رحلة روحانية ساعات صومها طويلة

يعد شهر رمضان مناسبة دينية مهمة في المجتمعات الإسلامية، إلا أن إحياء شعائره وطقوسه تختلف من مجتمع إلى آخر ودرجات مشاقه تتفاوت من بيئة إلى أخرى. والمسلمون في ألمانيا هم امتداد لهذه الاختلافات، غير أن عدد ساعات الصيام الطويلة التي تصل إلى 15 ساعة يوميا يشكل تحديا كبيرا يحتاج كثيرا من الصبر.

​​إلى جانب الصلاة والزكاة والشهادتين والحج، يعد صوم رمضان أحد الأركان الخمسة التي يقوم عليها الدين الإسلامي. ولا يقتصر الصوم في مفهومه الديني على الإعراض عن ملذات الدنيا وحسب، بل إنه يعد أيضا اختبارا روحانيا ينظر إليه من قبل المسلمين على أنه أحد أهم العبادات. ويوافق رمضان هذا العام شهر سبتمبر/أيلول، حيث تغرب الشمس في أوقات متأخرة من اليوم، ما يعني أن المسلمين يصومون 15 ساعة يوميا. فماذا يعني ذلك بالنسبة للمسلمين الذين يعيشون في ألمانيا، خاصة بالنسبة للذين يزاولون أعمالا شاقة تتطلب منهم جهدا بدنيا كبيرا؟

العمل الشاق ورمضان

في احدى المحلات التركية لبيع الخضراوات الواقعة في الضاحية الجنوبية في مدينة كولونيا غرب ألمانيا، تجد عمال المتجر منهمكين في العمل منذ ساعات الصباح المبكرة. فابتداء من الساعة السادسة يبدؤون بإخراج الفواكه والخضراوات من العلب والصناديق لملئ رفوف المتجر. ويجري العمل تحت ضغط كبير كي تكون البضاعة جاهزة قبل أن يفتح المتجر أبوابه أمام المتسوقين عند تمام الساعة الثامنة صباحا.

​​في العادة لا يجد ميميت، الذي يبلغ من العمر 65 عاما وينحدر من منطقة الأناضول في تركيا، أدنى صعوبة في القيام بهذه المهام، لكن الأمر يختلف تماما في شهر رمضان. ويقف مميت في استراحة قصيرة وهو يستعيد أنفاسه ليشير إلى ورقة تحتوي على جداول وصورة مسجد ويقول: "هذا جدول رمضان، إنه يظهر أوقات الإمساك والإفطار أي أن الصيام يبدأ من الساعة (4:45) وحتى الساعة (20:17). خلال هذه الفترة لا يسمح لنا بالأكل أو الشرب، بما في ذلك ممارسة الجنس".

الإرادة للتغلب على مشقة الصيام في فصل الصيف

​​يصادف رمضان هذا العام فصل الصيف الذي تتميز أيامه بطول النهار وقصر الليل، ما يجعله امتحانا خاصا بالنسبة للمسلمين في كل أنحاء العالم، لاسيما أن أيام هذا الشهر حارة جدا في بعض الدول الإسلامية. لكن ميميت يرى أن الصوم تحت ظروف صعبة ممكن. فهو يرى أن الإله يمنح الصائمين الطاقة اللازمة لتحمله ويساعدهم على كبح الرغبات والشهوات طوال سبعة عشرة أو ثمانية عشرة ساعة. كما يرى أن الأمر هو مسألة انضباط، وأن كل من تجاوز عمره الثانية عشر وليس مريضا يمكنه أن يتحمل مشقة الصيام.

من ناحية أخرى لا ينكر ميميت أن الصيام ليس مسألة سهلة، إذ يتعرض الصائم أحيانا لصداع الرأس وقد ينتابه شعور بالإرهاق. لكن ذلك لا يمثل بالنسبة إليه مانعا للقيام بهذه الفريضة الدينية ويقول في هذا الإطار: "رغم ذلك على المرء أن يتحلى بالصبر، فحتى الساعة الرابعة أو الخامسة مساء يمكن تحمل الصيام. لكن بعدها يبدأ المرء يشعر بالجوع والظمأ ولكن عليه أن يتملك نفسه".

الصيام يغير السلوك اليومي

​​أحد المحلات التجارية العربية في برلين وقد زين بالسلع الرمضانية وبالنسبة للكثير من المسلمين يعد الصيام رحلة روحانية تجريبية والإعراض عن ملذات الدنيا اختبار لتقوية التحكم في الذات وتقوية روح الجماعة. ويرى بعض المسلمين أن التعود والصبر وروتين الحياة اليومي من الشروط التي تمكن من إحياء شهر رمضان رغم ممارسة عمل يومي شاق وتقول السيدة أكمالار، وهي تركية الأصل وتزاول مهنة الخياطة: " يعمل زوجي طوال اليوم ولا يأكل أو يشرب إلا عند غروب الشمس. الصلاة تساعد في العادة عند الظهيرة والمساء. إني منشغلة خلال كل الوقت بالخياطة فيما يشتغل زوجي، صانع الأحذية، بالآلة ويعمل على مسح وصباغة الأحذية دون تناول الطعام أو شرب الماء. رغم ذلك لم يتغير مزاجنا ولازلنا لطيفين مع الناس".

وبالنسبة لميميت كيليش، الذي يعمل في أحد مصانع الفولاذ في مدينة دويسبورغ، فإن صوم رمضان ليس بالأمر الهين. فهذا الشهر يمثل بالنسبة إليه تحديا ذهنيا في ضوء التغير الذي يطرأ على سلوكه اليومي خلال هذه المناسبة، إذ يضطر على سبيل المثال خلال هذه الشهر إلى التخلي عن قضاء استراحة العمل مع زملائه الألمان عند الساعة الثانية عشرة وعن ذلك يقول كيليش: "لقد ولدت مسلما وأصوم منذ سنوات. إنه مسألة تعوٌد، كما أنه أمر نفسي، إذ يكفي التفكير في ذلك وعندها يستطيع المر تأدية هذه الفريضة".

ولا يرتبط الصيام بالامتناع عن الأكل والشراب من شروق الشمس إلى غروبها بقدر ما يشمل أيضا جانب السلوكيات والعبادات الأخرى المصاحبة له وعن ذلك يضيف كيليش بالقول: "على المرء أن يقوم بالأعمال الطيبة، وهذا ما نفعله من خلال محاولتنا مساعدة الآخرين ومن خلال التبرع إلى المسجد ليتولى رعاية المحتاجين لأنني لا أعرف حقيقة من هو في عوز شديد أو إلى غير ذلك من أشكال المساعدة والاحتياج".

أريان فاريبورز
ترجمة: طارق أنكاي
دويتشه فيله 2008

قنطرة

الصيام في أجواء ألمانية
المسلمون يتوقون لسماع صوت الآذان والمسحراتي
مع بداية شهر رمضان يشهد أصحاب المحلات العربية في برلين " استنفارا " تجاريا فيعرضون موادا غذائية خاصة بهذا الشهر. تحدث معمر عطوي مع صائمين وغير صائمين في العاصمة الألمانية.

في سجن ألماني:
شهر رمضان خلف جدران عالية
مائة سجين مسلم يقضون عقوبتهم في سجن مدينة هايلبرون الألمانية، البعض منهم يأدون فريضة الصيام ويحصلون على مساعدة إدارة السجن ومتطوعين من الخارج. تقرير شتيفين فيلغر.

مرضى مسلمون في أَلمانيا:
توترات ثقافية ودينية في المستشفيات والعيادات
يعيش حاليًا في أوروبا الغربية أَربعة عشر مليون مسلم، ثلاثة ملايين منهم في ألمانيا. وفي بعض العيادات الطبية تصل نسبة المراجعين من المرضى المسلمين إلى 30 بالمائة. العلاقة بين المريض المسلم والطبيب غير المسلم متوترة أحيانا. تقرير غولروح إسماعيلي.