اعتقالات وتشهير وتشويش
تزامن إدخال حرية الصحافة مع نظام التعددية الحزبية النسبية في الجزائر بعد انتفاضة الشباب في تشرين الأول/أكتوبر ١٩٨٨. تسنى الدفاع عن هذه المكاسب في سنين الحرب الأهلية، من عام ٩٢/١٩٩٣- ١٩٩٨، لكن كان الثمن أكثر من ٦٠ صحفيًّا قتلوا في الأعوام الأربعة الأولى من النزاع. إلاّ أن هذه المكاسب تبدو الآن مهددة. تقرير برنارد شميد
صدر الحكم من دون تعليق آخر: السجن سنتين والحكم نافذ! وبذلك صدّقت محكمة استئناف الجزائر في الـ١١ من آب/أغسطس على الحكم الابتدائي، الذي أصدرته في وسط شهر حزيران/يونيو ٢٠٠٤ محكمة مديرية الحراش في الجزائر العاصمة. وبهذا الحكم يبقى محمد بن شيكو، مدير الصحيفة اليومية "لوماتان" في السجن.
قام كاريكاتوريّو الصحف الجزائرية ضحى اليوم التالي برسم قضاة من دون استثناء، كانوا معلقين إما بخيوط الدمى المسرحية أو مربوطين بالهاتف - حتى يتلقون التعليمات السياسية من الحكّام.
بوتفليقة وحرية الصحافة
انتُخِبَ رئيس الدولة الحاكم، عبد العزيز بوتفليقة، أول مرة في الـ١٥ من نيسان/أبريل ١٩٩٩ - حينها من دون مرشح ينافسه، بعد أن انسحب المرشحون الستة المتنافسون قبل ٢٤ ساعة من موعد الانتخابات الرسمي بسبب اشتباههم في تلاعبات في الانتخابات. وقد أُعيد انتخابه في نيسان/أبريل من هذه السنة.
وبوتفليقة لا يحترم حرية الصحافة إلاّ احترامًا محدودًا: إذ وصف عبد العزيز بوتفليقة أثناء حملته الانتخابية الرئاسية الأولى في ربيع ١٩٩٩ وبشكل علني صحفيين ناقدين بأنهم "طَيّابات الحمّام" (مُدلّكات الحمّام الثرثارات). ثم أشار بعد فترة لاحقة في مناسبة أخرى إلى أن "الأرهابيين حملة الأقلام" هم سيئون تمامًا كـ"حاملي السيوف".
تم في أيّار/مايو من سنة ٢٠٠١ إقرار مواد تقييدية جديدة في قانون العقوبات، تحدد قبل كل شيء غرامات مالية مرتفعة وكذلك السجن لمدة تتراوح بين ثلاثة أشهر واثني عشر شهر في حال التشهير بالرئيس أو بأجهزة الدولة. وبعد ذلك تراكمت القضايا حتى عام ٢٠٠٣، والتي أثيرت من خلال شكاوي قدمتها وزارة الدفاع. تكرر الادعاء على الكاريكتوري المشهور علي ديلم (رسام صحيفة ليبرتي Liberté اليومية)، الذي لا يهاب رجال الجيش وكذلك الإسلاميين والرئيس قط.
الضغط على الصحفيين
اتُبِعَ أسلوب آخر مع بن شيكو الذي كان متورطًا مع وزير الداخلية، يزيد زرهوني. ربطت بن شيكو بالرئيس بوتفليقة عداوة شخصية قوية. إذ لم يتم الادعاء عليه بسبب جنحة تتعلق بالصحافة أو الرأي، ليُزجّ به في السجن، إنما بذريعة أنه اقترف جرمًا "غير سياسي" تبلور في أعمال مالية.
لقد أوقفت شرطة الحدود في مطار الجزائر العاصمة بن شيكو في شهر آب/أغسطس ٢٠٠٣ بعد عودته من باريس. وعُثر معه في تلك الأثناء على ما سُمي "سندات مالية"، أي سندات مصرفية - يتسنى بهذه الأوراق السارية المفعول لبضعة أشهر أو لسنتين صرف مبلغ محدد من المصرف. وكشفت شرطة الحدود عن "انتهاك قوانين صرف العملات" التي يفترض أنها تُعرقل تحويل الرساميل بطرق غير شرعية.
إغلاق الصحف كعمل انتقامي
لا يقبع فقط مدير صحيفة لوماتان منذ بداية آب/أغسطس ٢٠٠٤ في السجن، إنما تحتم على الصحيفة أن توقف إصدارها أيضًا. إذ أن موظفين ماليين حكوميين أوجدوا مستحقات ضريبية غير مدفوعة لمصلحة الضرائب، لم يقم النظام - في الواقع - بجبايتها في الماضي من الصحف الخاصة قط؛ بيد أن هذه الضرائب تهدد حاليًا، في أوقات متوترة، بأن تغدو سلاحًا ضد الصحفيين. فالسلطات قامت بتحديد مدة تسديد قصيرة للغاية وأشرفت فورًا - في زمن قياسي - على بيع مبنى تحرير صحيفة لوماتان بيعًا إجباريًّا بالمزاد. أمست هيئة التحرير من دون مقر ومن دون مال، لكنها عادت مديونة من جديد. نُشر آخر عدد منها في الـ٣ من آب/أغسطس.
اتساع في قائمة الصحفيين المتعرضين للقصاص
خلا أن بن شيكو وزملاءه في هيئة التحرير ليسوا الصحفيين الجزائزيين الوحيدين المهددين في كيانهم. فعلى سبيل المثال حُكم في الـ٩ من حزيران/يونيو على المراسل العامل لدى العديد من الصحف الجزائرية، الناشط في رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان في جلفة الواقعة على ٣٠٠ كم إلى الجنوب من الجزائر العاصمة، حفناوي غول بالحبس لمدة شهرين حبسًا نافذًا، بتهمة التشهير بأعيان من المسؤولين.
لقد أثار حفناوي الانتباه إلى إهمالات أدت إلى وفاة ١٣ طفلاً رضيعًا في مشفى محلي. رُفعت مدة العقوبة في محكمة الاستئناف في تمّوز/يوليو إلى ثلاثة أشهر؛ كما تزامن رفع ٣٩ قضية أخرى بحقه من قبل مسؤولين وأعيان. بدأ حفناوي في الـ١٠ من آب/أغسطس ٢٠٠٤ بإضراب عن الطعام، توجَّب عليه انهاؤه في الـ٢٥ من آب/أغسطس بسبب خطورة شديدة في حالته الصحية. ورغم أن عقوبة السجن المفروضة على حفناوي غول ستنتهي في وسط شهر أيولول/سبتمبر، إلاّ أن هناك قضيتين تنتظراه، واحدة في ٢٠ والأخرى في ٢٦ أيلول/سبتمبر.
أُلقي القبض في نهاية شهر حزيزان/يونيو في وهران على مدير صحيفة الرأي العام، الإسلامي المعتدل أحمد بن نعوم، ووضع في الحبس، بسبب شكوى قدمها مسؤولون ضده. وأخيرًا سحبت الحكومة الجزائرية في الـ٣٠ من حزيران/يونيو الاعتماد من قناة الجزيرة المستقرة في قطر، بحيث أنه لم يعد من الممكن لمراسلها، المواطن الجزائري محمد دحو، أن يعمل بصورة شرعية.
قام النظام بالتشويش على مناقشات مبثوثة من القناة قيل عنها إنها تُشيع ادعاءات غير حقيقية عن الجزائر. لم يُنتقد عمل المراسل محمد دحو، الذي كان على الدوام حريصًا على البساطة وتجنّب المصاعب.
برنارد شميد، قنطرة 2004 ©
ترجمة رائد الباش