"اهتمامي بالثقافة العربية حدث بالصدفة"
ولدت المستعربة الالمانية ليزلي ترامونتيني في باكستان، كان والدها مهندسا عمل في دول عديدة وكان عليها أن تتنقل مع العائلة في البداية ثم وحدها بعد الزواج. تقول إن السبب الأساسي لانجذابها إلى دراسة اللغة العربية هو سبب شخصي خاص قد يبدو مضحكا في نظر الكثيرين، لقد رغبت في قراءة شهادة ميلادها المكتوبة باللغة الأوردية ذات الحروف العربية. هكذا كانت البداية التي قادتها فيما بعد إلى مصير شرق أوسطي شبه كامل. حصلت على منحة في الكويت اولا، وهاهي تعيش وتعمل في بلدان المنطقة منذ أكثر من عشرين عاما، وأمضت الأعوام الخمسة الأخيرة في بيروت كباحثة في المعهد الألماني للدراسات الشرقية الذي كانت آخر أنشطته إقامة مؤتمر دولي بعنوان " العالم الاسلامي واوروبا: من الحوار الى التفاهم "
كيف بدأ اهتمامك بالشرق والثقافة العربية؟
ليزلي ترامونتيني: كان الامر صدفة. لم يكن لدي اي اهتمام بالثقافة او بالدين او السياسة في هذه المنطقة، الموضوع كله اني ولدت في باكستان وشهادة ميلادي مكتوبة بالاوردية، وهي لغة تكتب بحروف عربية. منذ صغري اردت قراءة هذه الشهادة، وفي المانيا في ذلك الوقت لم يكن هناك اي امكانية لدراسة اللغة الاوردية فاخترت العربية. البداية كانت صدفة ولكن بعد ذلك اكتشفت ان الادب العربي يناسبني على المستوى الشخصي وخاصة عندما حصلت على منحة دراسية من جامعة الكويت عام 1982 وهناك دخلت الى العالم الفعلي الذي تشكل اللغة العربية وسيلة التواصل فيه.
درست اللغة العربية كلغة ميتة في المانيا شأنها شأن اليونانية واللاتينية والفارسية والعبرية، وفي آخر سنة كنت ادوام كمستمعة في كلية للبنات وهناك قرأت قصيدة " انشودة المطر" لبدر شاكر السياب ودخلت عالم الشعر مع انني لم اكن افهم كل شيء. هكذا كانت بداية اهتمامي الجدي بالعالم العربي.
لماذا اخترت الادب، هل كانت لديك فكرة ما عنه من خلال الترجمات؟
ترامونتيني: خلال دراستي في المانيا لعلوم الاستشراق اطلعت على ابي نواس والمتنبي وكان لدي اهتمام بقراءة الشعر الانكليزي والفرنسي. اما عندما قرأت بدر شاكر اسياب فقد كان ذلك اشارة الى انني سأركز على الشعر العربي الحديث. في المانيا الان تغيرت مناهج علوم الاستشراق. عندما عدت الى المانيا ابديت رغبتي في دراسة السياب كأطروحة لي. اللغة العربية حينها لم تكن تعني الكثيرللألمان والشعر خصوصا كان من الصعب دراسته. الان تغير كل شيء، بامكانك هناك تعلم ليس اللغة فقط بل حتى اللهجات الخاصة بالدول العربية. انا بدأت عام 1978. بدأت في الكويت مع اطروحة السياب المشرف الاول على الاطروحة رفض الفكرة في البداية ثم نجح الامر. كنت ادرس وحدي وساعدتني مشرفتي الثانية كثيراً لان المشرف الاول لم يكن مختصاً في الادب.
ما الذي جذبك الى شعر السياب؟
ترامونتيني: اعتقد ان ماجذبني اليه هو الالم او الحزن في كتابته. السياب حتى حين لم اكن افهم كل شيء في قصائده ولم تكن لدي معلومات كافية عن خلفية هذه الكتابة. الا انني كنت احس بعمق ما اقرأه خاصة عندما اكون حزينة. وكلما قرأت اكثر كنت ازداد اعجاباً به. طبعاً قرأت الى جانبه نازك الملائكة والبياتي ولكن ليس بالعمق الذي قرأت به السياب. هذا كان منذ زمن، لاحقا صرت اقرأ اشعارا وكتابات احدث، الآن اقرأ عباس بيضون وشوقي بزيع ورشيد الضعيف وحسن داوود وغيرهم.
كيف تصفين حياتك واقامتك وعملك في الشرق الاوسط، الكويت، السعودية، ابو ظبي، العراق، ايران، لبنان؟
ترامونتيني: اعتقد ان الحياة هنا اسهل من المانيا من ناحية ولكنها اصعب ايضا من ناحية اخرى. التعامل مع الناس هنا أسهل وتكوين الصداقات أسهل، بالنسبة لي الشرق الاوسط اختصاصي وافضل ان اكون في قلب اختصاصي على ان اكون في مكتبي في المانيا. افضل ان اعيش مع الناس حتى في العراق كأجنبية كانت الاقامة جميلة. انا احببت العراق والناس والمدن ومناخ العيش والعمل هناك رغم صعوبة الظروف السياسية.
الاحظ ان لهجتك عراقية تقريباً ويمكن رؤية لوحة تمثل الحسين معلقة هنا ومكتبتك مليئة بكتب واصدارات شعرية عراقية.
ترامونتيني: اللهجة بسبب سكني سنوات طويلة في العراق والخليج ، الآن اجد صعوبة في استيعاب وفهم بعض التعبيرات اللبنانية. العراق هو الحبيب الاول كما يقول ابو تمام. صورة الحسين جلبتها من ايران، كنت اسكن في بندرعباس وكنت اعلقها في مكتبي هناك وعندما جئت الى لبنان احضرتها معي.
ما الفرق بين دراسة الاستشراق النظرية ومعاينة عالمه الواقعي ومعايشته عن قرب؟
ترامونتيني: هذا سؤال مهم جدا، انا اعتقد ان دراسة العلوم الاستشراقية والعربية في المانيا تختلف عن المجيء الى هنا والاقامة في قلب التجربة. عندما درست السياب كان قد توفي من زمان.عملت مقابلات مع شعراء وكتاب عرفوه، قابلت جبرا ابراهيم جبرا وسواه. لو اعتمدت فقط على الكتب لما توصلت الى نفس النتائج من خلال معايشة الواقع. انا دائماً افضل ان يأتي الدارسون الى الشرق ويقضوا فيه فترة ما لكي يأخذوا فكرة حقيقية وملموسة عن الحياة والمشكلات هنا. حتى اذا كانوا يدرسون مواضيع تعود لفترات زمنية قديمة من تاريخ هذه المنطقة.
بالنسبة الى بيروت، كيف ترين العمل والحياة فيها؟
ترامونتيني: لا ادري اذا كنت استطيع ان اقارن اقامتي في العراق مع لبنان. هناك مجتمع واحد للمثقفين في العراق اما هنا في بيروت الاحظ ان هناك مجتعات عديدة داخل هذا المجتمع، هنا يوجد تنوع اكثر وهذا ايجابي. ولكن لا اعرف اذا كان التواصل بين هذه المجتمعات وافرادها عميقاً ومستمراً. هذا انطباعي من بعيد وليس حكماً نهائياً من متابعة دقيقة.
أما عن المعهد الالماني للابحاث الشرقية في بيروت. المعهد تـأسس منذ اربعين سنة. وهو يهتم بالثقافات واللغات الشرق اوسطية. وقد جاء اليه اجيال من الباحثين وانشغلوا بالقراءة والكتابة والبحث. ومنذ عشر سنوات تغيرالحال والطموحات. رسالتنا الآن هي الحوار والانفتاح والتعاون مع زملائنا اللبنانيين. ونتيجة لهذا التغير في التوجه نقوم الان بعقد مؤتمرات وندوات لتبادل الافكار وهذا يأخذ من وقتي الكثير. علينا ان نكون جزءاً من الحياة الاكاديمية اللبنانية. في السنة الماضية عقدنا مؤتمراً عن العراق، وهذه السنة عقدنا مؤتمر "العالم الاسلامي واوروبا: من الحوار الى التفاهم" وطبعاً تسبق المؤتمرات تحضيرات كثيرة تستمر شهورا احيانا. الاكاديميون في المعهد اربعة، مدير المعهد وثلاثة باحثين بالاضافة الى موظفين لبنانيين.
بدأت بدراسة الادب والآن انت مشغولة بالعلوم السياسية والاجتماعية هل انت مرتاحة اكثر؟
ترامونتيني: انا طبعاً لست مختصة بالعلوم السياسية، ولكن وجودنا هنا يفرض علي الاهتمام بقضايا المنطقة وما يحدث فيها خصوصا بعد احداث 11 ايلول والحرب في العراق. ولهذا لا اجد وقتاً كافياً للادب عموماً وليس لقراءة الشعر فقط، احياناً اكتب بعض المقالات عن الشعر العربي. ولكن كنت اتمنى ان انشر كتباً نقدية. هناك ايضاً عائلتي التي ينبغي ان اهتم بها. الوقت ضيق وانا احاول ان استفيد منه قدر الامكان.
أجرى الحوار حسين بن حمزة، قنطرة 2004