كم الأفواه بدل البحث عن الحقيقة التاريخية

يرى برنارد شميد أن القانون الذي سنته فرنسا حول إنزال عقوبات بمن ينكر الإبادة الجماعية التي تعرض لها الأرمن في تركيا في أواخر أيام الحكم العثماني له علاقة بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية الفرنسية التي ستجرى في خريف العام القادم. تقرير كتبه برنارد شميد من باريس.

تمّ قبل أيام في الجمعية الوطنية الفرنسية التصويت على مشروع قانون يدور حوله خلاف. حيث تغيّب الكثير من النوّاب الفرنسيين عن حضور جلسة التصويت على مشروع القانون، بينما أيّده مائة وستة نواب وعارضه تسعة عشر نائبًا. إذ طالب المعارضون الإشتراكيون الديموقراطيون بسنّ قانون يعاقب إنكار المذابح الجماعية التي ارتكبها عسكريون وقوميون أتراك بحقّ الأرمن في الفترة من عام 1915 حتّى عام 1917، بدفع غرامة مالية تصل الى خمسة وأربعين ألف يورو والسجن لمدّة تصل إلى عام واحد.

من ناحيتها اعترفت فرنسا رسميًا من خلال قانون صدر في الـ29 من كانون الأوّل/يناير 2001 بالمذابح الجماعية وبعمليات الإبادة الجماعية العرقية التي اقترفت بحقّ الأرمن في الحرب العالمية الأولى. لكن كانت تقع من فترة لأخرى بعض الاشتباكات بسبب نشاط القوميين الأتراك. ففي الـ18 من شباط/فبراير 2006 تظاهر في مدينة ليون الفرنسية حوالي ثلاثة آلاف من المهاجرين الأتراك والمواطنين الفرنسيين ذوي الأصول التركية، تترأّسهم قوى يمينية متطرّفة.

نظمت تلك المظاهرة بهدف الاحتجاج على تدشين نصب تذكاري أُقيم في تلك المدينة من أجل الضحايا الذين سقطوا 1915. بيد أنّ المتظاهرين الأتراك تعرّضوا لهجوم من قبل طلّاب فرنسيين كانوا يتظاهرون في نفس المكان لأسباب أخرى.

شيراك ضد القانون

بقيت فكرة الحاجة إلى سنّ قانون ثانٍ يؤدي الى الاعتراف الصريح بالإبادة الجماعية العرقية مع قوانين جزائية محل خلاف حاد في فرنسا. ففي بداية هذا العام تقدّم الحزب الإشتراكي المعارض بطلب من أجل إصدار مثل هذا القانون.

بيد أنّ الرئيس الفرنسي جاك شيراك ورئيس البرلمان المقرّب منه جان-لويز دبريه عارضا هذا المشروع، إذ أنّ شيراك يؤيِّد دخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي على عكس بعض الأجنحة السياسية الفرنسية الأخرى. وهو يخشى لذلك من التعرّض لصعوبات. كان من المفترض أن يتم في الـ18 من أيار/مايو عقد جلسة نيابية في الجمعية الوطنية الفرنسية لمناقشة مسوّدة القانون. ولكن رئيس البرلمان جان-لويز دبريه حال دون عقدها، وذلك بواسطة تنظيمه الحذق لجدول أعمال البرلمان بحيث لم يبق معه وقت لعقد تلك الجلسة.

ولكن الجناح الإشتراكي الديموقراطي الذي دعم مشروع هذا القانون بقي متمسِّكًا برأيه. ثمّ بدأت الأمور تتفاقم لأسباب من بينها أيضًا أن بعض السياسيين اليمينيين بدأ بالتحمّس لمشروع القانون. ففي الـ24 من تمّوز/يوليو وجّه وزير الداخلية الفرنسي نيكولا ساركوسي - وهو المرشّح المحافظ لرئاسة البلاد والمنافس الأكبر لجاك شيراك في حزبه - رسالةً إلى المجلس التنظيمي الخاص بالمنظَّمات الأرمنية في فرنسا أعرب فيها عن تأييده لإصدار قانون مناسب.

مناورة إنتخابية

هناك عدّة أسباب دفعت أيضًا بعض المحافظين الفرنسيين إلى البدء بتأييد مشروع القانون. يكمن أحد هذه الأسباب في اعتقادهم بأنّ مشروع هذا القانون يمكن أن يزيد العثرات التي تقف في طريق ضمّ تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. لقد أعرب نيكولا ساركوسي عدّة مرّات عن معارضته دخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.

وفي آخر المطاف كان عدد النوّاب المحافظين الذين صوَّتوا لصالح مشروع القانون أكثر من النواب الإشتراكيين. حيث صوّت لتنبني مشروع القانون تسعة وأربعون نائبًا برلمانيًا عن حزب الاتحاد UMP الحاكم المحافظ وأربعون نائبًا إشتراكيًا. أمّا الأصوات الباقية فقد جاءت من نوّاب الاتحاد الديموقراطي المسيحي UDF والحزب الشيوعي KP.

ولكن من ناحية أخرى فإنّ عملية التصويت هذه تنمّ عن مناورة انتخابية، حسب تخمين بعض الأصوات في صحيفة "ليبراسيون" اليومية. ففي فرنسا تعيش أكبر مجموعة سكّانية ذات أصول أرمنية في بلاد المهجر الغربية.

يقدّر عدد الأرمن في فرنسا بحوالي أربعمائة ألف مواطن، يعيشون بالدرجة الأولى في منطقة مرسيليا وفي حوض نهر الرون وفي المناطق المحيطة بباريس. وبالإضافة إلى ذلك فإنّ عدد المهاجرين الأتراك في فرنسا قليل.

يرى بعض المراقبين أنّ هناك علاقة بين مشروع القانون والانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي ستجرى في خريف العام القادم، وذلك لأنّ النوّاب الذين شاركوا في التصويت لصالح المشروع هم قبل كلّ شيء من منطقة مرسيليا وحوض نهر الرون ومن المناطق المحيطة بباريس.

بقلم برنارد شميد
ترجمة رائد الباش
حقوق الطبع قنطرة 2006

قنطرة

معاقبة التاريخ بالقوانين الجزائية
في نوافذ المتاجر في تركيا يشاهد المرء إعلانات كتب عليها: "قاطعوا البضائع الفرنسية". بدأ هذا الاحتجاج بعد أن وافق البرلمان الفرنسي على قانون لمعاقبة إنكار المذابح الجماعية التي اقترفت في تركيا بحق الأرمن إبّان الحرب العالمية الأولى. تقرير عمر إرزيرين