نادي الكرامة – نادي كرة قدم فلسطيني في برلين
خلف محطة الترام السريع بضاحية فيدنغ ببرلين، حيث تُسمع أصوات العربات العابرة، وضجيج الطائرات المقلعة والهابطة في مطار تيغيل في برلين، كان نادي كرة القدم Hertha BSC يلعب هناك. أما الآن فتتدرب هناك بشكل دوري شبيبة نادي الكرامة لكرة القدم. أورزولا تروبر حضرت إحدى المباريات
تقليد رياضي
يبلغ جلال الثالثة عشر من عمره، ولد في برلين وهو الآن تلميذ في المرحلة الإعدادية. يحمل جلال الجنسية الألمانية، لكنه يؤكد قائلا، "أنا فلسطيني". جلال فخور بنادي الكرامة لكرة القدم: "إن الفريق يناسبني جدا، خاصة وأن غالبية أعضائه من العرب." كذلك فإن والده نشط في نادي الكرامة، مع الكبار في السن.
إنه تقليد متبع في هذا النادي: "لقد كان هناك فريق في لبنان"، هكذا يروي جلال. "كان في كل مخيم لاجئين فريق رياضي وكانت هناك نوادي تقوم باجراء مباريات بين بعضها البعض. فعلى سبيل المثال لا الحصر كان يلعب فريق مخيم تل الزعتر ضد مخيم صيدا أو طرابلس، وكان فريق تل الزعتر يسمى في تلك الأيام فريق الكرامة." أما شعار النادي اليوم فهو "كرامة الإنسان لا تمس".
ينبعث صوت صفارة الحكم. تعثر شاب من نادي الكرامة بلاعب من الفريق الآخر. "لم يكن عمدا!" صاح أحد المشاهدين. لاعب نادي الكرامة يساعد اللاعب الآخر الذي وقع على الوقوف ويصافحه معتذرا. هذا الأمر لا ينقذه بالطبع من ضربة الجزاء، ولكن هذا هو الأسلوب السليم بين اللاعبين.
فلسطين-لبنان- ألمانيا: رحلة رياضي
رئيس نادي الكرامة يدعى محمد زاهر. هو وأبو جلال يعرفان بعضهما البعض منذ زمن طويل. نشأ كلاهما في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. ولد زاهر على سبيل المثال في عام 1949 في قرية الطيرة الواقعة قرب حيفا في فلسطين. وكان والده فلاحا يزرع الزيتون ويتاجر بزيت الزيتون. وفي عام 1948 هوجمت قريته من قبل العصابات المسلحة التابعة للحركة الصهيونية، ويقول زاهر بأنه "لم يبق أي شخص هناك" أثر ذلك الهجوم.
"لقد هربوا جميعا، فمنهم من هرب إلى الأردن ومنهم من توجه الى سورية بينما توجه البعض الآخر إلى لبنان." أما عائلة زاهر فقد ذهبت بعد أن قضت قليلا من الوقت في سوريا إلى لبنان، حيث عاشت في مخيم تل الزعتر، وهناك نشأ محمد وترعرع، إلى أن اكتشف كرة القدم التي أصبح مغرم بها، حيث درس التربية الرياضية ليصبح معلم رياضة. وجاء في عام 1970 الى ألمانيا لدراسة الرياضة.
وما هي إلا فترة وجيزة من الزمن حتى اندلعت الحرب الأهلية في لبنان. ولم يبق أمام الكثير من الفلسطينيين سوى التشرد من جديد. وفقط باتجاه أوروبا الشرقية كان الرحيل يومها ممكن. وكان مطار شونيفيلد في برلين عاصمة جمهورية ألمانيا الديمقراطية سابقا هو المعبر الوحيد:
"ومن خلال المعبر الحدودي شارع فريدريش إلى الغرب"، هذا ما يتذكره أبو جلال. "هناك قدمنا طلب لجوء سياسي. كانت إمكانية الحصول على إقامة في تلك الفترة أسهل مما هو عليه هذه الأيام. وكانت فرص العمل في تلك الأيام كبيرة جدا. كل من جاء إلى هنا كان يمكنه الحصول على عمل وقد وجد الجميع عملا وعمل الجميع أيضا." وبقيت غالبية اللاجئين الفلسطينيين هنا. وتوجد اليوم في برلين أكبر جالية فلسطينية في ألمانيا حيث يتراوح عدد أفرادها ما بين 20 إلى 25 ألف شخص.
ولم يأت فقط كبار السن نسبيا إلى برلين بل وصلها أيضا شباب قدموا وحدهم دون رفقة أي شخص آخر. "ولم يكن أولئك الشباب يعرفون في تلك المرحلة شيئا سوى الحرب الأهلية في لبنان" هكذا يقول زاهر. "لقد تعلموا يومها: إن صاحب الحق هو الأقوى. والآن أصبح عليهم أن يتعلموا بين عشية وضحاها، أن عليهم الالتزام بمراعاة تعليمات السير والإشارة المرورية الحمراء والخضراء".
الرياضة كوسيلة للاندماج
ويشعر الفلسطينيون الكبار في السن بمسئولية خاصة تجاه هؤلاء. "لذا فكرنا ماذا لو قمنا بتأسيس فريق كرة قدم رياضي، حتى نملأ فراغ هؤلاء الأحداث ونسهل عملية دمجهم في المجتمع". وبهرتم هذه الفكرة وهكذا تم في عام 1978 تأسيس نادي الكرامة في برلين. وبقي الكثير من هؤلاء الشباب، الذين هم اليوم أكبر سنا، مخلصون لناديهم الرياضي. فإلى جانب الشبيبة والسادة الكبار في السن هناك أيضا فريقان آخران للرجال.
ويقوم النادي منذ بضع سنوات بعمل اجتماعي مفتوح للشبيبة بما في ذلك الشابات أيضا. حيث يقدم لهذه الشبيبة إناثا وذكورا مجالا للحوار المفتوح، مثلا، حول سياسة الدولة الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني. ويقول زاهر بأنه في غالب الأحيان لا يعول على المعلمين الألمان في تقديم المساعدة الكافية لهؤلاء من ناحية الإحساس معهم وكيفية التصرف تجاه شعورهم الممزوج بعدم القدرة على مساعدة أنفسهم والغضب.
ويشعر الكثير منهم بأن أساتذتهم يتضامنون مع الموقف الإسرائيلي دون تمييز وتمحيص. إنهم أيضا لا يصدقونهم عندما يتحدث هؤلاء في الدرس عن ملاحقة اليهود في ألمانيا النازية. وهنا يحاول زاهر التدخل. "إننا نحاول من طرفنا أن نتحدث بالحوار مع الشبيبة العربية في برلين حول تاريخ اليهود في ألمانيا. وكذلك عن الفارق بين سياسة شارون في فلسطين واليهود الذين كانوا يعيشون في ألمانيا في تلك الفترة."
"فاول!" يصرخ جلال لتوه. "فاول، فاول فاول!" لقد قام أحد لاعبي الفريق الآخر بوضع رجله أمام لاعب من فريق الكرامة حيث تعثر الأخير بها. إنه غاضب وترتسم على وجهه ملامح الغضب ورغبة في رد الصاع صاعين. وهناك صفر الحكم. وأنذر قائلا "يمنع التشابك بالأيدي". وحصل فريق نادي الكرامة على ضربة جزاء، لكنه لم يستطع تصويبها في الهدف.
وبعكس السياسة فإن الرياضة عالم تعم به العدالة والمساواة. وذلك بفضل حكم يعمل على الالتزام بشروط اللعب وقوانينه. ويلخص زاهر محاولاته التربوية قائلا: "إن هدفنا هو جعل شبابنا يعيشون بسلام وإبعادهم عن العنف".
أما فيما يتعلق بمستقبلهم وكيف ينبغي أن يكون، فهناك تصورات مختلفة لدى أعضاء نادي الكرامة بهذا الخصوص. إن لدى أبي جلال، على سبيل المثال، حلم يشاركه فيه الكثيرون من الفلسطينيين من أبناء جيله:
إنه يأمل في العودة يوما ما إلى "وطنه الحقيقي"، إلى فلسطين، فهو مايزال يملك شهادة الملكية في قطعة الأرض التي تعود إليه أبا عن جد حتى هذا اليوم. أما بلال الذي يبلغ من العمر 30 عام تقريبا والذي ولد في برلين، فإنه يرى الأمور من منطلق براغماتي: "سيكون بالطبع جميلا لو تمكنا من النزول إلى هناك في زيارة.
أما بالنسبة للعيش هناك، فقد يتطلب الأمر تأقلما جديدا مع الظروف، خاصة وأن للناس هناك أسلوب حياتي وعادات تختلف عما نحن عليه هنا." وماذا عن جلال؟ إنه يعرف بشكل خاص شيئا واحدا، "إنني أريد أن أصبح محاميا. وإن بقي لدي مزيد من الوقت فسوف أتابع ممارسة لعب كرة القدم".
بقلم أورزولا تروبر
ترجمة مصطفى السليمان
قنطرة 2004©