شهر رمضان خلف جدران عالية
يوجد في مدينة هايلبرون الواقعة في ولاية بادن – فورتمبيرغ سجن واسع الأرجاء واقع في منتصف المدينة. ويزيد عدد السجناء فيه عن 400 رجل يعيشون وراء جدران السجن العالية بعد أن حكم على أغلبهم بالسجن لسنوات طويلة.
يقول مدير السجن، ألريش شليشر، إن نسبة السجناء الأجانب تبلغ حوالي 37 بالمائة من بينهم 100 مسلم. والمعروف السجن الرئيسي في الولاية المذكورة للمحكوم عليهم بالسجن من الأتراك وألبان الكوسوفو يقع في مدينة هايلبرون. كما يوجد فيه أيضا سجناء من دول عربية كالجزائر وتونس.
أحد السجناء المسلمين رجل تركي نشأ في ألمانيا يسمى نادر جينغيز. وهو يقضى عقوبة السجن هناك منذ ثمانية أعوام ويبلغ من العمر 32 عاما. يقول المسجون بحذر ينم عن عدم اليقين إنه "ربما" يقضي سبع سنوات أخرى في السجن.
هذا الرجل القصير القامة وذو البنية الرياضية هو الناطق باسم السجناء الأتراك في السجن. كما أنه الشخص الذي تلجأ إليه المختصة بشؤون التربية الاجتماعية، بيترا كرونكه، طالما تعلق الأمر بأحوال السجناء المسلمين.
رفض جينغيز تلبية دعوة السيدة كرونكه بإعداد الشاي لنا كلنا قائلا على الفور "هذا غير مسموح لي بسبب شهر رمضان". بذلك نكون قد دخلنا إلى موضوع صيام رمضان في السجن.
الصيام فرصة للتمعن في الحياة
يقول السجين التركي الحافل بالنشاط : "الصيام والسجن يقيدان حياة الإنسان "، ثم يضيف قائلا: "لكن كلاهما يدفعاننا إلى التفكير تمعنا في نهج حياة كل منا".
لكن الالتزام بقواعد الصيام لا يشكل عقوبة حتى لو تواجد المرء في السجن. ويؤكد نادر جينغيز بأن الانصياع لتعليمات الدين ليس بالأمر الصعب حتى في داخل السجن. وجبة السحور تقدم للمسجونين المسلمين في الليل فيتناولونها في زنزاناتهم.
ويسمح في سجن هايلبرون بالإفطار سوية نظرا لوجود مطابخ في عدة طوابق. يقول جينغيز: "هذا لم يكن ممكنا في سجون أخرى"، علما بأنه قضى مرحلة الاحتجاز أثناء التحقيق في سجنين آخرين أحدهما في أولم والثاني في شتوتغارت.
سجن هايلبرون هو الأفضل بالنسبة له، فالكثيرون من السجناء المسلمين يشعرون هناك بالارتياح بسبب السماح لهم عند غروب الشمس بالإفطار جماعة داخل الزنزانات وخارجها.
لكن جينغيز الذي يعمل في مطبعة السجن يلاحظ بأن اتباع قواعد الصيام لا يسري على كافة المسجونين المسلمين: "البعض يلتزم بهذه القواعد على نحو تام والبعض الآخر لا يلتزم بها. ويوجد بينهم من يستند على الحجة القائلة بعدم إجبارية الصوم في حالات الطوارىء ويمتنعون بالتالي عن الصيام."
يزور أئمة المساجين المسلمين في سجن هايلبرون مرتين شهريا على مدار العام بكامله، حيث يصلّون سوية معهم. ويقوم بهذه المهمة بالتناوب موظفو منظمة "ديتيب" الدينية التابعة للقنصلية التركية في مدينة شتوتغارت وإمام مسجد الفاتح في مدينة هايلبرون.
التعرف على الدين
يتعرف بعض السجناء على الصلاة للمرة الأولى في السجن. "البعض يصلون عن اقتناع والبعض الآخر من قبيل المجاراة فقط." ويقول جينغيز إن أداء فريضة الصلاة مع مسلمي الكوسوفو أو مع مسلمين عرب يشكل بالنسبة له أمرا غير اعتيادي، فهذا لا يتم في العادة داخل المساجد أنفسها، أي خارج جدران السجون.
منذ أكثر من عقد كامل يشكل الاحتفال بعيد الفطر في سجن هايلبرون حدثا استثنائيا في حياة السجناء الخالية من الاحتفالات والأفراح. ففي هذه المناسبة يُمنحون يوم عطلة ويُسمح لهم بالاحتفال سوية بالعيد بمشاركة ممثلين عن القنصلية التركية في شتوتغارت ومسجد الفاتح في هايلبرون.
تترك المأكولات التركية التي توزع في هذه المناسبة لدى السجين جينغيز الانطباع الأكبر، فهو يقول: "نحن نأكل في الأعياد الشاورمة والتمور واللحم بالعجين، وهي مأكولات لا تتوفر عادة داخل السجن، لكن هذا يعتمد من عام إلى آخر على مقدار المبالغ التي تتبرع بها الجالية الإسلامية في هايلبرون".
ويقوم جينغيز بترتيب احتفال العيد بمشاركة بيترا كرونكه وقسم الخدمات التابع لإدارة السجن. وهو يقول: "إن لدي متسعا من الوقت، كما أن الإعداد للاحتفال يخرجني من دورة الحياة الرتيبة. وأنا بطبيعتي أميل لتنظيم الاحتفالات." ويضيف قائلا إنه يعلق أهمية خاصة على "خلق الحوافز لدى إخواني في الدين لكي يشعروا بأن الالتزام والمثابرة أمران يعودان عليهم بالفائدة".
يشعر المسلم نادر جينغيز بأن هالبرون موقع مناسب بالنسبة له، ويضيف بأن الإيمان يشكّل للكثيرين من السجناء المحكوم عليهم في الأغلب بعقوبات طويلة الأجل "سواء كانوا مسلمين أم مسيحيين"، دعامة يرتكزون عليه في حياتهم.
ويتابع نادر جينغيز بأن الاهتمام بشؤون الدين تعتمد كثيرا على إدارة السجن وطريقة تعاملها مع السجناء والتسامح مع الأديان.
ويأسف جينغيز لعدم السماح له بالذهاب إلى مسجد هايلبرون، ولكنه يقدّر على نحو كبير قيام مدير السجن والمختصة بالتربية الاجتماعية بزيارة هذا المسجد. فهو يرى في تلك الزيارة تعبيرا عن احترامهما لإمام المسجد الذي يقوم بالإضافة إلى ممارسته لمهنته العادية وتطوعه الديني في خدمة المسجد بزيارة السجناء المسلمين في سجن هذه المدينة الكبيرة الواقعة في ولاية بادن – فورتمبيرغ مرة كل شهر.
بقلم شتيفين فيلغر
ترجمة عارف حجاج
حقوق الطبع قنطرة 2005
قنطرة
الصيام في أجواء ألمانية
مع بداية شهر رمضان يشهد أصحاب المحلات العربية في برلين " استنفارا " تجاريا فيعرضون موادا غذائية خاصة بهذا الشهر. تحدث معمر عطوي مع صائمين وغير صائمين في العاصمة الألمانية.
توترات ثقافية ودينية في المستشفيات والعيادات
يعيش حاليًا في أوروبا الغربية أَربعة عشر مليون مسلم، ثلاثة ملايين منهم في ألمانيا. وفي بعض العيادات الطبية تصل نسبة المراجعين من المرضى المسلمين إلى 30 بالمائة. العلاقة بين المريض المسلم والطبيب غير المسلم متوترة أحيانا