف المظاهر المجردة. بالطبع هناك حرية الخروج بدون حجاب، ولكن ماذا عن التحرر من التفكير في مظهر الشعر والتبرج، التحرر من نظرات العيون الثاقبة في عالم مُتيم بالجمال؟

علامة على الولاء الديني

وبما ان الحجاب صار رمزا اسلاميا، فانه يُعبر أيضاً عن الولاء الديني ويحمل نفس المعنى الذي يحمله رداء الراهبة أو الراهب. لا أحد يجرؤ حتى ولو في منامه ان يطلب من راهبة كاثوليكية خلع ردائها، إذن لماذا يُطلب من المرأة المسلمة ذلك؟ أم أنه مجرد نفاق لاذع؟

وجهة النظر الأولى هي الأكثر شعبية بين الطبقة المتوسطة المتحررة ذات البشرة البيضاء. أما الثانية فهي منتشرة بين مسلمات الجيل الثاني اللواتي يعبرن عن رأيهن بصوت عال.

حسناً! لا يمكن أن تكون كلتا وجهتي النظر صحيحتين. أي من المجموعتين يخادع نفسه يا ترُى؟

نوعان من الحجاب

في الواقع كلتا الجهتين على حق، ولكنهما تشيران الى ظاهرتين مختلفتين. يوجد في بريطانيا اليوم نوعان من الحجاب. أولاً هناك بلا شك نساء يتمنين إلقاء جلابيبهن جانباً لو لا منع أزواجهن أو أخوانهن أو آبائهن لهن. قد يكن مهاجرات حديثات العهد يعتمدن على العائلة ولغتهن ضعيفة ولا أمل لهن بالاعتماد على أنفسهن. أو أنهن بنات مهاجرين من عائلات محافظة. لا بد ان يكون لدى هاته النساء الحرية للقيام بما يردن. كل ما يسعنا هو ان نأمل بأن يتناقص مع مرور الزمن عدد اللاتي يعانين من القيود.

ثانياً: هناك نساء عشن في بريطانيا طيلة حياتهن ولكنهن قررن ارتداء الحجاب حديثاً. وعادة ما يكون لديهن أمهات أو أخوات غير محجبات. هذا النوع من النساء محنك في تعبيره المرتبط بعمر الشباب. إنهن نساء مستعدات للانقضاض عليك اذا ما جرؤت على القول انهن ضحايا اضطهاد.

انهن لا يكذبن عندما يقلن ان الحجاب اختيارهن. انه اختيار شائع في الفترة الأخيرة كردة فعل على شعور المسلمين بانهم مكروهون وملامون. سمها ان شئت تداعيات الحادي عشر من سبتمبر أو حرب العراق أو أي اسم تريد.

ردة فعل ثقافية

إنه ردة فعل أصلاً وفي هذه الحال يأخذ الحجاب معنى ثقافياً مختلفاً تماماً. مع ان الحجاب في بعض الدول الأم قد يكون رمزاً للتخلف والفقر كما هو الحال في القاهرة واستانبول وحتى في طهران، حيث الحجاب من الرأس حتى أخمص القدمين من مزايا الطبقة الاجتماعية السفلى، إلا أنه في هذا السياق يدل على عدم الانصياع والفخر والمقاومة السياسية.

من الخطأ تطبيق نفس المعطيات على المجموعتين، الأولى مستضعفة والثانية واقعة تحت تأثير الظروف السياسية. علينا تجنب ذلك ان أردنا نوعاً من النقاش المجدي.

عزلة المسلمين

لم يتذمر جاك سترو من الحجاب على أنه رمز للاضطهاد ولكن لأنه أظهر ما يفصل طبقات المجتمع عن بعضها الآخر. ربما يكون هذا صحيحاً ولكن ما هو صحيح أيضاً ان سياسة الحكومة خلال "الحرب على الارهاب" ادت الى تنامي شعور العزلة لدى الكثير من المدافعين عن إرثهم الثقافي. القليل من الناس فقط يرد على الشر بالاختفاء والتقوقع. أما التصرف الطبيعي للأغلبية فهو تجنيد انفسهم للقبيلة التي تعرضت للاساءة تعبيراً عن دفاعهم عنها.

بالنسبة للرجال قد يكون هذا التعبير عن طريق اطلاق لحاهم وارتداء اللباس التقليدي، لباس أجدادهم. أما النساء فيعبرن عن ذلك عن طريق الحجاب. في كلتا الحالتين ينبغي على الطبقة السياسية التي ينتمي اليها جاك سترو تفهم الأسباب النفسية المؤدية لهذا التحول ومن ثم عليها تقبل بعض اللوم.

بقلم ديفيد شاريتمادري
ترجمة منال عبد الحفيظ شريده
حقوق الطبع OpenDemocracy 2006

قنطرة

الجدل حول الحجاب
مناقشات حامية تدور حول اللباس الإسلامي للمرأة، ليس في المانيا فقط بل في أوربا والعالم الإسلامي أيضا. نقدم في الملف التالي خلفيات ومواقف مختلفة وأمثلة من دول شتى