نجم الأوبرا في معقل حزب الله
توقفت سيارات الجيب الأربعة أمام فندق بالميرا. قفز رجال الأمن من السيارات ليضمنوا سلامة الطريق القصير الى المدخل. إلا أن المعجبين الذين كان من الممكن أن يهددوا سلامة نجم الأوبرا لم يكن لهم أثر على الإطلاق. و أيضاً عاملو الفندق لم يكونوا على ما يبدو قد أعدوا أي شيء خاص بمناسبة زيارة بلاثيدو دومينغو Placido Domingo، الذي سيقدم في اليوم التالي عرضاً في المعبد الروماني في إطار مهرجان بعلبك. فلم يحضر مدير فندق ليستقبل المايسترو بكأس شمبانيا، و لا عاملا من الفندق ليقوده الى غرفته. كل شىء كان على أريحيته –على غير العادة بالنسبة لدومينغو، الذي عادة ما يقيم في فنادق خمسة نجوم.
على المدرجات الرومانية الأثرية في بعلبك يقام المهرجان الموسيقي السنوي الأهم في لبنان. إذ قدّمَ نجوم من طراز ستينغ Sting أو شارل أزنافور Charles Aznavour عروضهم الموسيقية في أكبر معبد روماني في العالم. و كان العرض الموسيقي لمغني الأوبرا دومينغو قمة الحفلات الموسيقية لصيف هذا العام. أربعة آلاف مستمع حضروا العرض، من بينهم بعض الشخصيات المحلية المعروفة– هذا عدد غير قليل بالنسبة لبلد صغير مثل لبنان.
سكان المدينة فخورون بالضيوف المهمين من عالم الفن الذين تستضيفهم بعلبك سنويا. وتستغل حزب الله الاحتفالات السنوية لتوجيه الأنظار إلى قضاياها السياسية.
فقد اطلقت بعض عناصر الميليشيات الشيعية الرصاص في الهواء احتجاجاً على ترتيل كورس لقطعة كلاسيكية استمدت نصها من العهد القديم أثناء أحد العروض عام 2000. وربطت حزب الله بين العهد القديم وبين النزاع مع إسرائيل.
في الصيف اللاحق أقام حزب الله معرضاً عن "المقاومة" في باحة مدخل المعبد الروماني. و تمّكن أيضاً في هذا العام من لفت الأنظار اليه. إذ نصب نشطاء الحزب على مدخل المعبد تمثالا يرتدي الزي العسكري، بطول ثلاثة أمتار، حاملاً راية حزب الله في يده، و مرتكزاً برجله على خوذة إسرائيلية.
أما إذا كان نجم الأوبرا بلاثيدو دومينغو قد رأى هذا التمثال أو عرف معناه فهذا أمر ليس بأكيد، إذ يبدو أنه كان منشغلا بأمور أخرى. المطرب الذي سينتقل بعد عرضه في لبنان الى سان دييغو و لوس أنجلوس، كان حسب زعمه مرهقاً جداً من العمل لدرجة أنه لم يعبئ بمثل تلك الأمور الجانبية. أيضاً صور آية الله الخميني، والرئيس الإيراني محمد خاتمي أو زعيم حزب الله حسن نصر الله المنصوبة عند مدخل المدينة لم تلفت نظره.
على أية حال لم يكن دومينغو خائفاً من الوضع السياسي في المدينة. بدليل أنه أقام في بعلبك وبات هناك. ليس كإلتون جون Elton John، الذي فضّل في العام المنصرم القدوم بالطائرة من جزيرة قبرص.
و قال نجم الأوبرا: "العالم هو العالم بالنسبة لي. و أنا أحب السفر. لو كان لدي هواجس لما حضرت ببساطة". وهذا الموقف ينطبق على حرسه الشخصي أيضا:
"نعمل سوية مع رجال أمن لبنانيين، و أنا أثق بهم"، كما صرح توماس غِورغنز Thomas Görgens رئيس الأمن، الذي يبقى الى جانب المايسترو على الدوام: "نعم، يبقى هناك خطر ضئيل"، لكن لا يعود هذا الخطر لشهرة دومينغو، بل "لأشخاص ثانويين" مثل كبار رجال السياسة اللبنانيين أو السفراء الذين يحضرون العرض.
قدّم دومينغو عرضاً في لبنان قبل سنتين في باحة قصر بيت الدين: "لقد أحببت الجمهور اللبناني، كان الجو فريداً من نوعه. و قد وعدتهم يومها بأني سأحضر إلى بعلبك في المرة القادمة".
من الواضح أن المعبد الروماني العظيم بأبعاده الضخمة قد استحوذ على إعجاب المطرب: "إنه مكان ساحر و رائع" على حد قوله. "لم أرى في حياتي معبداً بهذا العدد الكبير من الأعمدة التي ما زالت بحالة جيدة. كان هذا هو المكان الأمثل ليقدم عرضاً منفرداً لأغاني الأوبرا ومقاطع من الأوبرا الشعبية الإسبانية "زرزوئلا Zarzuela " المحببة إلى قلب دومينغو.
وقد قدم دومينغو عرضه العرض بمرافقة أوركسترا السيمفونية اللبنانية الشابة. قائد الأوركسترا المفضل لدى دومينغو هو أُيغن كون Eugene Kohn وقد أعد الموسيقيين جيداً قبل أن يقوموا بالبروفة الأخيرة مع دومينغو. الذي علق على أداء السمفونية قائلا:
"استخدام الطاقة الفنية لبلد ما مسألة رائعة و عرض كهذا يمهد الطريق لتطوير هذه الإمكانيات الفنية ولدفع موسيقيين جدد للأمام".
بقلم كرِستينا فِورش
ترجمة يوسف حجازي
© قنطرة 2004