"فرنسا تتغافل عن وجهها الحقيقي"
هل ترون أن هناك مشكلة تمييز عنصري في فرنسا؟
كريم الزريبي: هناك مشكلة هوية في فرنسا، هذا أمر لا جدال فيه. فرنسا عازفة عن النظر إلى وجهها الحقيقي، في حين هي تنطوي على بعد خارق من التعدد الثقافي في الواقع. فقد عرفت كيف تصهر داخل كيانها موجات من الهجرة المتنوعة، من إسبانيين وإيطاليين وبولنديين ومغاربة وأفارقة. غير أنه يظل لديها إشكال مع هذ الصنف الأخير من المهاجرين. هناك صعوبة في القبول بمحمد أو فاطمة كمواطنين فرنسيين مكتملي الصفات والحقوق.
والطبقة السياسية الفرنسية تظل بعيدة كل البعد عن الصورة الحقيقية للمجتمع الفرنسي. على المرء أن يبدي إرادة صادقة وأن يتجنب الوقوع في مطب التحديدات النِّسبية. كما لا ينبغي أن يتوقف هذا الصراع على مبادرات محمد ونادية دون غيرهم. بل ينبغي أن يتجند لذلك مجمل المجتمع الفرنسي. فالأمر لا يتعلق بصراع جاليات، بل بصراع من أجل المجموعة الوطنية.
ما هو موقفك من السياسة الفرنسية المتبعة حاليا في مجال إدماج المهاجرين؟
الزريبي: بلادنا لم تعد مؤهلة لإعطاء دروس للغير. فالجمهورية واللائكية نموذجان رائعان، لكن الأمور أكثر تعقيدا في الواقع. وعندما ننظر إلى البلدان الأنجلوسكسونية فإننا نرى ديناميكية تعدد ثقافي حقيقية ذات نموذج اندماجي لا يناسبني شخصيا، لكننا مع ذلك أمام ظاهرة بروز نخبة من ذوي المؤهلات الرفيعة تنتمي إلى "المنحدرين من الأقليات"، حتى وإن كنت لا أحب مثل هذه العبارة. إذ عندما يكون المرء جمهوريا لا يحق له أن يتكلم عن أقليات، بل عن مواطنين ومواطنات، لأن المرء لا يعرّف بأصوله.
وإذا ما تم التعريف وفقا للأصل الذي ننحدر منه فذلك يعني أن هناك قلقا في موقع ما، أو أن هناك أناسا مهمشين أو منسيين أو لا يحظون بما يستحقون من الاعتبار. فأنا لست مع التمييز الإيجابي ولا مع تحديد النّسب. وإذا ما فتحت المجالات للممتازين، والاعتراف بمؤهلات ومقدرات وإشعاع الأفراد دون تمييز فسيكون للتعددية مكان في كل الميادين.
لكن إذا لم يكن هناك تمثيل يعكس التركيبة الحقيقية للمجتمع فذلك يعني أن هناك عوائق لم نتوفق بعد في إزالتها. لكن فرنسا اليوم موسومة بميسم إعادة إنتاج النمط المجتمعي التقليدي. إنها جمهورية قائمة على عنصر الانتساب وشبكات العلاقات. ولم يكن هذا هو ما وُعدنا به على مقاعد المدرسة. هناك كان يقال لنا بأنه علينا بالاجتهاد في العمل وستشتغل آليات الارتقاء الاجتماعي من لدن نفسها.
لم أنت متعلق كل هذا التعلق بالجمهورية؟
الزريبي: الجمهورية تعني المعاملة على قدم المساواة، وهذا بعد أخوي في العلاقات البشرية. وهي رفض لممارسة الإقصاء والفصل. إنها مبدأ اختلاط اجتماعي وثقافي، وهو ما يتناقض وعقلية الكيانات الإثنية المنفصلة و"التعايش جنبا إلى جنب" بصفة متوازية. المشكلة التي تعيشها فرنسا هي نفس ما تعيشه بريطانيا وهولندا والولايات المتحدة.
فلهؤلاء معاقل إثنيات معزولة (غيتو) مثلنا، وضحايا التمييز ومشاكل إقصاء. صحيح أن هناك أشياء قد نجحت عند الأنغلوسكسونيين، وعلينا أن نحتذي بها كمسألة الحلم الأميركي مثلا. لكن ليس هناك حلم جمهوري، وأنا أود أن يكون هناك حلم جمهوري: أن يكون بوسع المرء أن ينطلق من لاشيء ويكون قادرا على كل شيء، وأن يقول لنفسه بأن كل شيء ممكن.
لماذا تتحدث عن حلم جمهوري وليس عن حلم فرنسي؟
الزريبي: الجمهورية بالنسبة لي مبدأ كوني وليس مفهوما فرنسيا بحتا. ولا ينبغي لتاريخ بلادنا أن يظل منحصرا في حدود بلادنا، فأنا أحلم بأوروبا جمهورية ولائكية. لكن علينا أن نثبت أولا بأن الجمهورية تشتغل كما ينبغي عندنا.
ألا يمثل ساركوزي مثالا جيدا للاندماج الجمهوري؟
الزريبي: ساركوزي ينحدر من الهجرة المجرية التي تختلف عن غيرها من وجهة نظر التاريخ الفرنسي. ولذلك فلا أحد يحاسبه عن أصوله. لكن قد يكون الأمر أكثر تعقيدا بالنسبة لفرنسي من أصل مغاربي أو إفريقي كان لفرنسا معه تاريخ أكثر توترا. فسنة 1962 هي البارحة، والاستعمار ما يزال حدثا قريبا. وللأسف فنحن لم نتوفق بعد إلى كتابة صفحة من تاريخنا المشترك نحن في حاجة إليها اليوم من أجل النظر إلى المستقبل بأكثر هدوء بعيدا عن الانفعال.
تقول بأن هناك مشكلة هوية في فرنسا، فما الذي تنتظره من وزير الهجرة والهوية الوطنية؟
الزريبي: أريد منه أن يقدم لي تعريفا جديدا لما يعنيه "أن يكون المرء فرنسيا". أن يكون المرء فرنسيا لا يعني أن يكون الشخص أشقر بعينين زرقاوين، أو أن يكون كاثوليكيا، أو في عداد الغاليّين منذ ثلاثة أجيال. أن يكون المرء فرنسيا يعني مشاطرة قيم مشتركة، وتبني قيم الجمهورية واللائكية. وهذا لايعني أيضا تنكرا للأصل.
أجرى الحوار ماكس ديزبو وماركوس ف. غلايزر
ترجمة علي مصباح
حقوق النسخة العربية قنطرة 2007
صدرت المقابلة في موقع Cafe Babel
قنطرة
معارضة من ضواحي المدن الفرنسية
بينما كانت تعبئة غالبية المهاجرين المسلمين في ضواحي المدن الفرنسية ضد نيكولا ساركوزي في انتخابات الرئاسة الأخيرة قوية للغاية يجدها المرء قد ضعفت في الإنتخابات التشريعية الجديدة بصورة واضحة. تقرير من برنارد شميد حول أسباب ذلك
لا وجود لصوت إسلامي موحد!
"اذهبوا إلى صناديق الإقتراع" - بهذا النداء توجه ممثلو المنظمات الإسلامية في الأيام الأخيرة قبل الجولة الأولى من إنتخابات الرئاسة إلى المواطنين المسلمين في فرنسا. على الرغم من ذلك لم يستطع أحد المرشحين الإثنى عشر كسب ودّ المنظمات الإسلامية الكبيرة. مقال بقلم غوتس نوردبروخ
الرؤية الفرنسية الألمانية
تركز الباحثة الإجتماعية نيكولا تيتسه في بحثها الأكاديمي على أشكال هوية المسلمين في ألمانيا وفرنسا. سوزان جواد أجرت حوارا معها حول أوجه التعامل المختلفة مع الإسلام في البلدين