"أسعى لتأويل معاصر للإسلام"
السيد خورشيد، ما هي المبادئ التربوية واللاهوتية الإسلامية التي ستنطلق منها في منصبك الجديد كأستاذ للتربية الدينية الإسلامية ؟
مهنَّد خورشيد: سوف أقدِّم علومًا دينيةً تركز على الطابع الإنساني، لأن الدين جاء لخدمة الإنسان وليس العكس، أي لم يأتِ الإنسان ليخدم الدين. لذا أُعنى بعلوم دينٍ تطرح أسئلة روحية كما تطرح الأسئلة المتعلقة بحاجات الإنسان اليومية. وهنا لا يتعلق الأمر بقوانين ودوغمائيات. أريد إيصال صورة عن الإسلام لا علاقة لها بدينٍ دوغمائي. وهذا النوع من الفهم لعلوم الدين يتوافق بالمناسبة مع مبادئ الدولة الدستورية ومع الحياة في مجتمعٍ تعددي.
كيف سينعكس ذلك على التدريس لديك؟
خورشيد: أُعنى بعلوم تربوية دينية عصرية. وأتصور في هذا السياق درس دينٍ ينطلق من الواقع المُعاش للتلاميذ والتلميذات. أريد أن أربط الدين بالواقع المُعاش للطلبة وللتلاميذ بدلاً من تلقينهم الشرائع الدينية تلقينًا أعمى، فليست هذه غاية الدين.
لكن وفي الوقت نفسه هنالك مشكلة لدى أبناء المسلمين الوافدين، حيث إنهم لا يتقنون لغة ذويهم التي هي في أغلب الأحيان تركية أو عربية. فلا تكفي معارفهم اللغوية لفهم خطبة الإمام في المسجد مثلاً. وبهذا تبقى الكثير من الاحتياجات مفتوحة. لذا أرى أنَّ مهمة درس الدين أنْ يتناول هذه الاحتياجات. ومن شأن درس الدين العصري أنْ يتعامل بانفتاح مع النشء وأنْ يمكِّنهم من بلورة تديُّنهم بأنفسهم وبشكلٍ نشِط.
ما تقييمك لدرس الدين الذي تقدِّمه المساجد في ألمانيا؟
خورشيد: تُقدم المساجد دروسًا مسهبةً في الدين لكنها في أغلب الأحيان ليست موجَّهة للنشء. وغالبًا ما تكون دوغمائية تُقدِّم إسلامًا لا يعني أكثرية النشء. لذا يبتعد هؤلاء عن الإسلام كما تُبيِّن الدراسات الميدانية الموضوعية، ويفقدون الاهتمام بالمسائل الدينية. فهم يرفضون دينًا يفرض عليهم القيود، ويفضلون دينًا يخدمهم ويتفهم قضاياهم.
ما طبيعة العلاقة المرجوة التي يجب أنْ تكون بين درس الدين في المسجد ودرس الدين في المدرسة؟
خورشيد: لا بدَّ من أنْ يكمِّل أحدهما الآخر وأنْ يكون التناسب تكامليًا بينهما. ولا أرى أنَّ هناك ضرورة لاستبدال الدين في المساجد بآخر في المدارس الرسمية، ولا أنْ يكون الهدف من درس الدين في هذه المدارس سحب الأولاد من المساجد.
ناهيك عن أنَّ الممارسة العملية أثبتت أنَّ هذا الأمر لا ينجح. ولكنَّ التكامل يتطلب التعاون البنّاء مع المساجد. وعلينا أن نسعى لتحقيق توافقٍ على الأمور، وإلا ربما سيُقال للتلاميذ في المساجد إنَّ هذا الدرس أو ذاك مثلاً غير أصيلٍ أو ليس إسلاميًا بما فيه الكفاية. وقد يفقد الدين المصداقية لدى التلاميذ. وهذا ما يجب أنْ نتجنبه.
ما تقييمك لحوار الأديان القائم حاليًا في ألمانيا؟
خورشيد: التواصل مكثف جدًا في ألمانيا. وعلى سبيل المثال يُشكِّل "مؤتمر الإسلام في ألمانيا" مثالاً إيجابيًا. وهنالك أيضًا الندوات الحوارية والمبادرات المتعددة الديانات التي تُعقد بشكلٍ دوري وتتلقى دعمًا قويًا من الدولة.
ما دور الروابط والجمعيات الإسلامية برأيك؟
خورشيد: الروابط والجمعيات الإسلامية أصبحت أكثر انفتاحًا في السنوات الأخيرة. وهي مهتمة بالحوار أكثر مما كانت مهتمة به قبل عشر أو خمس عشرة سنة. ولكنني أتمنى لو أنَّها تهتم بشكلٍ أقوى بعلوم الدين. وهذا ما افتقده لدى بعضها. تريد الروابط والجمعيات أنْ تمثل المسلمين سياسيًا، وهذا الأمر جيد، لكنه لا يكفي. إذ عليها أنْ تنفتح أيضًا على الحوار بخصوص علوم الدين، وذلك ليس فقط في إطار الحوار متعدد الديانات بل ضمن الخطاب الإسلامي الداخلي كذلك. والهدف يكمن في تكوين أساسٍ نظريٍ مشتركٍ لمستقبل الإسلام في أوروبا.
كيف تنظر إلى العلاقة بين الإسلام والحداثة؟ ما هي المبادئ التي يمكن تأويل الإسلام بشكلٍ معاصر على أساسها؟
خورشيد: القرآن كلام الله. وبوصفي باحثا في علوم الدين تشغلني مسألة التعاطي مع كلام الله. كيف يمكن أنْ نفهمه بشكل مناسب؟ هل علينا أنْ نفهم القرآن حرفيًا؟ وهل ينبغي علينا أنْ نطبق كل ما أنزل من أحكامٍ تشريعيةٍ في القرن الميلادي السابع (كتشريعات العقوبات مثلاً) حرفيًا على ما حياتنا في العصر الراهن؟ لا أعتقد ذلك، لذا أقول إنَّ الإسلام يجب أنْ يفسر بشكلٍ يتوافق مع العصر.
هذا التأويل يجب أن يسأل: أيُّ الإجابات وفي أيِّ سياقٍ مجتمعيٍ يجب أنْ تُعطى الإجابات عن الأسئلة. لا بدَّ لنا من أن نفهم طبيعة قضايا الناس في ذلك العصر، وأن نفهم مغزى الإجابات التي أعطيت آن ذاك. وعلى أساس هذا التأويل سنتمكن من طرح السؤال عن معنى النصوص المقدسة اليوم.
وأنا كمسلم وعالم دين أنطلق من أن كلمة الله المنزلة في القرآن لم تأتِ لمن عاشوا في القرن الميلادي السابع، بل أيضًا لناسِ هذا العصر. ولكن لكي نجيب عن هذا السؤال لا بدَّ لنا من قراءة القرآن في سياقه التاريخي. وإنْ لم نفعل ذلك لن نستطيع أنْ نفهمه بالشكل الصحيح.
هل منهج التأويل هذا مقبولٌ في العالم الإسلامي؟
خورشيد: طوَّر المسلمون منهجهم التأويلي الخاص في القرن الميلادي الثامن، وتناول المنهج أسباب النزول، ولكن هذا التقليد غاب ولم يستمر للأسف. من هنا أنادي اليوم بمنهجٍ نقديٍ تاريخيٍ، لأننا بأمس الحاجة إليه. بيد أنَّ الكثير من المسلمين يسيئون فهم هذا المفهوم. ويظنون أنَّ المقصود بـ "النقد التاريخي" أنَّ القرآن أصبح بحكم التاريخ ولم يعُد يعنينا اليوم. ويفهمون تحت "نقدي" أنَّه يجوز مناقضة ما ورد في القرآن. إنَّ هذا ما هو إلا فهمٌ خاطئٌ ببساطة.
بينما ليس المقصود بهذا المفهوم سوى أننا نريد البحث في السياق التاريخي بشكلٍ دقيق. وينبغي أنْ تكون مهمتنا أنْ نبحث عن المغزى الكامن خلف الحروف، أي عن روح النص. وهنا يتعلق الأمر بالمبادئ العامة التي يشير القرآن إليها. أما كيفية تطبيق الناس لهذه المبادئ في حياتهم اليومية فذلك مرهونٌ بالسياق الذي يعيشون فيه.
أجرى المقابلة: كِرستِن كنيب
ترجمة: يوسف حجازي
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2010
قنطرة
حوار مع أستاذ التربية الإسلامية بولنت أوجار:
"تخوف مسلمي ألمانيا من فرض إسلام رسمي"
يرى بولنت أوجار، أستاذ التربية الإسلامية في جامعة أوسنابروك، أنه ينبغي لدولة القانون الألمانية تجنب التدخل في عملية تطور "إسلام ألماني" وفرض رؤيتها عليه، بيد أنه يطالب في الوقت نفسه الجمعيات والمنظمات الإسلامية بأن تعيد النظر في بنيتها وهيكلتها الأساسية. إلباي جوفرجن حاور البروفيسور أوجار.
تخلي البروفسور سفين كاليش عن الإسلام:
عودة الجدل حول أهلية تدريس الدين الإسلامي في ألمانيا
قرار البروفيسور سفين كاليش، عالم الدين الإسلامي في ألمانيا، بالتخلي عن الإسلام، لم يطفئ الجدل المثار منذ سنوات حول أفكاره، بل يفتح باب التجاذبات بين الحرية الأكاديمية في الجامعة ونفوذ الهيئات الدينية على مجال تدريس الدين الإسلامي في الجامعات الألمانية. منصف السليمي يلقي الضوء على تداعيات قرار كاليش.
كتاب "الشريعة الإسلامية – الماضي والحاضر" للبروفيسور روهه:
"فهم الشريعة يجب أن يقترن بالسياقات التاريخية"
في كتابه الجديد "الشريعة الإسلامية – الماضي والحاضر" يبين أستاذ القانون والمختص في الدراسات الإسلامية، ماتياس روهه، الجوانب التاريخية ونماذج التفسير للشريعة الإسلامية والتي أخذت تظهر على الساحة من جديد في ظل الجدل حول دور الإسلام في الحياة العامة في القارة الأوروبية. مارتينا صبرا تعرفنا بالكتاب.