الحديث مع المسلمين بدل الحديث عنهم
طلعت كامران رجل مسلم من مدينة مانهايم الألمانية - تحدَّث نحو تسعين دقيقة مع الأب الدومينيكاني ريتشارد نينشتيل القادم من هامبورغ حول موضوع التصوّف في الديانتين المسيحية والإسلام، وقد أنهى حديثه برضى وارتياح. واستمع لحديثهما هذا نحو سبعين شخصًا. وقال كامران: "يستطيع المرء حسب معرفتي سواء كان شخصًا مسيحيًا أو مسلمًا خوض التجارب ذاتها في التصوّف إذا كان يبحث بصدق وإخلاص؛ ذلك لأنَّ الأمر يتعلَّق بالجانب الإلهي الموجود في داخل كلّ منا".
يعدّ "الحوار المسيحي الإسلامي" جزءا أساسيًا من برنامج مؤتمر اليوم الكاثوليكي وكذلك من روتين هذا المؤتمر الكاثوليكي. فقد قدَّم المشاركون المسيحيون والمسلمون في المؤتمر لهذا العام نحو أربعين فعالية من بينها جولات في بعض المساجد وبعض العروض التي تستمر طيلة عطلة نهاية الأسبوع، حيث يوجد على سبيل المثال في مدرسة يوهانس كبلر التي تقع على مشارف وسط المدينة "فضاء للتأمل والعبادة" وكذلك "مقهى شاي تقليدي من مدينة مانهايم" وفي باحة المدرسة هناك "خيمة ملكية مغربية" لتبادل الأحاديث والاجتماعات. ويجلس في مقهى الشاي بعض رجال الشرطة الذين ينظرون أحيانًا إن كان كلّ شيء على ما يرام.
مسلم وطنه مدينة مانهايم
يعيش طلعت كامران منذ أكثر من ثلاثة عقود في مدينة مانهايم التي تعدّ وطنه، وهو مسلم سنِّي ولد في مدينة إسطنبول ويدير هنا "مؤسَّسة مانهايم للاندماج والحوار بين الأديان". وهو معجب باهتمام الكاثوليك بالإسلام وبسعيهم إلى الحوار مع المسلمين. ويقول في هذا الصدد: "أعتقد أنَّه من الجيِّد جدًا معالجة جميع مجالات الدين في مؤتمر اليوم الكاثوليكي. وهذا يناسب أيضًا مدينتنا". أصبح المسلمون منذ فترة طويلة في مدينة مانهايم التي تحيطها مجمَّعات صناعية كبيرة جزءً لا يتجزأ من هذه المدينة ومن صورة شوارعها. حيث يبلغ عدد المسلمين المقيمين هنا خمسين ألف شخص يعيش الكثيرون منهم في المنطقة التي يطلق عليها اسم "إسطنبول الصغيرة"؛ وفي هذه المنطقة توجد أيضًا مدرسة يوهانس كبلر.
وعلى بعد مئات من الأمتار يقع مسجد السلطان سليم، لا يفصله عن كنيسة السيدة العذراء الكاثوليكية إلاَّ شارع صغير؛ أثار بناء هذا المسجد في منتصف التسعينيات جدالاً في جميع أنحاء ألمانيا، كما أنَّه ما يزال حتى يومنا هذا واحدًا من أكبر المساجد في ألمانيا. وأدَّت تلك الجدالات أيضًا إلى حمل طلعت كامران على المشاركة في الحوار حول القضايا اليومية والأسس اللاهوتية. وعن ذلك يقول كامران: "لقد طرحنا في تلك الأيَّام كلَّ المسائل التي تتم مناقشتها الآن في مناطق آخرى من ألمانيا، وعالجناها على نحو جيِّد وأوضحنا كذلك ما هو الإسلام".
تقليد التبادل المسيحي الإسلامي
بدأ "الحوار المسيحي الإسلامي" في مؤتمر اليوم الكاثوليكي منذ عام 1992، إذ أقدم في تلك الأيَّام على هذه الخطوة في مدينة كارلسروه الألمانية كلّ من اللجنة المركزية للكاثوليك الألمان المنظِّمة للمؤتمر وأبرشية مدينة فرايبورغ، وذلك بعد وقت طويل من وجود "الحوار المسيحي اليهودي". وحضر افتتاح هذا الحوار ضيوف بارزون من بينهم رئيس اللجنة المركزية للكاثوليك الألمان بالإضافة إلى الكاردينال فرنسيس أرينزي رئيس المجلس البابوي للحوار بين الأديان في تلك الأيَّام والقاصد الرسولي في ألمانيا. وفي تلك الأيَّام وصف أرينزي أوضاع المسلمين في ألمانيا بأنَّها مثالية كما أنَّه شجَّع كلا الطرفين على الحوار، بيد أنَّه تحدَّث أيضًا عن الأوضاع الصعبة التي كثيرًا ما تعيشها الأقليَّات المسيحية في البلدان الإسلامية.
ولكن لم يجد في تلك الفترة منظِّمو هذا المؤتمر الكاثوليكي أي مسجد في مدينة كارلسروه يمكنهم التعامل معه كشريك في حوار، وكان يتعيَّن عليهم السفر بضعة كيلومترات إلى مدينة بفورتسهايم من أجل العثور على شريك في الحوار. والآن وبعد عشرين عامًا من ذلك أصبح الحوار مع المسلمين طبيعيًا جدًا ويجري مع برنامج المؤتمر، وحتى إن القائمين على هذا المؤتمر لم يلاحظوا الذكرى العشرين لهذا الحدث الذي ربما لم يكن مدهشًا ولكنه لم يكن شاملاً إلى هذا الحدّ مثلما هي الحال في هذا العام في مدينة مانهايم. إذ طُرحت هنا موضوعات منها الأمور الأساسية وكذلك الروحانية في الإسلام بالإضافة إلى تحريم الربا وكذلك دور المرأة والرحمة باعتبارها "الصفة الرئيسية لله". ولم تكن هذه الموضوعات الوحيدة التي تناولها المؤتمر، بل تم أيضًا طرح موضوع "الخوف من الآخر" وكذلك موضوع المسيحية والإسلاموفوبيا بالإضافة إلى الصعوبات التي تواجه المسيحيين في البلدان العربية. وكان الحدث المميَّز في هذا العام مشاركة بعض الأساقفة الكاثوليك ورجال الدين القادمين أيضًا من مصر والعراق ومن فلسطين والهند.
الحوار مع المسلمين بدل الحديث عن الإسلام
وعلى الجانب الكاثوليكي كان المسؤول عن برنامج المؤتمر وتنظيمه الأب هانز فوكينغ الذي يعدّ عضوًا في جمعية "الآباء البيض" وقد عاش فترة طويلة في العالم العربي ويعمل الآن في بروكسل. ويقول الأب هانز فوكينغ إنَّ "الحوار في مؤتمر اليوم الكاثوليكي قد تطوّر ونما". ويضيف أنَّ تجارب الأعوام السابقة بيَّنت له أنَّه كان من الصعب العثور محليًا على شركاء مسلمين بحيث أنَّ المهتمين المسيحيين غالبًا ما كانوا يتحدَّثون في الكثير من الحوارات بين بعضهم. وهو يشيد الآن بالأعمال التحضيرية الجيِّدة في مانهايم والتي ساهمت فيها على حدِّ قوله الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة البروتستانتية وباتصالات ناجحة مع المسلمين. ويقول فوكينغ إنَّّه يرى التعاون مع المسلمين أمرًا مهمًا من أجل ذلك، إذ لا ينبغي فقط الحديث حول الإسلام بل كذلك أيضًا مع المسلمين.
التطرّف والعنف في الإسلام
وهذا ما يحدث في الفصل الدراسي رقم 109 في مدرسة يوهانس كبلر. حيث واجهت السيدة التي طرحت السؤال الأخير في هذا النقاش طلعت كامران بالتحذير من عدم محو الدين واتَّهمت شكلاً من أشكال الإسلام بالعدوانية. وفي ردِّه عليها أشار كامران إلى الخلاف الدائر حاليًا بين السلفيين وتحدَّث عن وجود "تفسير غير صحيح للإسلام". وأضاف أنَّ الصوفيين في دينه يقدِّمون نقيض هذه الجماعات التي تستخدم العنف أو المتطرِّفة. وهنا لاحظ الحضور تجذّر كامران في التصوّف الإسلامي في تركيا.
وكذلك تم في البرنامج الرئيسي في هذا المؤتمر الكاثوليكي تناول موضوع مشكلات التطرّف والعنف لدى المسلمين. وعلى سبيل المثال فقط اشتكى في أحد الفعاليات التي أقيمت حول موضوع اضطهاد المسيحيين السيِّد فولكر كاودر رئيس كتلة الحزب الديمقراطي المسيحي البرلمانية من الوضع في مصر وحذَّر من "شتاء عربي" يأتي بعد "الربيع العربي". وكذلك أيضًا حذَّرت السيِّدة غيسينة شفان المرشَّحة السابقة عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي لمنصب رئاسة جمهورية ألمانيا الاتِّحادية من "صراع الحضارات" نظرًا إلى الجدال الجديد الذي يدور حول السلفيين في ألمانيا.
جهل وفضول
يقع مسجد السلطان سليم على بعد أقل من خمس دقائق من مبنى المدرسة؛ وأمام باب المسجد يرفرف العلم الألماني والتركي وكذلك لافتة كبيرة تحمل شعار مؤتمر اليوم الكاثوليكي كتب عليها "الإقدام على بداية جديدة". وعلى يسار مبنى المسجد كتبت عبارة "مدخل النساء" وعلى اليمين "المدخل الرئيسي" وبينهما يوجد مخبز تركي يبيع بضائعه. تنهي في الطابق الأوَّل السيِّدة ملاحت كورتران جولة شاملة داخل مبنى المسجد. كان يستمع إليها نحو عشرين شخصًا معظمهم من النساء اللواتي يحملن حقائب على الظهر مثلما جرت العادة في مؤتمر اليوم الكاثوليكي ولكن هذه المرَّة كان الحضور يسيرون من دون أحذية احترامًا لحرمة المسجد. وكانوا يسألون حول الفصل بين الرجال والنساء في المسجد والكحول والصيام والغذاء والحج إلى مكة، وكذلك أيضًا حول تمكّن المسلمين المقيمين في الدائرة القطبية الشمالية من تحديد بداية شهر رمضان.
وكانت ملاحت كورتران التي رافقت بعض مجموعات المهتمين في هذا اليوم تجيب على كلِّ شيء بصبر وروية وتقوم أيضًا بتهدِّئة أطفالها. وكذلك كانت السيِّدة كورتران التي ترتدي الحجاب وتتكلَّم الألمانية بلهجة مدينة مانهايمر تفك رموز المفردات العربية المكتوبة في الزخارف على جدران المسجد. كما أنَّها تحدَّثت عن فريضة الحج إلى مكة التي أدتها قبل ستة أعوام بمرافقة زوجها. تتَّسع الصالة الرئيسية في مسجد السلطان سليم لنحو ألف مصل؛ يوجد الآن في المسجد بعض ضيوف مؤتمر اليوم الكاثوليكي الشباب الذين جلسوا فوق السجاد السميك بهدوء يكاد يصل حدّ التأمل بينما كان هناك في المقدِّمة رجل مسلم يصلي.
سدّ الفجوات المعرفية
بعد هذه الجولة قال الكاثوليكي فولكر فالتر القادم من مدينة لودفيغسبورغ والذي يبلغ عمره ستين عامًا وقد زار المسجد برفقة زوجته: "توجد أيضًا وبكلِّ تأكيد أشياء تفرِّق بيننا. ولكن يجب علينا أن نكون متسامحين ونحترم دين الآخرين". ثم ارتدى حذاءه وغادر المسجد. وهذه هي المرَّة الأولى التي يروز فيها مسجدًا مع زوجته في ألمانيا، إذ لم يزر أي مسجد من قبل إلاَّ أثناء زيارته القاهرة. وقال فالتر إنَّه يهتم بشكل خاص بفنِّ الخطِّ العربي وزخارف الكتابة الجديرة بالملاحطة داخل المسجد ويهتم أيضًا في دين المسلمين بالتوحيد، وأضاف: "من المهم أن نحافظ على الحوار مع المسلمين، وذلك لأنَّنا نعيش معهم وتوجد لدينا الكثير من القواسم المشتركة في التقليد المسيحي والإسلامي".
كريستوف شتراك
ترجمة: رائد الباش
مراجعة هشام العدم
حقوق النشر: دويتشه فيله/ قنطرة 2012