العلم والتكنولوجيا هما أكثر الأسلحة فعالية
دكتور خالد، يبدو في يومنا هذا ان العمليات الانتحارية قد أصبحت شائعة بين المسلمين المتطرفين. يقول المفكر السوري، هاشم صالح ان المسلمين يركزون على "كاميكاز". ما رأيك بالعمليات الانتحارية التي تُنفذ تحت راية الإسلام؟
خالد أبو الفضل: أولاً أرفض ربط هذا التوجه مع مفهوم الجهاد، فان الجهاد يختلف تماماً عن العمليات الانتحارية التي تُنفذ هذه الأيام. الجهاد أيضاً يختلف عن الحرب المقدسة خلال الحملة الصليبية التي تطورت من عقيدة تطهير النفس لتصبح إراقة دماء.
يعتبر القتل خلال الحرب المقدسة بمثابة آلية للتقرب من الله وتعتبر الحرب مقدسة. من هنا، لا يُنظر إلى أي نوع من الوحشية خلال الحرب على أنه نوع من الوحشية.
على العكس فالجهاد يعتمد على قوة الدعوة وغياب روح الإنتقام. في مفهوم الجهاد فإنه يجب عليك ألا تعتبر نفسك قاتلاً ولا يجب عليك التضحية بالعدو لأنها مشيئة الله.
تعتبر الحرب في مفهوم الجهاد بمثابة شيء عسير، شرٌ لا مفر منه (عسر ضروري) وعلينا تجنبه (مكروه). الحرب مسموحة فقط لتحرير المسلمين من الطغيان وللدفاع عنهم من الهجمات. هذا هو مفهوم الجهاد.
أعتقد ان القيام بالجهاد عن طريق العمليات الانتحارية يرتبط بالحداثة. فهو لا ينبع من الأدب الإسلامي المعتدل. سيكولوجياً فإن منفذي هذه العمليات يبحثون عن الحياة الأبدية في الآخرة حسب تصورهم.
انتقادي هو أن مفهوم الجهاد لدى منفذي التفجيرات قد همّش الشروط المسبقة للحرب التي وردت في القرآن الكريم والتي تحتم التحضير للحرب بشكل دقيق ومفصّل. هدفهم من الجهاد ليس التحرير أو الفتح، إنما التدمير لمقاومة الهيمنة الغربية.
هنا نرى نقاط الخلاف بين مفهوم الجهاد القائم على مُثل أخلاقية وبين استراتيجية العمليات الانتحارية الهجومية المتأثرة بإيديولوجيات ثورية تعود إلى الستينات.
اذا انت تنفي علاقة العمليات الانتحارية بمفهوم الجهاد في الإسلام.
أبو الفضل: انها ليست مسألة عمليات انتحارية، إنما مسألة قتل أناس بدون التفريق بين المحارب وغير المحارب. حرم الفقه الإسلامي هذا النوع من القتل العشوائي (قتل الغيلة). قتل الغيلة هو القتل على غفلة حيث لا يملك المعتدى عليه فرصة للدفاع عن نفسه.
ان الأخلاق تحتل مكان الصدارة في كتب الفقه وخصوصاً فيما يتعلق بالحرب. لا تقتل المحاصرين والأطفال والنساء والضعفاء من الرجال. الرؤية التي يتبناها منفذو العمليات الانتحارية تختلف عن إيديولوجية الجهاد. فهم يتوقعون من الجميع مقاومة الغرب ولذلك فهم يعتبرون المسلمين الآخرين كافرين.
لقد رأينا ذلك بوضوح عندما تم قتل السفير المصري لدى العراق ومن خلال الهجمات المتكررة على الشيعة هناك. أعتقد ان هذه الأعمال تنبع من الفكر الوهابي الذي يعتبر الشيعة خارجين عن الإسلام ولذلك يجب محاربتهم. أشخاص أمثال أبو مصعب الزرقاوي وصفوا المسلمين بالالحاد وحللوا قتلهم.
هل توافقهم على جهودهم لمقاومة الهيمنة الغربية؟
أبو الفضل: لا أنكر مشكلة الهيمنة الغربية ولكن علينا طرح السؤال: ما هو جوهر هذه الهيمنة وكيف تتخلص منها بلاد مثل الصين واليابان وايران وكوريا الجنوبية وكوريا الشمالية وتركيا؟
نحن ننسى ان العلوم والتكنولوجيا هم أكثر الأسلحة فعالية ويشكلون رمزاً للمجد في يومنا هذا. لا تنس ان علينا بناء دولة بعيدة عن الفساد والاستبداد علينا الاختيار بين دولة استبدادية ودولة الرفاهية.
نحن بحاجة لنظام يفتح الأبواب على العلم والثقافة، نظام قادر على معالجة مشكلة التلوث البيئي، يؤمّن مياه نظيفة ويحد من انتشار الأمراض. التكنولوجيا هي الجواب الوحيد لهذه الأمور.
أعتقد ان مقاومة الهيمنة الغربية يجب ان تبدأ بمحاربة دول الفساد. تحضير الخيل لمحاربة العدو كما ورد في القرآن تعني اليوم تحضير العلم والتكنولوجيا. كل من يملك العلم والتكنولوجيا يملك العالم.
أجرى الحوار نوفرينتوني ورامي الدرديري أعضاء شبكة "يارنجان" للإسلام الليبرالي
ترجمة منال عبد الحفيظ شريده
حقوق طبع النسخة العربية قنطرة 2005
أُجري الحوار في أوتيل هيلتون في جاكارتا خلال زيارة الدكتور أبو الفضل لأندونيسيا في صيف 2005
نوفرينتوني ورامي الدرديري أعضاء شبكة "يارنجان" للإسلام الليبرالي
خالد أبو الفضل أستاذ القانون الإسلامي في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجيليس.
قنطرة
شبكة "يارنجان" للإسلام الليبرالي في إندونيسيا
قبيل أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 اجتمعت
مجموعة صغيرة من المثقفين المسلمين في إندونيسيا للقيام بتكوين ثقل مضاد للحركات الإسلامية المتطرفة في بلدهم، وقاموا بتكوين شبكة "يارنجان" للإسلام الليبرالي.
نحن بحاجة إلى ثورة فكرية!
خالد أبو الفضل مفكر إسلامي معاصر يعيش في اميركا، وأحد مشاهير رجال القانون المسلمين الأميركيين، لديه تفسيرات حديثة لعلاقة الدين بالحضارة الغربية المعاصرة.