الشباب الأجانب وكرة القدم الألمانية

يعتقد المراقبون أن اللاعبين من جذور أجنبية سوف يزيد عددهم في تشكيلة المنتخب الألماني في المستقبل القريب وسوف يصبح هذا المنتخب متعدد الثقافات مثل التغيير الذي طرأ على الفريق القومي الفرنسي. تقرير سمير عواد

حدث هذا في يوكوهاما، حين جرت المباراة النهائية لبطولة العالم بكرة القدم في صيف عام 2002 بين الفريق القومي الألماني ومنتخب البرازيل. فحين نزل الفريقان أرض الملعب كان مهاجم فريق شالكه الألماني، غيرالد أساموه، ضمن التشكيلة الألمانية وكان على هذا اللاعب المولود في غانا، أن يساعد زملاءه في الفريق كي تفوز ألمانيا للمرة الرابعة في تاريخها ببطولة العالم بكرة القدم.

وفي بطولة الأمم الأوروبية في البرتغال، عهد رودي فولر مدرب المنتخب الألماني السابق إلى مهاجم فريق شتوتغارت، كيفين كوراني، ليشغل مركز رأس الحربة وساعده في خط الهجوم ميروسلاف كلوزي الذي ينحدر من بولندا وفريدي بوبيج الذي ينحدر من سلوفينيا.

وفي منتخب شباب ألماني ينتظر اللاعب العربي الاصل مالك فتحي من فريق هيرتا برلين وزميله العربي ميمون الزواق من فريق أف سي فاو ماينتس فرصة التدرج إلى الفريق الأول في المستقبل القريب.

يعتقد المراقبون أن اللاعبين من جذور أجنبية سوف يزيد عددهم في تشكيلة المنتخب الألماني في المستقبل بصورة ملفتة للنظر وسوف يصبح هذا المنتخب متعدد الثقافات تماما مثل التغيير الذي طرأ على الفريق القومي الفرنسي. وسيكون هناك شأن كبير لأبناء الجالية التركية في ألمانيا التي تشكل أكبر جالية أجنبية.

وثبت للجنة المنظمة التابعة لشركة إنتاج اللوازم الرياضية نايك حين نظمت مؤخرا سلسلة من البطولات المحلية التشجيعية في عدد من المدن الألمانية مثل برلين وهامبورغ وكولونيا وميونيخ في سياق البحث عن مواهب في اللعبة الأكثر شعبية عند الألمان، أن غالبية اللاعبين الموهوبين ينحدرون من جذور أجنبية.

كل تغيير يفرض معايير جديدة. على سبيل المثال اضطرت شركة(نايك) إلى الطلب من الشركة المكلفة بإعداد الطعام للاعبين المشاركين في البطولات الشعبية عدم تقديم مأكولات فيها لحم الخنزير ذلك أن 85 في المئة من اللاعبين الذين شاركوا في البطولة الشعبية الأخيرة من أبناء مواطنين أجانب يقيمون في ألمانيا بصورة دائمة وغالبيتهم من أبناء الطائفة المسلمة البالغة عدد أفرادها في ألمانيا قرابة ثلاثة ملايين نسمة.

إن مثل هذه الملاحظات لم تعد حالة استثنائية. ففي دوري فرق الشباب يشارك 210 من اللاعبين الذين ينحدرون من 37 دولة في مباريات أندية الشباب أي بمعدل خمسة لاعبين أجانب في كل فريق. يضاف إليهم لاعبون حصلوا منذ وقت على الجنسية الألمانية مما يؤهلهم للعب لألمانيا.

ويقول إدوين بوكامب المشرف على فرق الشباب في النادي العريق بوروسيا دورتموند إن عدد اللاعبين الناشئين من جذور أجنبية زاد بصورة ملفتة للنظر في الآونة الأخيرة. وفقا لملاحظاته الشخصية عن مواهب الشباب الأجانب قال بوكامب: إن أبناء المهاجرين لديهم رغبة قوية في إبراز مواهبهم الكروية ويمتازون باللعب الفردي والتحكم بالكرة وتختلف طريقة لعبهم تماما عن رفاقهم الألمان الذين يلعبون ببرودة وروح ضعيفة.

يرى بوكامب بين ابرز الأسباب مجتمع الرفاهية في ألمانيا ذلك أن الكثير من لاعبي الكرة الناشئين الألمان يفضلون قضاء أوقات الفراغ مع ألعاب الكمبيوتر وهوايات مكلفة أخرى بينما أبناء المهاجرين الأجانب ليس لديهم المال الوفير لمثل هذه الهوايات ويقضون الكثير من الوقت في ركل الكرة ويعشقونها بصورة أكبر بكثير عن أقرانهم الألمان.

وليس إدماج لاعبين ناشئين من جذور أجنبية واضحا بصورة جلية في فريق مثلما الأمر في فريق شباب بوروسيا دورتموند. ونجح هذا الفريق بالفوز خمس مرات ببطولة فريق الشباب على صعيد الجمهورية الألمانية خلال السنوات العشرة الماضية.

بين أبرز نجوم هذا الفريق: محمد أكغون ومصطفى زهباز وكلاهما ينحدران من تركيا، ماسيمو أوناتيللي ينحدر من إيطاليا، وألكسندر توبوليفسكي ينحدر من بولندا، وزاهر سينيسي ينحدر من سيراليون.

إن ما يجمع بين هؤلاء كونهم يحوزون على الجنسية الألمانية ولديهم فرصة اللعب في المستقبل لألمانيا. ويجد بوكامب أن انتشار لاعبين من جذور أجنبية في أندية الشباب وفي الفرق التي يشرف عليها مدربون تابعون لاتحاد الكرة الألماني دي أف بي سيكون له نتائج واضحة في المستقبل على تشكيلة الفريق القومي الأول.

البروفسور فرانك كالتر من جامعة لايبسيغ عمل في بحث مكثف يحمل عنوان: فرص.. مخالفات وحالات تسلل.. المهاجرون في فرق الدوري الألمانية. وعرض كالتر في أبحاثه بعض الأسباب حول عدم استفادة المنتخب الألماني حتى وقت قريب من الهجرة الأجنبية مثلما استفاد المنتخب الفرنسي والمنتخب الهولندي.

وتوصل خبير علم الاجتماع كالتر في دراسته إلى أنه في حقيقة الأمر لا يمثل كلوزي وبودولسكي وكوراني وبوبيج الأقليات الأجنبية وقال إن الأتراك هم الذين يشكلون الأغلبية الأجنبية في ألمانيا وعلى الرغم منذ هذا فإن مصطفى دوغان هو اللاعب الوحيد من اصل تركي الذي لعب مباراتين لألمانيا في عام 1999.

من ضمن الأسباب أيضا حرص الاتحاد التركي لكرة القدم على العناية باللاعبين الأتراك في ألمانيا وفي هذا السياق شكل الأتراك فرقة من الباحثين عن المواهب يشرف عليها اللاعب التركي المحترف السابق أردال كيزير مهمتها الحصول على تواقيع اللاعبين الأتراك الموهوبين للعب للمنتخب التركي وهكذا استفادت تركيا من لاعبين أتراك نشؤوا في ألمانيا ولعبوا لأنديتها مثل يليدراي باشتورك الذي وقع حديثا للعب لنادي هيرتا برلين وحميد ألتنتوب من نادي شالكه

لكن كالتر يعتقد أن في ألمانيا ما يكفي من اللاعبين الأجانب الموهوبين خاصة من أبناء الجالية التركية. ولعبت السياسة دورا في تأجيل عملية إدماج اللاعبين الأجانب وتسهيل انضمامهم للفرق الوطنية.

وأبرز كالتر في أبحاثه أن هناك 77 لاعبا تركيا على الأقل يلعبون في فرق الشباب التابعة لأندية ألمانية وأن هؤلاء سيكون لهم شأن في المستقبل وكلهم يريد أن يبرز اسمه مثلما برز اسم مهاجم فيردر بريمن الفائز حديثا ببطولة الدوري الألماني. إذ لأول مرة كاد آيلتون أن يحطم رقم عدد الأهداف التي سجلها لاعب في الدوري الألماني.

لكن لم يتم له ذلك رغم مساعدته فريق فيردر برين على الفوز ببطولة الدوري وكأس ألمانيا. وما زال المدافع غيرد مولر لاعب ألمانيا وبايرن ميونيخ السابق يحتفظ بالرقم القياسي لعدد الأهداف التي سجلها في موسم واحد وبلغ 40 هدفا. مولر يعمل اليوم مدربا للناشئين في فريق بايرن ميونيخ ويأمل أن يستعيد أبناء اليوم الأمجاد التي حققها أبطال الأمس وإعادة الهيبة إلى الكرة الألمانية.

سمير عواد، قنطرة 2004

سمير عواد، صحفي مختص بكرة القدم الألمانية