هل تنقذ ترجمة القرآن لغات المهمشين؟

شخصان يشيران بأصابعهما إلى نسختين من القرآن. الصورة من الأعلى، لا يظهر منها سوى اليدين.
يُقرأ القرآن في كل مكان تقريبًا ويترجم إلى المزيد من اللغات، مثل هذه المدرسة الدينية في سريناغار بالهند. (Photo: Picture Alliance / Sipa USA | SOPA Images)

يُترجم القرآن الكريم إلى اللغات المهمشة في جميع أنحاء العالم، مما يعكس اتجاهًا عالميًا نحو الحفاظ على التراث الثقافي. ورغم أن هذه الترجمات غالبًا ما تخدم أهدافًا سياسية، إلا أنها قد تنقذ لغات عدة من الاندثار.

الكاتبة ، الكاتب: جوانا بينك

احتفل مجمع الملك فهد لطباعة المصحف في المدينة المنورة بالسعودية، في عام 1422 هجرية (2002)، بصدور أول ترجمة (جزئية) للقرآن الكريم إلى اللغة الرومنية، وهي لغة شعب الرّوما أو الغجر، وهي على الأرجح أكثر المجموعات العرقية تهميشًا في أوروبا.

ووقع الاختيار لترجمتها على محرّم سربزوفسكي، وهو ليس من النوع الذي يتوقع أن منه التعاون مع المؤسسة الدينية السعودية، وينحدر من إسكوبية، العاصمة السابقة لجمهورية مقدونيا اليوغوسلافية - مركز الرّوما المسلمة.

وباعتباره مغني بوب ناجحًا، فقد أطرب الجمهور اليوغوسلافي بأغانيه الناجحة مثل "أنا غجري وأعرف كيف أحب" (Ciganin sam i umem da volim). وبدأ كتابة القصص والقصائد خلال الثمانينيات. وأراد من خلال إبداع أدبه الخاص تعزيز مكانة الرومنية - وهي لغة تُستخدم بشكل أساسي شفهيًا ولا تحظى بمكانة كبيرة. 

وبلغ نشاط سربزوفسكي اللغوي ذروته في أرقى أشكال الأدب على الإطلاق بترجمة كتاب مقدس. بدا ذلك ملائمًا لمجمع الملك فهد السعودي، على الرغم من أنه عادةً ما يتوقع من مترجمي القرآن الكريم أن يكون لديهم خلفية دينية أكثر صلابة. 

تحرص المؤسسة السعودية، التي تُعنى بطباعة ترجمات القرآن الكريم بعشرات اللغات منذ عام ١٩٨٩، على توسيع نطاق خدماتها، مع منح نقاط إضافية للغات التي لم يسبق لأحد ترجمة القرآن إليها. وإذا سنحت فرصة جيدة، فإن المجمع على استعداد تام لتقديم تسهيلات طالما أن المترجم مسلم.

سيناريو مربح للمترجمين والممولين

يتحدّث اللغة الرومنية حوالي 3.5 مليون شخص بأصناف مختلفة في العديد من البلدان في جميع أنحاء أوروبا، ولكن أقلية صغيرة فقط من بينهم هم من المسلمين المتدينين. ومن بين هذه الأقلية، لا يستطيع جميعهم فهم التنوع البلقاني للغة الرومنية الذي يستخدمه سيربيزوفسكي بسهولة. 

وعلاوة على ذلك، عادةً ما يقرأ شعب الرّوما (الغجر) المتعلمون ويكتبون باللغة الرئيسية للبلد أو المنطقة التي يعيشون فيها - البوسنية أو الألبانية أو التشيكية على سبيل المثال، لذا ليسوا بالكاد بحاجة إلى ترجمة رومنية لفهم القرآن.

ومع ذلك، فإن متابعة مجمع الملك فهد لمشروع الترجمة مع سربزوفسكي يوضح أمرًا واحدًا: إن ترجمات القرآن الكريم إلى لغات الأقليات هي في المقام الأول وسيلة للسياسات اللغوية. وبغض النظر عن فائدتها، فإن لها وظيفة رمزية، فهي تُظهر التزام الناشر بنشر الإسلام، وتساعد في الوقت نفسه الناشطين اللغويين على رفع مكانة لغتهم والمساهمة في توحيدها.

آلات لطباعة الكتب.
مطبعة مجمع الملك فهد في المدينة المنورة، السعودية. (Photo: Picture Alliance / ZUMAPRESS.com | A. Amra)

لغات الأقليات كأصل ثقافي

إن المملكة العربية السعودية ليست الدولة الوحيدة التي تستثمر في هذا النوع من النشاط. فقد كانت جمعية الدعوة الإسلامية العالمية الليبية مسؤولة عن أولى ترجمات القرآن الكريم إلى لغات مثل اللغة الولوفية والمالطية بالعقد الأول من القرن الحالي.

كما نشطت تركيا بشكل خاص بأفريقيا خلال العقد الماضي تقريبًا، حيث ركزت على لغات مستهدفة جديدة مثل الشوا (المتداولة بين عرب نيجيريا) والشونا في زيمبابوي. 

مشروع ديانت "Hediyen Kur'an olsun!" (عسى أن تكون هديتي قرآنًا!) 42 لغة، بما في ذلك لغة ساموا، وهي لغة دولة ساموا الجزرية الواقعة إلى الشرق من أستراليا، التي كان عدد المسلمين فيها وقت آخر إحصاء سكاني في عام 2001 يبلغ 48 مسلمًا.

يرجع كل هذا إلى تغيّر وضع لغات الأقليات في جميع أنحاء العالم في العقود الأخيرة - من مصدر إزعاج إلى أصل ثقافي يستحق الحماية. وقد دخل الميثاق الأوروبي للغات الإقليمية أو لغات الأقليات حيز التنفيذ عام 1998، ونحن الآن في النصف الأول من العقد الدولي للغات الشعوب الأصلية الذي أعلنته اليونسكو (2022-2032).

وخير مثال على هذا التحول هو إندونيسيا، البلد الذي تمكّن من تحقيق إنجاز مثير للإعجاب وهو استبدال اللغة الهولندية التي كانت لغة الاستعمار بالكامل، بالإضافة إلى خليط من اللغات المحلية والإقليمية، بلغة وطنية واحدة في كل ما يتعلق بالتعليم والإعلام والاتصال الرسمي.

لعبت ترجمة القرآن الكريم الرسمية، التي نشرتها الحكومة الإندونيسية في الستينيات، دورًا مهمًا في نشر اللغة الإندونيسية حتى بين علماء الدين المحافظين. ونجحت هذه الاستراتيجية بشكل جيد لدرجة أن العديد من مئات اللغات المحكية في إندونيسيا اليوم مهددة بالانقراض. لقد أصبحت هيمنة اللغة الإندونيسية طاغية لدرجة أن الحكومة الآن تستطيع أن تحتفل بالتنوع اللغوي. 

في عام 2011، بدأت وزارة الشؤون الدينية الإندونيسية في إنتاج ترجمات للقرآن الكريم بأكثر من عشرين لغة مما يسمى "اللغات الإقليمية": لغة ماكاسار وباليمبانج، وتولاكي وماندار، وتيرنيت وبيما. ومع ذلك، فإن هذه اللغات الإقليمية لا يتوفر لها سوى عدد قليل من القرذاء أو لا يتوفر لها قرّاء على الإطلاق، والوزارة تعلم ذلك، إذ أن بعض الترجمات لم يتجاوز عدد النسخ المطبوعة منها 70 نسخة.

لا تكاد توجد ترجمات إلى اللغات القلطية

هناك اتجاهات مماثلة في السياق الأوروبي. كانت اللغات القلطية على سبيل المثال تعتبر لغات الفلاحين الأميين قبل مائة عام. كان أي شخص يطمح إلى النجاح يتحدث الإنجليزية بدلاً من الويلزية أو الاسكتلندية أو الأيرلندية، والفرنسية بدلاً من البريتانية. أما اليوم، فقد تغيرت صورة اللغات القلطية تمامًا، فهي تمثل آلاف السنين من التاريخ، وأساطير غنية وجذور عميقة في مناطقها. 

لكن الجهود المبذولة لتحويلها إلى لغات الإسلام تثبت أنها صعبة، فمنذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أعلن نشطاء مسلمون ومجتمعات مسلمة محلية وحتى "Foras na Gaeilge"، وهي الهيئة الرسمية المسؤولة عن تعزيز اللغة الأيرلندية في جمهورية أيرلندا وأيرلندا الشمالية، مرارًا وتكرارًا عن مشاريع لترجمة القرآن إلى إحدى اللغات القلطية. 

لم يؤد أي من هذه الإعلانات إلى نتائج ملموسة حتى الآن. يتحدث عدد قليل جدًا من المسلمين هذه اللغات، وجميعهم يجيدون اللغة الفرنسية أو الإنجليزية. قد تكون اللغات القلطية ذات مكانة عالية، لكن فائدتها قليلة، خاصة بالنسبة للمجتمعات المسلمة.

وغالبًا ما تكون جهود الترجمة أكثر نجاحًا عندما يتعلق الأمر بلغات الأقليات التي يتحدث بها المسلمون في سياقات ذات أغلبية مسلمة. فعلى سبيل المثال، يوجد اليوم ما لا يقل عن أربع ترجمات للقرآن الكريم إلى اللغة الأمازيغية، وهي اللغة التي يتحدث بها الأمازيغ في شمال أفريقيا، التي كانت تسمى سابقًا البربر. 

وعلى غرار اللغات القلطية، لطالما كانت اللغة الأمازيغية مهمشة أو مضطهدة منذ فترة طويلة، خاصة في الجزائر، لكن حركة المقاومة الثقافية الأمازيغية بدأت تتبلور في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وخرجت منها بين التسعينيات والعقد الأول من القرن الماضي أولى ترجمات القرآن الكريم باللغة الأمازيغية. 

كما نشر مجمع الملك فهد ترجمة للقرآن الكريم باللغة الأمازيغية بالتعاون مع وزارة الشؤون الدينية الجزائرية، وقد أثارت هذه الترجمة انتقادات شديدة لأن مؤلفها سي الطيب نأى بنفسه عن أجندة نشطاء اللغة الأمازيغية. 

كتب النشطاء اللغويون اللغة الأمازيغية بالحرف اللاتيني أو حتى بالتيفيناغ الجديدة، وهي أبجدية طُوِّرت من خط الطوارق، وسعوا جاهدين لتطوير مفردات نقية بأقل قدر ممكن من التأثير من اللغة العربية. ومع ذلك، فإن نتائج هذه الجهود لا تكاد تكون مفهومة لمعظم الناطقين بالأمازيغية. 

تجاهل سي الحاج محند الطيب عن عمد مطالب النشطاء الأمازيغيين، وكتب اللغة الأمازيغية بالخط العربي واستخدم الكلمات المستعارة الشائعة في اللغة العربية. ونتيجة لذلك، كانت ترجمته هي الترجمة الوحيدة التي كانت لديها فرصة للوصول إلى عدد قليل من القرّاء على الأقل.

ترجمات القرآن الكريم تنقذ اللغات

لقد أصبحت ترجمات القرآن إلى لغات الأقليات ساحة معركة بين نوعين من النشطاء: أولئك الذين يقاتلون من أجل اللغة وأولئك الذين يريدون تعزيز الإسلام. إنها معركة بين الأيديولوجية اللغوية والبراغماتية، ولكن ليس بالضرورة أن يؤدي ذلك إلى صراع. 

على سبيل المثال، تعمل حاليًا دار نشر ركن الدعوة (DCB)، وهي دار نشر تبشيرية متعددة اللغات من ماليزيا، على مشروع طموح لإنتاج ترجمة للقرآن الكريم إلى لغة الروهينجا، وهي لغة أقلية مسلمة من ميانمار تتعرض لاضطهاد شديد.

وعلى الرغم من أن الهدف الأساسي لركن الدعوة هو نشر الإسلام، إلا أنها كرّست موارد كبيرة لتطوير طريقة ترجمة للغة تفتقر، بسبب تاريخ من الاضطهاد، إلى تقاليد أدبية ومعجم منقّح وأدوات للكتابة والضبط الرقمي.

ويمكن من خلال هذه الجهود أن تساهم ترجمات القرآن الكريم في الحفاظ على اللغة حية، أو حتى السماح لها بالازدهار مرة أخرى.

قنطرة ©