"عبر الثقافات" جزء من التأهيل العسكري
يعتبر الشيء "التركي الأصيل" الوحيد لدى الجندي إركان كهرمان طريقة تحريكه السكر في الشاي والتي تصدر أصواتًا. ولكن بطبيعة الحال لا يعتبر هذا الأمر تصوّرًا نمطيًا. وزميله نادر عطار أشقر الشعر وأزرق العينين ويعتبر نصف سوري. وكلاهما في مطلع العشرين ويعملان جنديين.
ويحصل الجنود الناشئون في الجيش الألماني الاتحادي بالإضافة إلى التدريبات العسكرية أيضًا على تدريب أكاديمي، إذ يدرس إركان كهرمان ونادر عطار في جامعة الجيش الألماني في هامبورغ العلوم السياسية. وبالنسبة لهم يعدّ الاشتراك في عملية خارج الحدود الألمانية قاب قوسين أو أدنى. ولهذا السبب أجابا "بالإيجاب" عن السؤال عما إذا كانا باعتبارهما جنديين ألمانيين مسلمين سوف يطلقان الرصاص إذا اقتضت الضرورة على أشخاص مسلمين.
تغيَّرت في العقود الماضية تركيبة الجيش الألماني، فبينما كان في الستينيات نحو تسعين في المائة من الجنود مسيحيين، لم تعد نسبتهم تصل في يومنا هذا إلاَّ إلى النصف. فقد أصبح يخدم في هذه الأثناء بحسب التقديرات في الجيش الألماني نحو ألف جندي مسلم وقرابة مائتي جندي يهودي.
وعندما يؤكِّد الجنرالات أن الجيش الألماني لديه مختصون متعدِّدو الثقافات يزيد عددهم عما لدى بعض الشركات التي تعمل على مستوى عالمي، فإنَّ هذا لا يعبِّر عن التباهي والادعاء. فالجيش الألماني يعمل أيضًا على مستوى عالمي وهو بحاجة إلى الناشئين من أجل العمليات التي يخوضها.
ضمان أمن عمل الجنود وتقبُّل الأقليات
تعتبر المعرفة بين الثقافات خاصة خارج الحدود الألمانية أكثر من مجرّد هبة ظريفة. وهذه المعلومة مترسخة منذ فترة على أرفع مستوى، كما أنَّها تنعكس في "لائحة الخدمة المركزية رقم 10/1": "يزيد التعامل الصحيح مع الأشخاص الذين توجد لديهم خلفيات ثقافية مختلفة والاختصاص بين الثقافات من ضمان أمن عمل وسلوك المجندات والجنود ويضمن تقبُّل الأقليات في الجيش الألماني. وبالإضافة إلى ذلك يعتبر في العمليات الخارجية التخصّص بين الثقافات شرطًا مهمًا من أجل تنفيذ المهام وضمان الأمن الشخصي".
ويشكِّل الجيش الألماني واحدة من أكبر مؤسسات التدريب في ألمانيا. والجيش الألماني يحتاج إلى المهاجرين في المستقبل أكثر من أي وقت، مثلما يظهر ذلك من النظرة إلى النمو السكاني. أما ما يقدِّمه الجيش باعتباره ربّ عمل فهو أمر غير معتاد؛ فالسلوك الاجتماعي لا يُحدَّد في أي مكان آخر بتعليمات مهنية. ولننظر إلى المادة رقم 12 من قانون الخدمة العسكرية:
"يعتمد ترابط الجيش الاتحادي بشكل أساسي على روح الزمالة. وهو يفرض على جميع الجنود احترام كرامة زملائهم وشرفهم وحقوقهم والوقوف إلى جانبهم في حالة الضرورة والخطر. وهذا يشمل الاعتراف المتبادل والاعتبار واحترام الآراء الغريبة".
ويقول نظير عطار في صدد موضوع معاداة الأجانب: "إذا كان هناك أحيانًا تعليقات غبية فالأفضل أن يقف المرء جانبًا". وهذا يعني إذا تم داخل الفرقة العسكرية خرق المادة رقم 12 بصورة مخالفة لروح الزمالة فعندئذ يجيب على المرء التعامل مع ذلك حسب المادة رقم 12.
دروس حول الأزمات المعنوية ونقاط الضعف الثقافية
يعدّ التخصّص بين الثقافات بالنسبة لمن يؤدّون الخدمة العسكرية الإجبارية منذ عام 2006 مادة تعليمية إلزامية في التعليم الأساسي، بيد أنَّ من يدرسونها لا يتجاوزون في أفضل الأحوال بضعة جنود. ويطَّلع على هذه المادة أكثر الجنود المتعاقدين مع الجيش والذين يجب أن يكون تدريبهم أوسع، إذ إنَّهم يعتبرون سفراء محتملين في الخارج. وكذلك لا يُنتظر منهم التصرّف بأسلوب غير لبق بل بأسلوب مثالي.
و"التعليم الحياتي" يوضِّح لهم ذلك؛ إذ يتعلَّق الأمر في أحد الحصص الدراسية بالقيم المعنوية، كما أنَّ هذه الحصص تهدف إلى جعل القيم مفهومة لدى الجنود وتدريبهم على السلوك الذي يضمن أمنهم. وفي هذه الدروس يعرف الجندي كيف يجب عليه التصرّف عندما يغازل زميله في أفغانستان امرأة محجَّبة في مكان عام. ومتى تنتهي المجاملة واللطافة وأين يبدأ التصرّف الخاطئ؟ وفي المقابل يُشرح لهم أنَّه يجب على المرء أن لا يغازل امرأة محجَّبة. ولكن كذلك تعتبر هذه المعلومة مفيدة جدًا بالنسبة للبعض. ولا يُستثنى معتنقو الديانات الأخرى من احترام التعاليم الدينية والمحافظة عليها؛ إذ إنَّ هناك نقاط ضعف ثقافية مشابهة في كلِّ مكان.
مدخل "فكري" إلى الإسلام
وكلما بدأ موعد عمل الجنود يقترب، ازدادت تفاصيل التعليم الذي يتلقونه. والجنود يحصلون في الدورات التحضيرية الخاصة بالعمليات في الخارج بصورة خاصة على معلومات خاصة بالبلاد التي سيعملون فيها. وكذلك تقدِّم جامعة الجيش الألماني في هامبورغ عروضًا أخرى.
ويستطيع الطلبة والضباط الناشئون تعلّم مادة "الاتصالات بين الثقافات" لدى المدرِّسة الألمانية المسلمة ذات الأصول الأفغانية، لطيفة كوهن. وتحتوي الدورة على موضوعات متعدِّدة؛ مثل أسس علم الاجتماع وعلم النفس (حيث يطرح السؤال عما إذا كان الخوف شعورًا عالميًا؟)، بالإضافة إلى معلومات أساسية حول الإسلام وكذلك معلومات حول عقلية المواطنين في أفغانستان وتركيبتهم الاجتماعية.
كما أنَّ تلقين هذه المعارف يتم أيضًا بصورة تطبيقية؛ حيث يتمكَّن الجنود والضباط في جولة علمية في المتحف الأفغاني من تقييم أشياء مختلفة منها سجادة للصلاة ويتم إطلاعهم على النواحي العملية في الدين الإسلامي. ويجد المشاركون في هذه الدورات خاصة من ذوي الأصول الألمانية مثل هذه "الدروس الفكرية" مفيدة؛ إذ يقول أحدهم إنَّها تثبت أنَّ "المسلمين متنوِّعون أكثر مما يفترضه بعض الساسة ووسائل الإعلام".
تناقض نفسي
وكلّ هذا يشير إلى مقدار التناقض النفسي الذي يعانيه الجنود أثناء عملهم في الخارج. فمن ناحية يتم تمرين شعورهم الثقافي ومن ناحية أخرى يم تدريبهم على استخدام السلاح. "هذا هو التحدي في العمليات المعاصرة"، حسب قول إلمار فيسينداهل Elmar Wiesendahl، بروفيسرو ومدير قسم العلوم الاجتماعية في الأكاديمية القيادية؛ أعلى منشأة تابعة للجيش الألماني الاتحادي يتم فيها تعليم ضباط الدولة، أي الجنرالات المستقبليين. يقول فيسينداهل إنَّه يجب على الجنود مراقبة أنفسهم و"إظهار بعض الصلابة والبأس"، ثم يضيف: "فمع السلوك المتسلِّط يمكن فقط أن تمنى العملية العسكرية بالفشل".
وكذلك يظهر التذبذب بين التطابق مع الآخرين من ناحية وبين الاستعداد لخوض المعارك من ناحية أخرى في اختيار الوسيلة في مناطق الأزمات. فإذا لم تعد الجبهات تتكوَّن من قومية أو ثقافة أو دين، بل من التطرّف والتعصّب، فلا يمكن التعرّف من النظرة الأولى على الصديق والعدو.
التعلّم من العمليات الخارجية
كان الجنود المشاركون في الدورة في الأكاديمية القيادية في هامبورغ يناقشون مسائل عسكرية وأخرى تتعلَّق بالسياسة الأمنية. وفي كلِّ يوم يتدرّب في دورات تدريبية وتأهيلية نحو خمسمائة ضابط من ضباط الأركان، ومن بين هؤلاء الضباط يوجد أيضًا ضباط من دول إسلامية.
وقبل بضعة أعوام لم يكن أي أحد يستطيع وصف هذا العمل بصفة "الحوار بين الثقافات"، من دون أن يحصد استهزاء الآخرين وسخريتهم. أما اليوم فإنَّ هذا لا يثير حتى مجرَّد ابتسامة. ويعتبر تبديل طريقة التفكير جزءًا من عملية تحوّل الجنود من التمرين إلى التطبيق. وهؤلاء الجنود جمعوا فجأة في الخارج خبرات معيَّنة وعملية، توصَّل من خلالها الجيش الألماني إلى نتائجه. وطبقًا لذلك طوّرت الأكاديمية القيادية منهجًا للتخصّص بين الثقافات.
ويشارك في تخصّصات ضباط الأركان التعليمية ضباط من دول العالم. والمواد التعليمية بين الثقافات تصب في دورات للطاقات القيادية أو تتصدَّر تخصّص تعليمي يلقي الضوء على العنف وظواهره في ثقافات هذا العالم - من ثقافة الماوريين (سكان نيوزلندا الأصليين) وحتى تبجيل الألمان لأبطال الحرب مع ما كان له من نتائج.
تحالف عسكري على أساس الحوار بين الثقافات
إنَّ كلَّ تحالف يقوم في الواقع على أساس الحوار بين الثقافات. وهكذا تعمل ضمن قوة المساعدة الأمنية الدولية ISAF في أفغانستان سبع وثلاثون دولة تشارك بأكثر من أربعين ألف جندي. ومن يدري كم توجد هناك من إساءات في الفهم؟ وكم عدد حالات الدهشة التي يتسبب بها منظر جندي ألماني لدى جنود الحلفاء - على سبيل المثال لدى جندي أذربيجاني؟
ويغلب الظنّ في أنَّه يتم أيضًا داخل حلف الناتو خوض نقاشات حول العقليات المختلفة؛ ولماذا يعتبر السلوك القيادي لدى الجنود الألمان مختلفًا عما هو عليه لدى الإنكليز أو الفرنسيين؟ ويقال إنَّه يتحتَّم على الألمان التبليغ عن كلِّ صغيرة. أو أنَّ الألماني يحدِّد الهدف ولكنَّه يترك الطريق مفتوحة. وربَّما أنَّها مسألة وقت حتى يقوم حلف الناتو بإدخال دورات من أجل "الإدارة المختلفة".
أوته هيمبلمانّ
ترجمة: رائد الباش
قنطرة 2008
ولدت أوته هيمبلمانّ عام 1963 وتعيش في هامبورغ وتعمل لصالح الإذاعات التابعة لهيئة القنوات الألمانية الاتحادية ARD وتكتب لصحف ومجلات مختلفة.
قنطرة
أندرياس تسوماخ، خبير بقانون الشعوب والسياسة الأمنية:
نحن بحاجة إلى استراتيجية جديدة في أفغانستان
هل يساهم الجنود الألمان في إحلال السلام وتعزيز الاستقرار في أفغانستان؟ اتحاد تمثيل مصالح الجنود الألمان ومعظم المنظمات الإنسانية وممثلون عن كافة الأحزاب السياسية في ألمانيا يطالبون الحكومة الألمانية بوضع استراتيجية جديدة. بقلم أندرياس تسوماخ
عبث القيم الأوربية ولماذا يمكن "للآخر" أن يكون على حق
الخطأ والصواب في حوار الثقافات
أضاع العالم الكثير من الوقت في العقدين الماضيين في ما يتعلق بحوار الثقافات. فقد بذلت جهود كثيرة ولكنها ظلت في إطار فكري ضيق للحوار وظلت تدور في أجواء منطق سيناريوهات الصراع الثقافي العاجزة عن تقديم الأجوبة الصحيحة. مقال كتبه تراوغوت شوفتالر
مؤسسة أنا ليند للحوار بين الثقافات:
مبادرة أورو-متوسطية جديدة على شاطئ الإسكندرية
على أنغام الموسيقى الشعبية التقليدية لدول المتوسط والموسيقى الأوروبية الكلاسيكية افتتحت مؤسسة أنا ليند الأورو-متوسطية للحوار بين الثقافات في 20 ابريل/نيسان الجاري حيث تتخذ من مكتبة الإسكندرية والمعهد السويدي بالإسكندرية مقرا لها. تقرير نيللي يوسف.