بارينبويم يعزف للسلام في رام الله

تقديرا لجهوده الكبيرة في تطوير الحياة الموسيقية في فلسطين وتوظيفه الموسيقى في خدمة السلام منح عازف البيانو الشهير دانييل بارينبويم جواز السفر الفلسطيني وذلك على هامش حفل موسيقي خيري أحياه بارينبويم في مدينة رام الله، خصص ريعه للرعاية الطبية لأطفال قطاع غزة.

​​من الصعب اختزال شخصية دانييل بارينبويم في قالب محدد أو في وظيفة معينة أو عمل واحد، فعاشق الفن والموسيقى وابن ثقاقة التفاهم والمحبة يجمع في شخصه قيم الإنسانية جمعاء، التي يحملها معه وحيدا بعد وفاة رفيق روحه ودربه المفكر العالمي إدوارد سعيد. لا يترك بارينبويم فرصة مناسبة من دون أن يشير إلى صديقه الراحل ادوارد سعيد، الذي شاركه في تأسيس اوركسترا "ديوان الشرق والغرب"، التي تأسست عام 1999 في مدينة فيمر الألمانية والتي تمثل تجسيدا حقيقيا لـ"فكرة إنسانية"، وفقا لبارينبويم.

ويصف المايسترو البرليني ادوارد إدوراد سعيد قائلا: "لقد استحوذت الاوركسترا على حياة ادوارد سعيد حتى أصبحت أهم شئ فيها مثلما لا يزال في حياتي ومن خلاله سوف تظل مثله العليا حية". وفي تعبير عن رفضه لكل توظيف سياسي لرسالة الاوركسترا الفنية والإنسانية الخالصة يوضح بارينبويم أنه "على الرغم من من التوتر السائد بين إسرائيل وبين دول الجوار العربية، فإنه لا يرغب في تحويل الاوركسترا إلى ساحة للمواجهات السياسية".

فكرة إنسانية تجمع ولا تفرق

وفي معرض وصفه لهذه الاوركسترا الفريدة من نوعها قال بارينبويم: "لم نكن نرغب في أن يكون مشروعا سياسيا. وعندما أقول للناس إن أوركسترا ديوان الغرب والشرق ليس مشروعا سياسيا فإنهم يبتسمون. كيف يمكن أن تتحدث عن الشرق الأوسط ومنتدى يجمع سويا الفلسطينيين والإسرائيليين والعرب الآخرين ثم تقول إنه ليس سياسيا". واستطرد قائلا: "إنه ليس سياسيا، لأن الفكرة من وراء إقامته كانت توفير منتدى للموسيقيين الذين لا ينظرون إلى الموسيقى من برج عاجي فقط، بل على أنها صلة دائمة بين الموسيقى وبين الحياة الحقيقية".

وانسجاما مع هذه الرسالة أحيا بارنبويم حفلا موسيقيا خيريا يوم السبت (12 كانون الثاني/ يناير 2008) في مدينة رام الله بالضفة الغربية، خصص ريعه لتقديم الرعاية الطبية لأطفال قطاع غزة. وقال بارينبويم في معرض تعليقه على الحفل "لست سياسيا.. أتيت إلى هنا لأني أشعر كإنسان أن دماء كثيرة سالت من دون سبب لسنوات طويلة . لكني أعرف شيئا واحدا يجب أن أقوله لكل واحد منا وخاصة للاسرائيلين يجب التأكيد على تحسين نوعية حياة الفلسطينيين لتكون أفضل".

تجربة مصالحة مع الآخر

ومن جانبه يصف عازف الفيولا (الكمان الأوسط) الفلسطيني رمزي عبده رضوان، البالغ من العمر 26 عاما والذي تربى في بلدة رام الله في الضفة الغربية ولم يتعرف على الإسرائيليين في حياته إلا جنودا خلال خدمتهم في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حتى ضمه بارينبويم إلى أوركسترا هذا الديوان الفريد من نوعه، يصف جملة تجربته الفنية في إطار فريق هذه الاوركسترا، التي تجمع فنانيين شبان من الشرق والغرب، قائلا: "كنا نلقي بالحجارة على سيارات الجيب التابعة للجيش الإسرائيلي، ومنذ عام 1997 أصبحت أعزف الفيولا. أما الآن فأصبح الأمر مختلفا. وأضاف الموسيقار الفلسطيني الشاب: "فأصبحت أجد متنفسا جميلا لطاقتي وبعد اكتشافي الموسيقى وما تتيحه لي من سبيل للتعبير عن نفسي أود حقيقة أن أنقل هذه الخبرة إلى أطفالي في فلسطين".

ولد بارينبويم في بوينس ايرس عاصمة الأرجنتين عام 1942 لوالدين يهوديين من أصول روسية كانا كلاهما مدرسا لآلة البيانو. وفي سن الخامسة بدأ بارينبويم في دروس تعلم البيانو على يد والدته ولم يكد يمر عامان حتى أقام حفله الموسيقي الأول. وهاجر بارينبويم وأسرته إلى إسرائيل عام 1952.

عين إسرائيلية على الفلسطينيين

أما عازفة الاوبرا الإسرائيلية، ميراف كاديتشفسكي، فقد تربت في إسرائيل وقالت إنه لم يكن لها أي اتصال بالعرب حتى انضمت إلى الاوركسترا. وتروي كاديتشفسكي تجربتها فتقول: "لقد نشأنا سويا في حقيقة الأمر"، كما تضيف: "فبينما كنت أعتقد فيما سبق أن جميع العرب يتسمون بالعنف فإنني لم أعد أعتقد ذلك. إنهم أناس طيبون للغاية وهم بشر مثلي تماما". وفي الوقت ذاته أوضح بارينبويم "فلسنا من السذاجة لنظن أنه لمجرد أننا نعزف الموسيقى وربما كنا نعزف بصورة متقنة للغاية وننسجم جميعا مع بعضنا بعضا فان هذا كفيل بتسوية النزاع". لكن بارينبويم أضاف أن "الجميع سواسية أمام سيمفونية من أعمال بيتهوفن. فلا يهتم أحد بما إذا كان من يعزف فلسطينيا أو إسرائيليا أو سوريا".

لقد أبدعت أصابع بارينبويم في مداعبة البيانو الذي نال إعجاب المشاهدين الذين صفقوا له طويلا في رام الله. وكرمه الفلسطينيون بمنحه الجنسية الفلسطينية تقديرا لجهوده الكبيرة في تطوير الحياة الموسيقية في فلسطين وتحسينها. وقال معلقا على هذا: "لست أدري إذا كنت المواطن الإسرائيلي الأول أو الوحيد الذي لديه جواز سفر فلسطيني أنا سعيد بذلك وفخور أن لدي جواز سفر فلسطين"، معبرا في الوقت ذاته عن أمنياته في أن يرى الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي يعيشان في محبة وسلام.

حقوق الطبع: قنطرة & دويتشه فيله 2008
قنطرة

دانييل بارنبويم:
دبلوماسية موسيقية
يتخطى قائد الأُوركسترا دانيل بارنبويم بموسيقاه كل الحواجز السياسية والدينية. عصا قائد الأُوركسترا على ما يبدو وسيلة لدعم الحوار الثقافي في منطقة الشرق الأدنى. تقرير بترا تابيلينغ

موقع دانييل بارينبويم الالكتروني

معهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى