حول اللامساواة وما تثيره من سخط في الشرق الأوسط

اللامساواة الحادة هي السبب الكامن وراء الاحتجاجات في الشرق الأوسط، لذا ثمة عاصفة أكبر تتأهب للاندلاع في المنطقة في ظل غياب الإصلاحات البنيوية الحازمة.

الاحتجاجات التي تشهدها بلدان عدة في الشرق الأوسط والتي بدأت في العام 2018 وتتواصل حتى يومنا هذا، ويصفها البعض بأنها "ربيع عربي جديد"، مرتبطة مباشرةً بمستويات قصوى من اللامساواة. ولذا، فإن معالجة اللامساواة هي أولوية أساسية في التقدّم نحو تعزيز الاستقرار السياسي والديمقراطية في المنطقة، ولاسيما أن اللامساواة تتسبّب بترسيخ الأنظمة السلطوية، وتضمن سيطرة النخب السياسية والاجتماعية. وفي غياب إصلاحات اقتصادية بنيوية تستهدف الفقر واللامساواة، تتأهب عاصفة أكبر للاندلاع في المنطقة.

في كانون الأول/ديسمبر 2018، دفع رفع أسعار الخبز بالسودانيين إلى النزول إلى الشارع، ماأسفر في نهاية المطاف عن سقوط الرئيس عمر البشير. وفي مصر، في أيلول/سبتمبر 2019، قام محمد علي، وهو رجل أعمال منفيّ ومتعاقد سابق مع الجيش لأعمال البناء، بتسجيل مقطع فيديو يعرض فيه كيف أقدم الرئيس عبد الفتاح السيسي على اختلاس أموال عامةلشراء منزل فخم له، من جملة أمور أخرى. وقد حقّق شريط الفيديو انتشاراً واسعاً وحفز اندلاع احتجاجات حاشدة. وفي تشرين الأول/أكتوبر 2019، نزل محتجّون عراقيون إلى الشارع للمطالبة بـالخدمات الأساسية مثل المياه النظيفة والكهرباء. وفي الوقت نفسه تقريباً، انتفض اللبنانيون بعدما أعلنت الحكومة عن فرض ضريبة على خدمة الواتساب وغيرها من تطبيقات الهواتف الخلوية، ماأضاف إلى قائمة طويلة من إجراءات التقشف التي اتُّخذت خلال العام المنصرم، والتي أثّرت بصورة غير متكافئة على الفئات الأكثر هشاشة بين السكّان. أخيراً، في إيران، أدّى ارتفاع أسعار المحروقاتإلى اندلاع تظاهرات واسعة النطاق في تشرين الثاني/نوفمبر 2019.

كانت الدوافع وراء هذه الاحتجاجات متشابهة إلى حد كبير. فقد احتجّ المواطنون رفضاً للظروف المعيشية ومن أجل المطالبة بوضع حد للمنظومات الاقتصادية التي أتاحت للطبقات السياسية الصغيرة والفاسدة بأن تعيش على حساب الأكثرية. وحتى في الجزائر، حيث لم تكن الأسباب اقتصادية على نحوٍ واضح وجليّ، طالب المتظاهرون أيضاً بتوفير فرص اقتصادية أكبر. بعبارة أخرى، كان الهدف من الاحتجاجات إحداث ثورة في النظم السياسية القائمة والدفع باتجاه توزيع الموارد الوطنية على نحوٍ أكثر عدلاً.

المطالب التي يرفعها المحتجّون هي من عوارض التطورات التي شهدتها المنطقة في الأعوام الأخيرة. فقد تحررت الاقتصادات، ولاتزال أعداد السكان في ازدياد، وعددٌ كبير من البلدان تهزّه النزاعات ويتعامل مع عدد متزايد من اللاجئين. ونظراً إلى تراجع أسعار النفط، لم يعد ممكناً للحكومات إعادة توزيع الثروات من خلال دمج مواطنيها في القوة العاملة في القطاع العام أو تخصيص مبالغ كبيرة لإنفاقها على الدعم الحكومي لأسعار السلع والخدمات. وهذا أدّى إلى تفاقم اللامساواة الذي ترافقَ مع تشكيك في العقد الاجتماعي في عدد كبير من بلدان المنطقة.

المنطقة ذات المستوى الأعلى من اللامساواة في العالم

بحسب البيانات المتوافرة، الشرق الأوسط هو المنطقة التي تشهد المستويات الأعلى من عدم المساواة في العالم: فقد جمعتدراسة أجراها مختبر اللامساواة العالمية للعام 2018 للمرة الأولى كل البيانات المتاحة عن المداخيل والثروات في خمسة عشر بلداً في المنطقة – بدءاً من مصر وصولاً إلى إيران، ومن بلدان الخليج وصولاً إلى تركيا – ودمجت بينها لوضع تقديرات عن اللامساواة في المداخيل على المستوى الإقليمي في الأعوام من 1990 إلى 2016. وجاءت النتائج صادمة: ففي خلال هذه المرحلة، ذهب 64 في المئة من مجموع الدخل الإقليمي إلى نسبة العشرة في المئة التي تأتي في أعلى قائمة المداخيل في الشرق الأوسط، مقارنةً بـ37 في المئة في أوروبا الغربية و47 في المئة في الولايات المتحدة. ووفقاً لهذه الأرقام، اللامساواة في المداخيل في منطقة الشرق الأوسط مرتفعة كما في البلدان ذات المستوى الأعلى من اللامساواة، مثل البرازيل وجنوب أفريقيا (انظر الشكل1).