خيمة بدوية قرب قصر الاليزيه
كان نيكولا ساركوزي قد أعلن بتبجح عن أنه سينطلق من خط جديد لدبلوماسية مبنية على القيم. لكن هذا المفهوم الذي طرحه فقد مصداقيته بوضوح لعدة أسباب منها موقفه تجاه معمر القذافي والطريقة التي استقبله بها. تعليق كتبته ميشائيلا فيغيل.
نصب نفسه تحت راية "الرئيس المدافع عن حقوق الإنسان". أما في حقيقة الأمر فإن نيكولا ساركوزي قد فقد في غضون الأسابيع الماضية مصداقيته في الحقل الدبلوماسي على نحو كبير.
ضيف مشهور بنزواته
تصرف الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي حيال قائد الثورة الليبي معمر القذافي بعيدا عن روح الأداء المهني في الحقل الدبلوماسي. وقد جاء ذلك مثارا للدهشة. من حق الرئيس الفرنسي أن يتعامل في هذا الحقل كما لو كان بحكم الممثل التجاري الأعلى لفرنسا ولا غبار بالتالي على عقد صفقات تجارية مع دكتاتور الصحراء القذافي. فقد سبقه في ذلك قبل فترة طويلة أي تحديدا منذ رفع إجراءات المقاطعة عن ليبيا رؤساء حكومات أوروبيون آخرون مثل بلير وشرودر وبرودي.
لكن الفارق في ذلك، وهذا هو موضع الخلل، أن نيكولا ساركوزي قد تسبب من خلال مواقفه وعلى نحو كبير في تهميش فروق المعايير القائمة بين الديموقراطيين وبين الحكام الطغاة. فقد استقبل ساركوزي القذافي استقبالا حافلا كما لو كان هذا القائد الليبي رجل دولة عتيدا في شؤون الديموقراطية وليس أبا روحيا في السابق للإرهاب. الجدير بالذكر أن المراسم لا تفرض على الرئيس الفرنسي تلبية كافة الرغبات الصادرة عن هذا الضيف المشهور بنزواته. على الرغم من ذلك فقد فرّط ساركوزي بالعديد من القيم والأعراف التي قامت عليها الجمهورية الفرنسية بدلا من أن يدافع عنها.
حقوق الإنسان؟ ليس هذا بالموضوع المطروح!
بدأ الأمر بمقطع فكاهي متعلق بنصب الخيبة البدوية على مقربة من قصر الإليزيه للرئاسة وانتهى بلجوء ساركوزي للصمت حيال عبارات التهجم التي سددها القذافي لطريقة معاملة المهاجرين في فرنسا. كذلك تحمل ساركوزي مظاهر الاستفزاز والتعرية التي واجهها من القذافي أمام التلفزيون الفرنسي الرسمي. حيث زعم الرئيس الليبي بأنه لم يتطرق في حديثه مع ساركوزي إلى موضوع حقوق الإنسان، فيما كان الرئيس الفرنسي قد صرح من قبل بعكس ذلك تماما.
كان ساركوزي في حكم المشلول إزاء تصرف زعيم الثورة الليبي المتقلب والحافل بالنزوات كما أنه بذل جل جهده في الدفاع عن ضيفه بدلا من أن يضعه عند حده بوضوح. سعى الرئيس الفرنسي بعد ذلك وعلى نحو متأخر إلى احتواء الأضرار الناجمة عن ذلك فدعا على نحو استعراضي عائلات ضحايا تفجير طائرة فرنسية قامت به ليبيا إلى قصر الإليزيه.
بذلك تكون مصداقية ساركوزي تحت الشعار الذي رفعه باسم "رئيس مدافع عن حقوق الإنسان" قد تزعزعت. ففي غضون أسبوع واحد انخفضت إلى حد كبير ثقة الناس في مصداقية هذا الشعار الذي تبناه طيلة شهور عديدة في مجال السياسة الخارجية. من ضمن ما قاله ساركوزي في ذلك الحين أن فرنسا لن تلجأ أبدا إلى اعتماد الحلول الوسط في تعاملها مع الدكتاتوريين مضيفا بقوله "حتى لو كانوا أصدقاء لفرنسا".
ضد نزعة النسبية في الأحكام؟
شاء ساركوزي إذن أن ينهي روح الدبلوماسية التي دان بها أسلافه في منصب الرئاسة والتي كانت تقوم على تفعيل دور حقوق الإنسان وجعلها المرجعية العليا لكل القرارات المتعلقة بالسياسة الخارجية. بهذا المضمون تحامل ساركوزي بشدة على فكرة "النسبية الثقافية" القائلة بعدم تأهل بعض الشعوب لتبني الديموقراطية.
كما أن مرشح الرئاسة ساركوزي لم يتردد في وصف التطورات الواقعة في روسيا على أنها "مدعاة للقلق" وفي مطالبة الصين بالسماح لطرح "أسئلة متعلقة باحترام حرية التعبير عن الرأي وحرية التجمع". بالإضافة إلى ذلك وصف ساركوزي الممارسات المبنية على المحسوبية في المستعمرات الأفريقية السابقة بأنها "شبكات اتصال ولى عهدها" وأنه يتحتم بالتالي إزالتها.
أما منذ تقلده منصب الرئيس فقد عمد إلى صرف جهود حثيثة لاعتلاء مسرح السياسة الدولية لاستعراض دوره في عمليات الإنقاذ المثيرة لاهتمام أجهزة الإعلام، وذلك أكثر بكثير من الجهود المبذولة منه بهدف تكريس "الدبلوماسية المبنية على روح القيم". فقد جسد صورته كعلم من أعلام السياسة الخارجية من خلال استعراض دوره في عملية "تحرير" الممرضات البلغاريات من سجون التعذيب الليبية ومن خلال استرجاع صحفيين فرنسيين ومضيفي طائرات أسبان من تشاد على متن طائرة تابعة للرئاسة الفرنسية.
عندما تسير الأمور على النحو المطلوب سيكون بوسع ساركوزي أن ينقذ أيضا انغريد بيتانكور (فرنسية - كولومبية) من قبضة مختطفيها في أدغال أمريكا اللاتينية. مثل هذه العمليات تهدف إلى صرف اهتمام الرأي العام عن كون ساركوزي قد ضحى بمبدئه المسمى "دبلوماسية القيم" لصالح برغماتية تجارية تتجنب وقوع استياء ناجم عن طرح المسائل المتعلقة بالمبادىء الديموقراطية.
معدلات متدنية للديموقراطية
لم تكن هناك أدنى مبررات لدفع ساركوزي إلى التملق للرئيس الروسي بوتين بعد فوزه مؤخرا في الانتخابات البرلمانية من خلال تهنئته له على نحو مستعجل. ولم تكن هناك موانع لجعله يعرب في الصين عن تضامنه مع كل من الرئيس الأمريكي والمستشارة الألمانية إزاء قضية التيبيت، إلا أنه امتنع عن القيام بذلك. كما أنه استقبل الرئيس الفنزويلي شافيز دون أن يتحفظ علنا حيال مواقفه المندفعة في تأييد إيران. بالإضافة إلى ذلك فقد عزز من مركز رئيس غابون، بونغو،أقدم الحكام المستبدين في القارة الأفريقية، على نحو ما قام به قبله سلفه شيراك.
هذا وقد تقبل ساركوزي صامتا هجمات حافلة بالعداء للسامية سددها وزير جزائري علما بأن الرئيس الجزائري أبدى حيال تلك الهجمات تحفظات افتقدت إلى ثبات الموقف. يضع ساركوزي معدلات الديموقراطية على نحو منخفض مما يجعل رؤساء الدول مثل بوتفليقة قادرين على اجتياز تلك المعدلات بسهولة. أما بالنسبة لمشروع الاتحاد المتوسطي فإن ساركوزي لا ينشد من وراء تأسيسه تدعيم أوصال مبادىء دولة القانون والديموقراطية في دول المغرب العربي بل يتألف صلب هذا المشروع من تعزيز التبادل التجاري.
العودة الى الثوابت التقليدية
لا تعود أسباب تبني ساركوزي للثوابت التقليدية للسياسة الخارجية للجمهورية الخامسة إلى طبيعة "العجرفة" التي يقال إن رؤساء الجمهورية الفرنسية يتسمون بها في العادة. فهذه التنازلات المقدمة من سدة الرئاسة تجاه حكام الدول الغنية بالنفط وبغيرها من المواد الأولية الأخرى تعود في حقيقة الأمر إلى افتقاد الثقة في قدرة التجارة الخارجية الفرنسية على منافسة الدول المعنية الأخرى.
يؤمن ساركوزي بفكرة تسيير الدولة نفسها للأمور التجارية ويعتقد بالتالي بأن الشركات غير قادرة على أداء مهامها التجارية دون دعم منه. هذا يعني أنه يتبنى الثوابت التقليدية للسياسة الخارجية الفرنسية على عكس الانطباعات التي تركها في هذا السياق أثناء الحملة الانتخابية.
بقلم ميشائيلا فيغيل
ترجمة عارف حجاج
حقوق الطبع محفوظة: فرانكفورتر ألغمايني تسايتونغ/ قنطرة 2007
قنطرة
مزيج من التناقضات
في معرض بحثه عن نهج سياسي خارجي يتبعه مع دول المستعمرات الفرنسية السابقة في شمال أفريقيا، ورط الرئيس الفرنسي نفسه بوعود متنضاربة حول مسعاه لإقامة تحالفات داخلية ومع دول المغرب العربي على حد سواء. تقرير من برنهارد شميد.
فرصة لمراجعة الشراكة الأورو-متوسطية
طرح الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي خلال زيارته الأخيرة إلى الجزائر وتونس فكرة إنشاء اتحاد متوسطي، يشكل بديلا لاتفاق برشلونة. سليم بوخذير عن التحديات التي تواجه هذا المشروع.
التجارة بحقوق الإنسان
إنَّ الانفراد الفرنسي في المفاوضات مع نظام القذافي وإعلاء قيمة هذا النظام من خلال زيارة ساركوزي الرسمية لليبيا بمثابة نذير سوء بالنسبة لمستقبل السياسة الخارجية المشتركة للاتِّحاد الأوروبي. تعليق أندرياس تسوماخ.