العراق بعد عام
يشكل الشيعة بكل تكتلاتهم واصولهم العرقية النسبة الاعظم بالنسبة لسكان العراق وهم مع الاكراد يشكلون اكثر من 85% من السكان. فاذا اعتبرنا انهم مع الكلداشور والتركمان كانوا من المتضررين جراء حكم صدام والبعث يكون بمقدورنا ان نقرر على الفور ان فئة صغيرة هي التي احتفظت بامتيازات على صعيد تكديس الثروات، وهؤلاء هم السنة العرب الذين تضررت مصالحهم نتيجة لسقوط صدام.
لذلك ندرك لما يقاتل المثلث السني العربي الامريكان في المناطق الشيعية والكردية مضحين بأعداد كبيرة من كلا الطرفين لانهم يعدونهم أي (الشيعة والكرد) من الخونة والجواسيس لانهم ساندوا الامريكان واكتفوا بدور سلبي، بصرف النظر عن كونهم يمثلون الواجهة الحقيقة للبلد الذي كان محتلا من وجهة نظر الاغلبية الساحقة من الشيعة والكرد من قبل ( صدام) والسنة العرب انفسهم لان صدام كان يستخدمهم مرة ضد الشيعة في الجنوب والوسط وتارة اخرى ضد الاكراد في الشمال.
ونتيجة لهذه الحالة الشاذة فلقد تم اقصاء السنة العرب اخيرا على اعتبار انهم كانوا القوة الضاربة لصدام وحزبه ونتيجة لذلك يكون بمقدورنا ان نفهم لما يعبر السكان في العراق عن تعاطفهم مع قوات الاحتلال.
ومن السابق لأوانه بالطبع ان نتحدث عن العراق بعد سنة دون ان يكون لدينا مجموعة من القرائن او الادلة الميدانية. لقد نشرت عدة استطلاعات فيما يخص تفاعل الناس وتقبلهم لفكرة وجود قوة اجنبية تهيمن على مقدرات البلاد وتفرض الشكل الذي تظنه مناسبا دون ان يجرح ذلك مشاعرهم.
"ان انحلال نظام كان قائما بهذا الشكل العدمي يتركنا امام مشكلة كيف سنلم ذلك الصدع الكبير من اجل ان نواصل الحياة. لقد خرجنا من هوة سحيقة ولمسنا شكل دمائنا من خلال الكوارث" هذا ما يقوله احد الذين سألناهم عن وجهة نظرهم وهي على العموم جاءت متطابقة مع وجهة نظر الاغلبية حيث تعتقد هذه ان القوات الاجنبية جاءت محررة ولم تجىء من اجل الاحتلال.
ووفقا للاستطلاع الذي اجرته مؤسسة اوكسفورد ريسيرتش انترناشيونال في الفترة الممتدة بين 9-28 شباط فبراير والذي يشمل 2737 عراقيا لحساب شركة التلفزيون الأمريكية أي بي سي والتلفزيون الالماني أي ار دي وتلفزيون ال اتش كي الياباني والتي اظهرت ان العراقيين بمجملهم كانوا غير ميالين لتبني وجهات نظر متطرفة تساند الارهاب وتحمل الولايات المتحدة الامريكية سبب تردي الوضع الامني وانتشار البطالة وقلة الخدمات. وعلى العكس من ذلك فإن العراقيين بدؤوا يلمسون تحسن الوضع بالرغم من وجود كل هذه المنغصات لان ثمة ثروة تنتظرهم وبرامج عمل في طور الاعداد، الكهرباء تعم العراق تقريبا والقوة الشرائية للمواطن بازدياد مطرد واطباق الستلايت بدأت تنتشر، كما انتشر الهاتف النقال في عموم العراق.
لقد اظهر الاستطلاع ان العراقيين متفهمون وغير منفعلين مثلما تم تقديمهم "ان مستقبل العراق سيكون رائعا. في ظل الحرية يعمل الانسان بشكل افضل وكذلك في ظل الاحتلال لانه سيقترب من نفسه وسيحضن ذاته الجريحة"، بينما يقول الثالث: "ان المساحة المخربة كانت كبيرة ولان الظلم كان اكبر وهدر الحقوق الدينية والمدنية ولان الكرامة لم تكن موجودة وحرية العمل كانت صفرا ولان الثروات مبددة وفي جيب مجموعة من انصار صدام فان هكذا اشكالات تظل سطحية . العراقيون الان يتنفسون بحرية وهذا حل يرضيهم لقد تعودوا على ان يكونوا مكبلين طوال سنوات واعتقد انهم غير راغبين بالتخلي عن هذه الحرية التي جاءت تحصيل حاصل بالرغم من كونها كانت حادثا عرضيا."
لقد ولدت الحرية من الاحتلال هذا ما يدور على السنة العراقيين بكل اعراقهم ودياناتهم ولان المساحة المخربة كانت كبيرة فإن الانسان العراقي كان يعيش في مأزق صعب ولم يكن امامه سوى السطح يتحرك بين مفاصله لذا فانه غرق في الحياة التي كانت خالية من المعنى. ولان نسبة القمع كانت كبيرة ايضا. لذا فإن السلطة كانت تضع حاجزا كبيرا بين الانسان وموضوعه وهذا ما لمسناه في عهد صدام وحكمه الدكتاتوري.
حسين علي يونس، قنطرة 2004
حسين علي يونس شاعر عراقي مقيم في بغداد