"من المرجح جدًا أن تكون التصاريح غير قانونية"

بوابة معدنية يتوسطها تمثال للعدالة.
تنظر محكمة العدل الدولية في قضية جنوب أفريقيا التي تتهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة. (Photo: Picture Alliance / imageBROKER | W. Wirth)

تعدّ ألمانيا واحدة من أكبر موردي الأسلحة لإسرائيل، ومن غير المرجح أن يتغير ذلك في عهد ميرتس. تقول ليليان لوفنبروك من المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان إن السياسيين والمُصنعين قد يواجهون اتهامات بالمساعدة والتحريض على ارتكاب جرائم دولية.

الكاتب، الكاتبة : هنا الهيتمي

قنطرة: سيدة لوفنبروك، ما هو دور ألمانيا في تزويد إسرائيل بالأسلحة؟

ليليان لوفنبروك: تعدّ ألمانيا ثاني أكبر مصدر للأسلحة إلى إسرائيل بعد الولايات المتحدة، إذ تبلغ واردات إسرائيل من الأسلحة الألمانية نحو 30 بالمئة.

كيف تطورت صادرات الأسلحة الألمانية إلى إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023؟

كانت العلاقة بين ألمانيا وإسرائيل دائمًا قوية من الناحية العسكرية، لكنها اشتدت بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول. فقد زادت ألمانيا صادراتها من الأسلحة بشكل كبير مباشرة بعد الهجمات. ففي أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحده، تمت الموافقة على صادرات أسلحة بقيمة تزيد عن 203 ملايين يورو. للمقارنة، بلغ مجموع صادرات عام 2023 بأكمله 326.5 مليون يورو، أيّ أنّ الجزء الأكبر منها جاء مباشرة بعد هجوم السابع من أكتوبر.

في العام التالي، انخفضت الصادرات بشكل ملحوظ في الأشهر الأولى، لكنها عادت للارتفاع مجددًا في خريف 2024.

صورة ليليان لوفنبروك أمام جدار من البلاط الأزرق.
محامية حقوقية

ليليان لوفنبروك محامية وتعمل كمستشارة قانونية في برنامج الجرائم الدولية والمساءلة القانونية في المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان (ECCHR) في برلين منذ أكتوبر/تشرين الأول 2024. عملت سابقًا كمستشارة قانونية في منظمة غير حكومية معنية بالعنف المنزلي القائم على النوع الاجتماعي والإجراءات الجنائية.

إسرائيل كـ"مصلحة عليا للدولة"

كيف يُمكن تفسير هذا التفاوت؟

قد تكون هناك عدة أسباب لهذا التراجع المؤقت في الموافقات بداية عام 2024. فمن جهة، كانت هناك بالفعل الكثير من الموافقات فور هجوم السابع من أكتوبر. ومن جهة أخرى، واجهت العمليات العسكرية الإسرائيلية انتقادات دولية مبكرة.

في ديسمبر/كانون الأول 2023، رفعت جنوب أفريقيا دعوى أمام محكمة العدل الدولية تتهم فيها إسرائيل بانتهاك اتفاقية منع الإبادة الجماعية. وفي مارس/أذار 2024، رفعت نيكاراغوا دعوى أخرى ضد ألمانيا تتهمها بخرق الاتفاقية نفسها والقانون الإنساني الدولي بسبب تصديرها للأسلحة إلى إسرائيل. كما بدأ عدة أفراد من غزة بالطعن في تصاريح التصدير الألمانية أمام محاكم إدارية ألمانية في مارس/أذار 2024.

كل هذا قد يكون ساهم في التراجع المؤقت، لكن في الخريف الماضي، تغيّر الوضع بشكل كبير، إذ أعلن المستشار أولاف شولتس بوضوح أن ألمانيا سلّمت وستُسلم أسلحة إلى إسرائيل.

فبينما بلغت الموافقات حتى منتصف سبتمبر/أيلول 14.5 مليون يورو فقط، وصلت في الثلاثة أشهر الأخيرة من العام إلى أكثر من 146.5 مليون يورو. كما تجاوزت صادرات الربع الأول من 2025 مثيلتها في الفترة نفسها من العام السابق.

ما هي نوعية الأسلحة التي يجرى تصديرها حاليًا؟

حسب معلوماتنا، لم تُمنح موافقات على تصدير أسلحة حربية منذ فبراير/شباط 2024، وإنما تحت بند ما يُسمىَ بـ"مواد تسليحية أخرى". تعدّ الأسلحة الحربية هي الأسلحة المصنفة بموجب القانون الألماني، مثل الدبابات، والقذائف المضادة للدبابات، والقنابل، وأنواع معينة من الذخيرة.

أما "المواد التسليحية الأخرى" فقد تكون أجزاء من الأسلحة الحربية، مثل نواقل الحركة للدبابات أو البرمجيات المستخدمة في الطائرات المسيّرة.

وقد دافعت ألمانيا في قضية نيكاراغوا بأن 98 بالمئة من موافقاتها تخصّ هذا النوع من المواد، وكأنها غير خطرة، رغم أن ناقل حركة الدبابة مثلًا عنصر حاسم في الحرب.

ما هي القواعد التي تحكم هذه الصادرات؟

تنطبق التزامات القانون الدولي على كل من الأسلحة الحربية والمواد التسليحية الأخرى، ويُعبر قانون مراقبة الأسلحة الحربية عن ذلك بوضوح.

ينص القانون على أنه يجب رفض منح التصريح إذا وُجد سبب للاعتقاد بأن منح التصريح سيخالف التزامات ألمانيا الدولية أو سيعرضها للخطر.

لكن لأن عملية الموافقة غير شفافة تمامًا، لا يمكننا معرفة كيف يتم اتخاذ القرار. لا يمكننا سوى معرفة ما تم الموافقة عليه لاحقًا من خلال الأسئلة البرلمانية، ولا تعني الموافقة بالضرورة أن الشحنة قد أُرسلت فورًا، فبعض الشحنات تتم بسرعة وأخرى تتأخر.

ما مشكلة غياب الشفافية؟

عندما لا نعرف ما يُمنح من موافقات أو ما يُسلّم فعليًا، يصعب تحديد موضوع الدعوى القضائية، حتى لو وُجدت موافقات غير قانونية، فإن الطريق القانوني للطعن فيها يصبح بالغ الصعوبة.

تعميق التعاون مع إسرائيل

دبابة تحمل العلم الإسرائيلي أمام السحب.
جرى تصدير ناقلات الحركة للدبابات تحت بند "مواد تسليحية أخرى". (Photo: Picture Alliance / CTK | P. Nemecek)

تصعيد وتيرة القمع

هل يمكنك تقديم أمثلة؟

دعم المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان (ECCHR) عدة أفراد من غزة في قضايا مختلفة.

في أبريل/نيسان 2024، تعلق الأمر بتصاريح لتصدير قذائف مضادة للدبابات، حيث تأكد استخدام هذا النوع من قبل الجيش الإسرائيلي في غزة. وتبين خلال الإجراءات أن ألمانيا منحت تصريحًا لتصدير 3000 قذيفة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتم تسليمها في نوفمبر/تشرين الثاني. وبما أن الإجراءات القضائية بدأت بعد التسليم، فقد أصبحت بلا جدوى.

في مايو/أيار 2024، طالب مقدمو دعوى من غزة، بوقف منح أي تصاريح جديدة للأسلحة الحربية ما دامت العملية العسكرية في غزة مستمرة. لكن المحكمة رفضت الطلب لأنّه لم تكن هناك إجراءات تصاريح مفتوحة في ذلك الوقت، واعتبرت الدعوى سابقة لأوانها.

طالب مقدمو الدعوى بعد ذلك بإبلاغهم فور منح أي تصريح جديد، حتى يتمكنوا من التصرف في الوقت المناسب، لكن ذلك رُفض أيضًا لأسباب تتعلق بحق الحكومة في السرية. ورفضت المحكمة وجود حق قانوني لمقدمي الطلب بالحصول على هذه المعلومات. برأينا، لا يمكن اعتبار هذا حماية قانونية فعالة للحق في الحياة والسلامة الجسدية.

يبدو أن ذلك يشكّل صعوبة بالغة في اتخاذ إجراء قضائي ضد هذه الصادرات.

للأسف، يعتمد ذلك غالبًا على الصدفة، مثل القضية التي يدعمها المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان لشخص من غزة يطعن في تصاريح لتصدير نواقل حركة للدبابات من شركة "رينك" الألمانية.

وكانت مجلة"دير شبيغل" قد نشرت تقريرًا في أكتوبر/تشرين الأول 2024 عن تصاريح التصدير التي منحتها الحكومة مؤخرًا. وقد مكّن ذلك من الطعن في هذه التصاريح بشكل محدد وقبل تنفيذ التسليم.

لا تزال القضية قائمة، وقد رفضتها المحكمة الإدارية بفرانكفورت في درجتها الأولى. ونحن الآن في مرحلة الاستئناف أمام المحكمة الإدارية العليا في كاسل.

تهدف هذه المساعي القضائية إلى منع تسليم الأسلحة مستقبلًا. لكن هل يمكن محاسبة المسؤولين عن الصادرات السابقة؟

نعم، يمكن ملاحقة صانعي القرار السياسي الذين يمنحون تصاريح تصدير أسلحة بشكل غير قانوني، إذ ثبت أنهم ساعدوا في ارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية أو الإبادة الجماعية، سواء عبر قانون الجرائم الدولية في ألمانيا أو على المستوى الدولي في المحكمة الجنائية الدولية.

من بين هؤلاء على سبيل المثال؛ أعضاء مجلس الأمن الفيدرالي مثل المستشار الألماني، ووزراء الاقتصاد، والخارجية، والدفاع. ومن وجهة نظرنا، يمكن أيضًا محاسبة مديري شركات الأسلحة على المساعدة في ارتكاب جرائم دولية.

هل تختلف سياسة التصدير الألمانية إلى إسرائيل عن غيرها؟ أم أن ألمانيا تصدّر أسلحة مشكوك فيها في سياقات أخرى أيضًا؟

نعم، في سياقات أخرى أيضًا حيث تكون آليات المراقبة غير كافية، ويتم تجاهل القانون الدولي في قرارات الموافقة، كما أن نقص المعلومات يجعل المراقبة القضائية صعبة. لكن إسرائيل حالة خاصة لأن سلوك الحرب في غزة جرى تقييمه وانتقاده قانونيًا من قبل عدد كبير من المنظمات والخبراء منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. فالأمم المتحدة حذرت مرارًا من خطر الإبادة الجماعية ودعت إلى وقف تصدير الأسلحة إلى إسرائيل. 

وقد رأت محكمة العدل الدولية وجود خطر معقول بانتهاك إسرائيل لاتفاقية منع الإبادة الجماعية. وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات توقيف بحق نتنياهو ويوآف غالانت. ومع ذلك، ما زالت الحكومة الألمانية تؤيد علنًا مواصلة تسليح إسرائيل، وهذا أمر مثير للدهشة.

منذ الثلاثاء، يرأس فريدريش ميرتس حكومة ائتلافية جديدة من الديمقراطيين المسيحيين والاجتماعيين. ماذا يُمكن أن نتوقع منها؟

في اتفاق الائتلاف، جرى الإعلان عن سياسة تصدير أسلحة توفر مصداقية للصناعة الألمانية، وتتماشى صراحة مع مصالح السياسة الخارجية والاقتصادية والأمنية. وستُسرّع عمليات فحص طلبات التصدير.

وهذا يوحي بأن الاعتبارات القانونية والحقوقية ستؤخذ على محمل أقل جدية. ويُخشى أن تُهمّش حقوق المدنيين المتضررين أكثر مما هي عليه الآن لصالح مصالح قطاع السلاح.

لم تُذكر صراحة صادرات الأسلحة إلى إسرائيل في الاتفاق، لكن ميرتس صرّح بأنه سيجد وسائل لاستقبال نتنياهو في ألمانيا دون أن يُعتقل، ما يشير إلى أن الدعم العسكري لإسرائيل لن يتواصل فحسب، بل ربما سيزداد.

قنطرة ©